التفاصيل المذكورة ليست شروطا ولا ملاحق سرية، إنها بعض النصوص المخزية للمعاهدة المعلنة رسميا، وقد اعتمدنا هنا علي النسخة المنشورة من قبل وزارة الخارجية المصرية نفسها ليس صحيحا أن سيناء عادت إلي مصر قبل 33 سنة، اللهم إلا في أغنية الفنانة شادية الشهيرة «سينا عادت كاملة لينا. ومصر اليوم في عيد»، فقد كانت العودة اسمية لا فعلية، عادت سيناء إلي مصر كرهن غير قابل للتصرف به، وفرضت عليها القيود وحقوق المراقبة الإسرائيلية، وهو ما يفسر المصير البائس الذي آلت إليه خطط تنمية سيناء، فقد كانت كلها نوعا من خداع الرأي العام، بينما ظلت سيناء رهينة لحد السلاح الإسرائيلي في قصة حزينة. مع نهاية حرب أكتوبر 1973، كان لدي مصر في سيناء ثمانون ألف جندي وألف دبابة، وبعد ما أسمي العودة الكاملة لسيناء بقيود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، نزل عدد الجنود المصريين في سيناء إلي فرقة مشاة ميكانيكية واحدة، وبقوة قوامها 22 ألف جندي لاغير، لا تزيد أسلحتها علي 126 قطعة مدفعية و126 مدفعا مضادا للطائرات عيار 37 مم و230 دبابة و480 عربة مدرعة من جميع الأنواع، وكلها محجوزة في المنطقة الأولي شرق قناة السويس إلي مدي 58 كيلو مترا (طبقا للمادة الثانية فقرة 2 بند 2 و3 من الملحق الأمني للمعاهدة)، وإلي شرق المنطقة الأولي، تمتد المنطقة الثانية بعرض 109 كيلو مترات في قلب سيناء، وإلي خط يبدأ شرقا عند الشيخ زويد علي البحر الأبيض المتوسط، وينتهي عند رأس محمد (غرب شرم الشيخ)، وفيها يسمح الملحق الأمني للمعاهدة بقوات شرطة مدنية، وقوة حرس حدود لا تزيد علي أربع كتائب وبأسلحة خفيفة (المادة 2 فقرة أ بند ب)، وفي المنطقة الثالثة شرق سيناء، وتمتد بعرض 33 كيلو مترا غرب الحدود المصرية الفلسطينية التاريخية، لا يسمح لمصر بغير الشرطة المدنية (المادة 5 فقرة 2 من الملحق الأمني)، ولم تتوقف تنازلات الرئيس السادات المفزعة في المعاهدة عند حد نزع سلاح غالب سيناء، وبعمق يصل إلي حوالي 150 كيلو مترا، فقد نص الملحق الأمني للمعاهدة المشئومة علي منع مصر من إنشاء مطارات حربية في أي مكان من سيناء (المادة 2 فقرة 5)، ومنعها من استعمال المطارات التي تخليها إسرائيل في أغراض حربية (المادة 5 فقرة 3)، ومنعها من إنشاء أي مواني عسكرية في أي موقع علي شواطئ سيناء (المادة 4 فقرة 1)، كما نصت المعاهدة (المادة 6 فقرة 2 بند أ من الملحق الأمني) علي تمركز قوات متعددة الجنسيات شرق سيناء شكلتها أمريكا، وهدفها هو التفتيش والرقابة والاستطلاع والتحقيق، وليس لمصر حق طلب سحبها في أي وقت. والتفاصيل المذكورة ليست شروطا ولا ملاحق سرية، إنها بعض النصوص المخزية للمعاهدة المعلنة رسميا، وقد اعتمدنا هنا علي النسخة المنشورة من قبل وزارة الخارجية المصرية نفسها، والخلاصة ظاهرة، فلم تعد سيناء إلي مصر كاملة أبدا كما أشاعوا قبل 33 سنة، بل عادت لتبقي مرهونة رهنا رسميا (تحت يد صاحبها. ولكن لا يستطيع التصرف فيها)، والتعبير القانوني الدقيق يعود للمفكر القومي الراحل د. عصمت سيف الدولة، أو قل بتعبيرنا أن سيناء عادت إلي مصر، علي طريقة الذي أعادوا له قدما وأخذوا عينيه، فنزع سلاح سيناء انتهي بتطبيق المعاهدة والمعونة الأمريكية وتوابعها إلي نزع سيادة القرار في القاهرة، أو قل بالدقة أنه انتهي إلي احتلال قرار مصر في السياسة والاقتصاد والثقافة، وإكراهها علي الاعتراف بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، ووضع المعاهدة مع إسرائيل فوق كل التزام آخر لمصربحسب نص المادة السادسة من الوثيقة الرئيسية، ووقف الالتزام العملي لمصر بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، وخلع مصر بثقلها العربي الحاسم من ميدان المواجهة مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وهو ما التزم به السادات ومبارك حرفيا، ومضي علي السيرة ذاتها حكم الإخوان ورئيسهم المعزول. ولم يتغير شئ من ذلك كله إلا مع حكم الرئيس السيسي، ومع رد الاعتبار لأولوية الاستقلال الوطني في تفاعلات ما بعد ثورة 25 يناير 2011، ومع الموجة الثورية الأعظم في 30 يونيو 2013 بالذات، فقد ظلت القيود علي حالها في عهد مبارك البليد الراكد، والذي حفظ لأمريكا وإسرائيل حق الطاعة في المنشط والمكره، ولم يطلب أبدا إعادة النظر في خرائط نزع السلاح، برغم أن المعاهدة ذاتها تجيز الطلب بعد مرور 15 سنة علي عقدها، أي أن طلب إعادة النظر كان ممكنا بدءا من عام 1994، وهو ما لم يفعله مبارك، ولا فكر فيه، واكتفي بقبول طلب إسرائيل بوضع 750 جندي حرس حدود مصريا في محور صلاح الدين الملاصق لغزة، وبعد أن كانت إسرائيل قررت الجلاء من طرف واحد عن غزة عام 2005، ولم تعد القوات المصرية بكثافة إلي قلب سيناء، ولا إلي شرقها الخالي إلا بعد الثورة الشعبية المصرية، وبعد إحراق سفارة إسرائيل علي نيل الجيزة، وبعد خلع الإخوان من الحكم بالذات، وموقف الإدارة الأمريكية المعارض لتدخل الجيش نصرة لإرادة الشعب، وتقليص التبعية الموروثة لواشنطن مع رئاسة السيسي، ونجاح خطة السيسي في دعم السيادة الإسمية علي سيناء بسيادة عسكرية مباشرة، والاستفادة الوطنية الذكية من تكتيك الحرب علي الإرهاب في شرق سيناء، وفرض أمر واقع جديد، تدفقت فيه القوات المسلحة المصرية بكافة أسلحتها إلي سيناء، وألغت إلي غير رجعة قيود ومناطق نزع السلاح، وجعلتها في خبر كان. نعم هذا هو المغزي الفعلي للحرب الجارية في سيناء اليوم، إنها حرب التحرير الفعلية لسيناء، حرب استعادة سيناء كاملة بدم الشهداء، ووصل ما انقطع مع اليوم الذي سكتت فيه مدافع حرب أكتوبر 1973، وليست مجرد حرب معزولة ضد جماعات الإرهاب، فهذا الإرهاب مجرد عرض لمرض غياب مصر عن سيناء، وقد اتصل الغياب لقرابة نصف قرن، ولم يسبق لجيشنا أن كان ملاصقا لحدودنا في الشرق كما يحدث الآن، ومنذ ما قبل هزيمة 1967.