من واقع زيارتها لما يقرب من 15 محطة نووية بعضها كان ومازال تحت الإنشاء في عدة دول أوروبية أكدت د.فرخندة حسن أستاذ الجيولوجيا بالجامعة الأمريكية وبحسب قولها إن إنشاء محطة نووية يشكل مشروعاً قومياً من الدرجة الأولي وعلي أعلي مستوي يجب ألا يقتصر علي إنتاج الطاقة بل يشمل برنامج تنمية وتطوير صناعات قائمة في الوقت الحالي والبدء بصناعات جديدة مكملة ومصاحبة لبناء المحطة وبرنامج تنمية بشرية تنهض بمهارات شبابنا وقدراتهم علي استيعاب أكثر التكنولوجيات تقدماً، وهو ما يرتفع بمؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصرنا الغالية. لذلك فهي تري أن المشروع ضخم ويحتاج حوارا مجتمعيا يناقش كل أبعاده قبل أن تستعرض خطوات مصر الأولي في استغلال الطاقة النووية وكان هذا مجال نقاشنا معها في الحوار التالي: كيف تابعت المؤتمر الإقتصادي وما تم فيه من اتفاقيات وبروتوكولات لمشروعات الطاقة؟ المؤتمر الاقتصادي فتح طاقة أمل،والحماس والمساندة التي رأيتها من المجتمع الدولي رسالة قوية تضاعف الأمل داخلنا جميعا..المؤتمر نجح نجاحا مبهرا وكان مشرفا وبيّن «مقام»مصر الحقيقي للعالم أجمع،ووجه صفعة قوية لكل من يريد أن يفتح فمه بإساءة لمصر..ولكن لي عتابا علي الإعلام فكنت أود قبل أن يبرز المليارات بالدولار المستثمرة في المشروعات كان عليه أن يقدم عليها عدد فرص العمل التي سيوفرها كل مشروع مما يطمئن المواطن البسيط انه توجد فرصة عمل في انتظاره..مثلا الاتفاق مع المانيا علي إنشاء ثلاث محطات للكهرباء معناه أن كل محطة ستوفر ما بين 2000 إلي 3000 فرصة عمل..كما أنني لاحظت أن هناك فكرا يبدأ من الجذور فمواكبة استحداث وزارة للتعليم الفني مع مشروعات استثمارية كبري كما رأينا يعني أنه لدينا من يخطط بشكل جيد،وأظن أن هذه الوزارة سترقي بالتعليم الفني الذي نضعه في المرتبة الثانية. متي بدأت أولي خطوات مصر نحو استغلال الطاقة النووية؟ عام 1954 حينما تم إنشاء لجنة الطاقة الذرية التي أعدت خطة تشمل عدة برامج مرحلية حيث رأت مصر في ذلك الوقت أن تدخل هذا المجال بأسلوب متأن وبهدوء وليس علي عجل وتم التركيز حينئذ علي مجالين فقط وهما مجال الطب والعلاج ومجال البحث العلمي. بدأ البرنامج الأول وكان يركز علي عملية التعليم والتدريب السليم، فأرسلت البعثات إلي الخارج، وكان المخطط وواضع سياسة الدولة للدخول في هذا المجال بالأسلوب العلمي الرفيع هو أستاذي د. إبراهيم حلمي عبد الرحمن رحمه الله الذي كان وزيراً للتخطيط ومستشاراً للرئاسة، وهو الذي أنشأ معهد التخطيط، وشغل منصب مدير اليونيدو بالأمم المتحدة لمدة ليست بالقصيرة. أماكن مختلفة كيف كانت المراحل الفعلية للبرنامج النووي الأول؟ بدأ النشاط تبعاً للبرنامج النووي الأول بتكوين الكوادر الفنية وإنشاء المعامل المتخصصة، ثم عقدت مصر أول اتفاقياتها النووية مع الاتحاد السوفيتي، والتي بمقتضاها حصلت مصر علي مفاعل نووي يستخدم في الأبحاث العلمية، واختيرت منطقة أنشاص لإقامة أول صرح مصري في هذا المجال، وأرسلت البعثات إلي أماكن مختلفة من العالم لتكوين جيش العاملين الذي سيقوم بالعمل فعلاً حتي لا نعتمد علي الخبرة الأجنبية كلية إلا في الحدود التي تتيح لنا بناء الخبرة الوطنية المحلية، وسار البرنامج النووي الأول سيراً سليماً، ونجح نجاحاً أوصله إلي الهدف الذي كان محدداً له في ذلك الوقت، فقد كان من سمات اتفاقية مصر والاتحاد السوفيتي أنها أتاحت للخبرة المصرية أن تنمو وتزدهر، وتمكن العلماء المصريون من استيعاب هذه التكنولوجيا بمنتهي المهارة لدرجة أنهم تمكنوا من تصنيع بعض النظائر المشعة محلياً في فترة قياسية، وكان قد بدأ ينتشر في ذلك الوقت العلاج بالنظائر المشعة. ما معني العلاج بالنظائر المشعة؟ النظائر المشعة هي عناصر كيميائية تنبعث منها أنواع من الأشعة ، بتحكم معين فيها ، يمكننا استخدامها في علاج بعض الأمراض وقد أهدت مصر إلي سوريا في ذلك الوقت معملاً للنظائر المشعة والعلاج الطبيعي لمستشفي في قرية «دومة» بجوار دمشق، وتم هذا في احتفال علمي مهيب أكد لمصر مكانتها العلمية، وحصل العلماء في ذلك الوقت علي كثير من التكريم، والأوسمة من حكومة سوريا، وكان ذلك قبل قيام الوحدة بين مصر وسوريا، واستمرت البحوث في مؤسسة الطاقة الذرية ثم توسعت ولم تقتصر علي مجال الطب والبحث العلمي فقط بل شملت مجال الزراعة والأبحاث البيولوجية والصناعة..ثم بدأت الدولة تعد للبرنامج النووي الثاني في عام 1957- 1958. ما الذي يميز البرنامج النووي الثاني عن الأول؟ إنه أكثر طموحاً حيث كان التفكير أن تحصل مصر علي مفاعل أكبر من مفاعل أنشاص الذي استوعبه المصريون..وكان المخطط في ذلك الوقت أن تقوم مصر باستيراد ما يسمي «بأجيال المفاعلات» علي مراحل أي كل مرحلة مفاعل أكثر تقدماً من سابقه، وبهذا تتدرج الدولة ويتدرج علماؤها في هذا المجال حتي يمكنهم الاستيعاب السليم لهذه التكنولوجيا علي مدي السنين. ولأسباب ، لم تكن معروفة في ذلك الوقت ، لم يتم ما كان مخططاً له، فقد تعثر البرنامج علي مدي أكثر من خمسين عاماً فلم تتمكن مصر من الحصول علي المفاعل الأكبر ومازلنا لا نملك إلا المفاعل الأول حتي يومنا هذا. محطة الضبعة نحن نتحدث هنا عن محطة الضبعة النووية؟ نعم، فمصر تسعي لتنمية مصادر جديدة حيث ثبت أن هناك حاجة لمزيد من الطاقة لتلبية احتياجات الشعب التي تتزايد باستمرار وهو الأمر الذي أدي إلي طرح فكرة إنشاء محطة لإنتاج الطاقة بالتكنولوجيا النووية علي الساحة منذ نهاية السبعينيات، ودار حينئذ جدل واسع علي المستويين الشعبي والحكومي، وانشغل الرأي العام بالفكرة وأخذ الموضوع شكلاً أكثر جدية مع بداية الثمانينيات عندما تضمنت استراتيجية وزارة الكهرباء والطاقة التي تم عرضها علي مجلس الشعب عام 1981 تشغيل إنشاء أول محطة نووية في مصر في التسعينيات وتم اختيار موقع الضبعة في الساحل الشمالي في الثمانينيات. ولماذا موقع الضبعة علي وجه الخصوص؟ الاختيار تم بحسب معايير علمية مدروسة بدقة شديدة وهي ليست معايير التخطيط العمراني المتعارف عليها فهناك دراسات جيولوجية لأعماق الأرض وتحديد الفوالق والشقوق واحتمالات حدوث الأنشطة الزلزالية بالإضافة إلي ضرورة القرب من مسطح مائي إلي آخر هذه المعايير التي يتحتم الالتزام بها في مواقع المحطات النووية..كما أثبتت الدراسات المتعددة التي بدأت منذ الثمانينيات ويتم تحديثها باستمرار أننا في وضع يحتم علينا اللجوء إلي إنتاج الطاقة بالتكنولوجيا النووية لتوفير وتأمين إمدادات الطاقة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان ولتحقيق النهضة التنموية التي نسعي إليها بالإضافة إلي أنه حق مصر في الاستفادة من الاستخدامات السلمية لهذه التكنولوجيا، مما يترتب عليه إنه آن الأوان لإحياء برنامجنا النووي الذي تعثر علي مدي أكثر من خمسة عقود، إلا أنه ينبغي أن نعي أن إنشاء محطة نووية ليس بالأمر الهين بل هو مشروع ضخم وله جوانب وأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة. وما أهم تلك الجوانب؟ هل سنحصل علي المحطة النووية «تسليم مفتاح» كما كان مخططاً في مرحلة سابقة؟ أم سنشارك في عملية الإنشاء والتنفيذ ؟.. وأشير هنا إلي ما رأيته بعيني عندما كان لي شرف عضوية مجلس الشعب، أثناء زيارتي لما يقرب من خمس عشرة محطة نووية في ألمانيا وأسبانيا والولاياتالمتحدة وكان البعض منها مازال تحت الإنشاء. فبناء المحطة عمل مهول يحتاج إلي عدة صناعات مصاحبة ومكملة له مثل آلاف الأطنان من الأسمنت فعلينا مراجعة حجم إنتاجنا من الأسمنت ومعرفة ما إذا كانت مواصفات ما ننتجه من الأسمنت مناسبة لبناء المحطة أم قد يحتاج الأمر لتغيير المواصفات وتطوير المنتج وزيادة حجم الإنتاج وبناء مصانع جديدة لو لزم الأمر. ورأيت بعيني أيضاً آلاف الكيلومترات من خراطيم البلاستيك المغلِّفة للأسلاك والكابلات، ولدينا مصانع للبلاستيك فهل من الممكن تعزيز وتطوير هذه الصناعة؟..في نفس الإطار أيضاً يحتاج بناء المحطة لكميات هائلة من الحديد ولدينا مصانع الحديد ويمكن تطويرها وزيادة حجم إنتاجها. هل عملية تعزيز وتطوير مصانع البلاستيك والحديد يمكن أن تؤخر خطوة إنشاء المحطة النووية؟ لا بل يجب أن يكون تطوير وتنمية هذه الصناعات موازياً لعملية الإنشاء ليصبح إنشاء المحطة النووية فرصة لتطوير بعض الصناعات ولتنمية قدرات مصر الصناعية ولنتمكن من المشاركة في عملية الإنشاء ولو بنسبة فيها إذا ما تعذر توفير كل الاحتياجات، ولهذا مردود اجتماعي هام وهو توفير مجال لخلق أعداد هائلة من فرص العمل للشباب الذي تتزايد أعداده عاماً بعد عام، كما أن له مردودا اقتصاديا مضمونا فإذا اضطررنا إلي الاقتراض فتواجد هذه البنية القادرة علي الإنتاج ستمكنا من سداد هذه القروض. مؤسسة وستنجهاوس وفيما يتعلق بتشغيل المحطة وصيانتها بعد الإنشاء..هل سنقوم نحن بهذا أم سنستورد المحطة وكذلك العاملون فيها ؟ يجب أن نعي ضمان وجود القوي البشرية المصرية القادرة علي تشغيل وصيانة المحطة..كان لدينا في جامعة الإسكندرية قسم متخصص للهندسة النووية تخرج فيه في الستينيات عدد من المتخصصين كونوا بالإضافة إلي من عادوا من البعثات التي كان قد تم إرسالها في الخمسينيات مجموعة علي أعلي مستوي من الخبرة والكفاءة وعلي أكتافهم قامت الأنشطة في مفاعل أنشاص الذري، إلا أن تراخي الاهتمام وخمود الحماس في هذا المجال عما كان عليه الحال في الخمسينيات والستينيات أدي إلي تشتت وهجرة عدد كبير من هذه الخبرات المتميزة. وفي زيارة لي لمؤسسة وستنجهاوس بمدينة بتسبرج في الولاياتالمتحدة وهي المؤسسة التي تنتج قلب المفاعلات النووية لأغلب محطات العالم، قابلت اثني عشر مصرياً يعملون في هذه المؤسسة. تمويل المحطة كيف سيكون تمويل هذه المحطة؟ خبراء الاقتصاد هم من يحددون ذلك لنصل إلي أسلوب أمثل لتمويل المحطة سواء كان تمويلاً محلياً أو عن طريق القروض من أي مصدر سواء كان من دول أو من بنوك وطنية أو بنوك أجنبية وقد يطرح المشروع بالأسلوب الذي تم إتباعه في مشروع قناة السويس الجديدة ولو لتغطية جزء من التمويل، المهم هو أن تكون هناك خطة اقتصادية محكمة تشجِّع وتثير حماس الجهات الممولة وفي الوقت نفسه تضمن سداد التزامات الدولة بكفاءة. طالبت بمناقشة أمور عديدة بشفافية ووضوح؟ لأن موضوع إنشاء المحطة النووية ليس خاصاً بالحكومة أو بحزب من الأحزاب بل هو موضوع ملك الشعب كله ولذلك يجب أن يكون هناك حوار مجتمعي حوله يناقش كل أبعاد المشروع، ويجب أن يثار في مجلس النواب بعد انتخابه من خلال جلسات استماع يشارك فيها الخبراء والمتخصصون، المؤيدون والمعارضون.. وتتم مراجعة الاتفاقيات الدولية التي تحكم هذا النشاط فعلينا إلقاء نظرة أخري علي ما وقعنا وصدقنا وما نكون قد تحفظنا عليه ليتضح تماماً ما لنا وما علينا.. كما يتحتم مراجعة التشريعات الوطنية ذات الصلة بهذا المجال والتي صدرت منذ عام 1954 لنري ما إذا كان هناك حاجة إلي تعديل بعض النصوص بما يتناسب والظروف الراهنة وليس فقط التشريعات الخاصة بالأنشطة النووية بل أيضاً قوانين حماية البيئة حتي لا يحدث تضارب عند التطبيق خاصة تلك الأمور المتعلقة بأماكن تخزين النفايات وما شابه ذلك وأيضاً قوانين الدفاع المدني وما يسري منها في حالات الطوارئ.