يبدو أن الغرب لم يحسم موقفه بعد تجاه الاسلام والمسلمين رغم التصريحات الايجابية التي أطلقها بعض القادة والزعماء الغربيين وفي مقدمتهم الرئيس الامريكي باراك أوباما الذي دعا في خطابه الشهير بجامعة القاهرة لفتح صفحة جديدة من الحوار والتسامح بين الجانبين. الدليل علي ذلك هو الجدل المحتدم الان في الولاياتالمتحدة حول اقتراح بناء مسجد بالقرب من موقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر بعد قرابة عشر سنوات علي الهجوم الارهابي الذي دمر برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وأسفر عن مصرع ثلاثة آلاف شخص. وتواجه أيضا خطط لبناء مسجدين في منطقتي بروكلين وستاتين ايلاند في نيويورك معارضة شديدة من جانب الكثيرين من الامريكيين الذين يتوهمون أن المساجد هي مجرد معامل لتفريخ الارهابيين وأوكار لتدبير المؤامرات ضد الحضارة الغربية!! وكان مجلس مدينة نيويورك قد وافق في مايو الماضي بأغلبية ساحقة علي اقتراح لمجموعة من القيادات الاسلامية الامريكية ببناء مركز إسلامي ومسجد يحمل اسم "بيت قرطبة" في موقع هجمات سبتمبر المعروف باسم "جراوند زيرو" كخطوة تصالحية تهدف إلي تحسين العلاقات بين المسلمين والغرب وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي سيطرت علي أفكار الكثيرين من الامريكيين بعد هجمات سبتمبر الارهابية. ورغم ذلك، اعتبر بعض سكان نيويورك أن بناء مسجد في الموقع الذي تعرض لاكبر هجوم إرهابي في تاريخ أمريكا يعد خطوة غير ملائمة. وقال أحد سكان نيويورك الذي يعيش بالقرب من المكان المقترح لبناء المسجد إنه "سيكون سلميا في البداية لكننا لا نعلم ماذا سيدرسون هناك وهذا هو ما يضايقنا. إذا نظرت للاحصائيات ستجد أن أغلب الارهابيين مسلمون." وتصاعدت المعارضة مع اقتراب موعد القرار الذي ستتخذه لجنة "الحفاظ علي معالم نيويورك" بشأن مسجد قرطبة خلال الصيف الحالي. ودعت سارة بالين المرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس الامريكي في الانتخابات الاخيرة المسلمين لاختيار موقع آخر غير منطقة جراوند زيرو "لان بناء مسجد في هذا المكان استفزاز غير ضروري وسيترك حرقة في القلب." ووصلت الامور إلي حد إدعاء بعض المتعصبين أن اختيار اسم "قرطبة" لهذا المسجد المقترح يشير إلي فترة الامبراطورية الاسلامية في الاندلس وهو ما يعني أن مفهوم "هيمنة المسلمين" مازال يسيطر علي أذهان العناصر الاسلامية حتي تلك التي تصف نفسها بالمعتدلة!! هكذا، وصل الحوار بين الجانبين حول هذه القضية إلي ما يشبه حوار الطرشان.. فكل من يؤيد بناء المسجد متطرف وأصولي بل وإرهابي بينما كل من يرفض متعصب وعنصري وعدو للاسلام والمسلمين! نفس الموقف تكرر بسيناريو آخر في ألمانيا حيث أغلقت الشرطة مسجد طيبة في مدينة هامبورج بحجة أن عددا من منفذي هجمات سبتمبر 2001 كانوا يرتادونه ولأن الجمعية الثقافية التي تشرف علي المسجد ربما تكون استخدمت كغطاء لتجنيد ناشطين إسلاميين راغبين في الجهاد!! ويشير تنامي ظاهرة الخوف من الاسلام "إسلاموفوبيا" في العديد من الدول الاوروبية إلي أن كل الاحاديث التي تتردد عن التسامح وثقافة الحوار هي مجرد حرث في الماء. والخوف كل الخوف أن يعود العالم مرة أخري لمفاهيم نظرية صراع الحضارات التي طرحها المفكر صامويل هنتنجتون في تسعينيات القرن الماضي وأن تنتعش مقولة الشاعر الانجليزي روديارد كيبلينج في القرن التاسع عشر بأن الشرق شرق والغرب غرب وهما لا يلتقيان!!