اذكروا محاسن موتاكم الأستاذ الدكتور محمد كامل القليوبي مثقف كبير، عرفناه قرب منتصف الستينيات من القرن اللي فات، درس الهندسة والسينما، وكان مشروع تخرجه منها فيلم قصير رائع، وبعد بعثة الدكتوراه رجع لنا أستاذ في معهد السينما، وقدم عدد من الأفلام، ووصل لعمادة معهد السينما، ومن فترة بيكتب لنا في الأهرام مقالات، بتملا حياتنا الثقافية نور ومعرفة، بس مقالته الأخيرة في وداع الأبنودي (الله يرحمه)، أثارت عندي بعض الشجون وبعض التحفظات، وشايف ان من حقي - بل من واجبي - إني أناقشها، ويجعل كلامي خفيف عليه وع القراء، والدكتور القليوبي اعتمد في مقالته علي الذاكرة، ودي كتير ما بتخون اصحابها خاصة اللي ف سننا، وكتير بيختلط فيها اللي عشناه باللي سمعناه، وبتقدم وبتأخر أحداث ووقائع، وبتبدّل وبتعدّل في أسماء وشخصيات، مثلا مثلا بيحكي لنا عن مجموعة قصصية (عيش وملح) وبيقول انها مرتبطة بشقة العجوزة، مع ان «عيش وملح» صدرت قبل ما يكون فيه حاجة اسمها شقة العجوزة بسنتين تلاتة، وبيقول عن شقة العجوزة.. شقة محمد جاد، مع انها كانت شقة سيد خميس، وكانت في 27 شارع ابو المحاسن الشاذلي، وكان ساكن معاه فيها الفنان مكرم حنين والفنان الدسوقي فهمي (والد الفنان ابراهيم فهمي)، والكاتب محمد جاد، وبعد كده الفنان الراحل محمود بقشيش، وآوت كتير من الفنانين والشعراء، (زيي وزي الأبنودي وعبد الرحيم منصور)، في أول حياتهم الأدبية والفنية، وكان بيتردد عليها كتير من مثقفي الستينيات وفنانيها (زي اللباد ونبيل تاج وطارق البشري)، وبيحكي لنا الدكتور عن تقديم صلاح جاهين للأبنودي في باب «شاعر جديد يعجبني» بصباح الخير، بشكل يوحي كأنه عمل الباب ده مخصوص عشان يقدم الأبنودي، مع ان عم صلاح قدم قبل كده في الباب ده الشاعر الكبير الراحل فؤاد قاعود، وبعدين قدمني في 27 يوليو 1961، وبعدنا قدم الشاعرة فريدة الهامي، وكان صلاح جاهين بيخليني أفرز له بريده عشان اختار له الشعرا الجداد اللي يستحقوا التقديم، ولقيت جواب جاي من قنا وفيه تلات قصايد للأبنودي اللي كنت عرفته قبلها بسنة أثناء تأديته للخدمة العسكرية، وطرت بالجواب لعم صلاح، ولما قرا القصايد لمعت عينيه بالفرحة وهو بيقول : الله ! شاعر وجودي في الصعيد !!، وقدمه في الباب لقراء صباح الخير، وبعدها بشهور جانا الأبنودي من قنا، وده كله كوم، واللي بعد كده كوم تاني خالص، الأستاذ الدكتور في معرض تقييمه للأبنودي، ومن باب «اذكروا محاسن موتاكم»، تجاوز الحقيقة وأساء للكثير من شعراء الجيل (وانا منهم)، لما قال ان اللي ميز الأبنودي عن الآخرين شخصيته الفنية المتفردة اللي ما اتأثرتش بصلاح جاهين، بعكس سيد حجاب مثلا، وده كلام مالوش راس من رجلين، إلا إذا كانت الفرادة عنده متمثلة في طرافة اللهجة الصعيدية اللي كتب بها الأبنودي، ومالهاش دعوة بخصوصية الرؤية الشعرية والتجربة الشعورية ودلالات الصورة وبناء القصيدة، وانا أدعو الدكتور القليوبي لإعادة قراءة شعر فؤاد قاعود، وديواني الأول «صياد وجنية»، ويورّينا فين هي التأثرات اللي جرحت فرادتنا وتميزنا، وأدعوه كمان لمراجعة الكتابات النقدية لنقاد كبار معتبرين في زماننا، زي الأستاذ علاء الديب، والدكتور عبد القادر القط، والأستاذ غالي شكري، عن شعر العامية المصرية وعن ديواني الأول، وح يلاقي بعضهم قارن بين شعري وبين شعر لوركا، وبعضهم قارن بينه وبين إيلوار، وما حدش منهم - وكلهم أهل نظر - شاور علي التأثرات اللي اتكلم عنها الدكتور القليوبي، واذا كنت انا في كتير من أحاديثي قلت ان شعر العامية المصرية الحديث خرج من عباية صلاح جاهين والقصيدة الجاهينية، فده اعتراف بفضل الريادة، أما الفرادة الشعرية فده موضوع تاني خالص ! 1980 وانت طالع المرة اللي فاتت قلت لكم ان الثورة الثقافية جايه جايه، وان بشايرها هالّه علينا من كل النواحي، ومن بشايرها اللي تملا القلب فرح وثقة بشباب هذه الأمة، العرض المسرحي 1980 وانت طالع، اللي بيقدمه مجموعة من الشباب مولودين من 1980 وانت طالع، اتجمعوا في فرقة من فرق المسرح الحر اسمها «ستديو البروفة»، وبيقدموا عرضهم الرائع علي مسرح «الهوسابير»، وما اعرفش ليه العرض ده بيفكرني بعرض قدمه شباب الجامعة في مطلع السبعينيات من القرن اللي فات، وكان اسمه «البعض يأكلونها والعة»، كتبه الجميل الراحل نبيل بدران وأخرجه المخرج الكبير هاني مطاوع، وبعض اللي شاركوا في تمثيله بقوا بعد كده نجوم في حياتنا الفنية أو السياسية زي الفنان محمد متولي، والدكتور سامي صلاح، والمهندس طلعت فهمي، وكان العرض ده بداية لموجة من مسرح «الكباريه السياسي»، اللي بيعالج بالنقد بعض الجوانب المعطوبة في حياتنا الاجتماعية أو السياسية. ومسرحية 1980 وانت طالع، كأنها من نوعية «الكباريه السياسي»، بس بطعم ثورة 25 يناير 2011، وواضح ان المجموعة المشاركة في المسرحية من شباب هذه الثورة، طاروا علي جناح الأحلام معاها، ووقعوا من سابع سما ف أرض الإحباط، بس الحمد لله وقعوا واقفين علي رجليهم وصالبين حيلهم قصاد عبيد الماضي ولصوص الثورة، وعينيهم لسه بتشوف لبعيد، وبتتحدي القهر واليأس والاحباط، رافضين كل المسلَّمات القديمة الغبية، وقلوبهم مليانة بالأسئلة المثيرة للدهشة، واللي الإجابات الصحيحة عليها تنوَّر لنا سكة بكره، وعارفين ان الإجابة الصحيحة مش هي الإجابة النموذجية المحفوظة المعتمدة من قبل السلطة، انما الإجابات الصحيحة هي اللي ح تبتكرها الإرادة الشعبية الخلّاقة اللي شفناها ف ثورة 25 يناير. وانا من غير ما اعرف آليات الابداع في العرض المسرحي المتميز ده، بيتهيأ لي ان كان فيه درجة من «الخلق الجماعي» للنص وللعرض، قادها تأليفا كاتب مبدع هو محمود جمال، وقادها إخراجا وسينوجرافيا مخرج موهوب هو محمد جبر، وأداها علي المسرح وليد عبد الغني، ومصطفي السحت، وسمر نجيلي، وسالي سعيد، ومروة الصباحي، وايهاب صالح، واحمد الليثي، وعاصم رمضان، ومحمود عبد العزيز ومحمد خليفة وعلي حميدة، ومحمد عتابي، وكلهم من شباب الثورة ملوا قلوبنا عشق للوطن وناسه وايمان بالثورة والمستقبل، وعمار يا مصر بناسك المبدعين. أوراق قديمة في سنة 2008، جاني مسلسل « عدي النهار»، كتبه الراحل الجميل محمد صفاء عامر، ومن اخراج الرائع عم اسماعيل عبد الحافظ، وكتبت له مجموعة من الأغنيات الدرامية بالإضافة للمقدمة والنهاية، ولحن الأشعار رفيق العمر والمشوار العبقري عمار، وآدي غنوة البداية وغنوة النهاية، كل ما اسمعهم احس ان لسه ما انتهتش مدة صلاحيتهم. (1) كام ليلة عدِّت علينا.. ..وكام نهار عدي ؟! نتهدّ مدة، وننهض مدة م الهدَّة كام شمس مرت علينا.. .. وكام قمر مرّوا ؟! والقلب صابر علي قهره وعلي مُرُّه يا عابر الدهر عيش واتصدّي واتحدي وكام ليلة عدت علينا وكام نهار عدّي .............................................. يا عابر الدهر في ايديك تصنع المقادير عيشها بكرامة انت قادر تبقي بيها جدير غربل ميراثك.. وزيل شره..وزيد الخير واسعي بضمير لخير ناسك وخير الغير يبقي المصير خير وحب ورحمة وموَدّة وكام ليلة عدت علينا وكام نهار عدّي ............................................... ما احناش رعايا لراعي.. .. كلنا اصحاب دار احرار سواسية اخوة ..وحقنا نختار مين ريس البحر والدفة لفين تندار ونصحح الخط.. ..لو يوم شط، ولّا جار وإلّا ننهار.. في عار.. في مرارُه نتردّي وكام ليلة عدت علينا وكام نهار عدّي .............................................. الفن.. وأهل الفن كل ما سمعت المثل الشعبي : ملعون ابو القرش اللي ما ينزِّه صاحبه، اقول في عقل بالي : وملعون الفن اللي ما يكيِّفش صاحبه، بس برضه ملعون ابو الفن اللي ما ما يكيِّفش إلا صاحبه، لأن دايرة الإبداع ماتكملش إلا باستقبال المتلقي لها، وتسلل الرسالة الجمالية لوجدان المتلقي بحيث تنور له العالم النثري الركيك اللي كلنا عايشين فيه. وف حياتنا الثقافية حاجات كتيرة بيسميها اصحابها فنون وابداعات، ويمكن يطلق علي أصحابها ألقاب ماركة الشاعر الكبير أو الروائي اللي ما حصلش، ويمكن كمان يكون أصحابها دول من الحاصلين علي أعلي الدرجات العلمية، أو من اللي بيشغلوا أعلي المناصب في الدولة، أو من اللي بيحصلوا علي أكبر الجوائز في بلادهم (العربية بالتحديد)، زي بعض أبناء الأسر الحاكمة في الجزيرة العربية، أو زي كتير من اللي بيتصوروا ان الحداثة معناها الانقطاع عن الأصول. بس معظم الحاجات دي لا تنتمي للفن والابداع، مهما اطلق علي اصحابها من ألقاب التكريم والتقدير، حاجة كده زي اللي بيسميه اخواننا السودانيين كلام ساكت، يعني كلام لا يودّي ولا يجيب، ولا يهز قلب ولا ينور عقل، ولا يكيفش غير اصحابه واللي زيهم، اللي بيعيشوا ف دواير صغيرة مقفولة عليهم وعلي أتباعهم اللي بتنطلي عليهم لعبة الألقاب الفخيمة والوجاهة الاجتماعية، والمصيبة ان بعض هؤلاء بيستأجرُوا بعض متواضعي الموهبة عشان يكتبوا لهم من الباطن، والأمثلة كثيرة ومعروفة، والحقيقة المضنية ان الناس الفالصو دول، ممكن تكون عقولهم كبيرة، بس أرواحهم فقيرة، وعلي رأي عمنا بيرم : الفن يا اهل النباهة.. روح تخاطب روح.. بلغاها، والحقيقة المضيئة كمان ان فيه بعض الاستثناءات بين أبناء الأسر الحاكمة في الجزيرة العربية، عندك مثلا شاعر سعودي كبير أثري الغناء السعودي بابداعاته، هو الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن، وعندك كمان الشيخ زايد آل نهيان اللي كان في شبابه من أهم شعراء القصيدة النبطية (العامية الخليجية)، واللي كان من أعظم ابداعاته قصيدة اسمها : الامارات العربية المتحدة. وللكلام بقية في المرات الجاية.