يأتي احتفالنا باستقبال العام الجديد.. بمشاعر يحدوها الأمل بمستقبل يبشر بكل الخير.. لأنه ليس أمامنا خيار آخر السبت : بعد ساعات نستقبل العام الجديد.. ونودع العام الذي مضي.. لأن الانسان هو الحيوان الوحيد الذي يحتفل بهذه المناسبة.. مناسبة الانتقال من سنة لسنة.. ومن زمن لزمن.. لان له عقلاً يفكر به .. ويحسب به الايام وأفاعيل الزمان.. لانه يعرف قيمة الوقت. والوقت هو أغلي ما نملك.. وكل ساعة لها تمني.. ومع ذلك فنحن لا نستطيع وضع الوقت.. في دفتر توفير.. أو في صندوق إدخار يمكن العودة إليه في ساعة «زنقة».. لسبب بسيط هو إننا لا نملك من الوقت سوي الماضي.. سوي الذكريات.. والايام الحلوة.. والمرة.. وأيام صيد الاسماك.. وأيام ترك الشباك تحت أشعة الشمس كي تجف من البلل. ويأتي احتفالنا باستقبال العام الجديد بمشاعر يحدوها الأمل بمستقبل يبشر بكل الخير.. لانه ليس أمامنا خيار آخر.. سوي العمل والابداع.. لأن من أبسط حقوق الانسان أن يعيش منجزات عصره.. وأن يشارك البشرية احتفالاتها.. وأن تتبادل التهاني باعتبارها أحد جسور المحبة التي تربط بين مخلوقات الله.. لانه بغير هذه المحبة تتحول الحياة إلي سجن لا يطاق. وليلة رأس السنة.. هي الليلة التي يحتفل فيها الاطفال في ربوع العالم.. بهذه المناسبة.. وهم ينتظرون بابا نويل الذي يأتيهم بالهدايا.. ويطرق الابواب.. ويقدم لهم كل ألوان الهدايا.. التي تدخل السعادة والحب في كل بيت.. تلمع فيه اضواء اشجار الكريسماس المزينة بالشموع الكهربائية.. ومعها بعض القطع من التماثيل المصنوعة من الاخشاب التي تقوم بصناعتها عائلة مواطن ألماني.. اسمه كلاوس كولبه. هذه العائلة تعيش ليلة رأس السنة.. طوال السنة.. في صناعة التماثيل الخشبية الصغيرة.. وتقوم بتصديرها للعديد من الدول الاوروبية.. وعندما زرت كلاوس كولبه سنة 1990 في منزله الواقع علي الحدود بين ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا قال لي إنه استقبل في هذه السنة 750ألف سائح .. وأن قرية شيمنتز التي يسكنها تحولت بسبب هذه التماثيل إلي واحدة من المزارات السياحية التي يقدم عليهاالسياح.. وهي تجربة تستحق التأمل.. عندما نتطلع إلي اليوم الذي يمكن أن تتحول فيه بعض قرانا إلي مزارات سياحية. في الاحتفال برأس السنة.. يتزين كل بيت في الدول الراقية وكأنه بيت عرس.. تضاء فيه الشموع.. وعند المداخل تري شجرة الكريسماس.. وتتحدد الاماكن أن يلتقي بها الاطفال.. كي يمارسوا هواياتهم.. وهم في انتظار «بابا نويل» ليقدم لهم الهدايا بملابسه الرمزية.. وقاعات للكبار أصوات الموسيقي الهادئة التي لا تقلق الجيران. وفي هذه الليلة يخرج الإنسان من نرجسيته وعبادته لذاته.. ووحدته.. ليشارك دائرة اصدقائه ومعارفه.. في ليلة تبدو فيها السعادة للجميع. إنجي ميركل شخصية 2014 الأحد : تشير أغلب التوقعات إلي اختيار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل.. لتكون المرشحة بلقب شخصية عام 2014.. وهو اختيار يلقي القبول والترحيب.. ليس لكونها أول سيدة تحمل هذا اللقب. ولا لمواقفها السياسية التي اتسمت بشجاعة مفرطة في ابداء السديد والنصح الرشيد للرئيس أوباما.. ولكن لانها تعد التجسيد الحي لثقافة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.. وانتهاء صلاحية السياسة التي سادت العالم طوال سنوات الحرب الباردة. وكانت ميركل هي زعيمة معركة «كفاية» في ألمانيا. قالت لزعيم ألمانياالشرقية ايريك هونيك.. وهو في قمة السلطة كفاية.. وأطاحت به بعد أن تمدد علي سرير السلطة 16 سنة. وبعد أن تحققت الوحدة الألمانية.. قالت لهيلموت كول كفاية.. وأطاحت به. قادت الثورة في شرق ألمانيا.. كما قادت حركة التمرد ضد هيلموت كول.. وكان الهدف في الحالتين.. هو تجديد دماء النخبة الحاكمة.. وأتاحة الفرص أمام أجيال الشباب لتعبر عن نفسها.. وعن مشاكلها. وعن تصدرها لأفضل أساليب الحل. كانت انجيلا ميركل.. التي يقال لها «انجي» تسعي لوضع نهاية لتحول الحكومات إلي بيوت للمسنين. في الحالة الاولي قادت حركة «كفاية» من الشارع في شرق ألمانيا.. وفي الحالة الثانية قادت حركة كفاية.. وهي في قمة السلطة.. في بون.. ومن داخل أروقة الحكم.. في ألمانيا الموحدة. في المرة الاولي كانت مجرد شابة تبلغ من العمر 34 سنة. وفي المرة الثانية.. كانت تشغل منصب السكرتير العام للحزب المسيحي الديمقراطي الذي كان يتزعمه هيلموت كول.. لقد اختارها كول.. بعيون المخرج السينمائي الذكي لتكون عضوا في أول حكومة يشكلها بعد الوحدة.. باعتبارها فتاة صغيرة.. تمثل الجيل الجديد.. ومن ألمانياالشرقية.. وأنها من الجيل الذي حقق الوحدة الألمانية. كانت الديكور المناسب لظهور «حكومة الوحدة» بشكل يعكس هذه الوحدة.. واختار لها كول.. وزارة صغيرة هي وزارة الصحة وشئون الأسرة! وهو اختيار يعكس نظرة رجال الحزب.. وهيلموت كول.. بالطبع لدور المرأة في الحياة.. وهي مسئولية المرأة عن الأسرة.. والانجاب.. وزيارة الكنيسة يوم الأحد. وهكذا بدأت انجي.. رحلة الصعود.. وسط عصابة من الرجال العتاولة.. الذين يلعبون بالبيضة والحجر. إنهم رجال الحزب المسيحي الديمقراطي.. الذي يوصف بأنه «دير رجال»! وكان المفروض أن تستمر «انجي» في تولي الوظائف المتعلقة بالاسرة.. وان تقوم بدور «الرمز» في كل وزارة.. مرة باعتبارها «امرأة» ومرة باعتبارها من شرق ألمانيا وممثلة لجيل الشباب. وهذا هو ما حدث بالفعل.. بعد فوز الحزب في انتخابات سنة 1994.. واستمرار هيلموت كول مستشارا للمرة الرابعة.. واستمرت انجي في موقعها كوزيرة للأسرة.. وكان كول يشير إليها بكلمة «الآنسة». الآنسة الوزيرة! أما هي فكان لها رأي آخر : كان رأيها ان هيموت كول امضي في السلطة مدة طويلة تصل إلي 16 سنة.. وأن علي الحزب أن يرشح شخصا آخر في انتخابات 1998. هي تقود ثورة إنها آنسة متمردة! بل أن انجي بدأت تستخدم تعبيرا.. لم يكن مستخدما في ألمانياالغربية.. وهي «نظام كول» كانت جملة «نظام كول» تثير أعصاب المستشار الألماني وتجعله «يبربش» بعيونه.. وهي من علامات غضبه الشديد. المثير في الموضوع أن خصوم كول.. الذين كانوا يتظاهرون بالولاء الشديد له.. وبأنهم أقرب رجاله.. كانوا يشجعون الفتاة القادمة من ألمانياالشرقية علي انتقاد رئيسهم.. وأن تقول له في جلسات الحزب «كفاية بقة»! وكان كل طامع في السلطة.. يستخدم انجي في النطق باراء.. لا يتجاسرأحد في الحزب علي النطق بها. وعندما يبدي كول غضبه من آراء «انجي» كانوا يقولون له ببساطة : - استحملها - يا ريس.. دي عيلة .. مش فاهمة حاجة. وكان كول يكظم غيظه.. ويسكت.. سكوت الصابرين إلي أن وقعت الواقعة الكبري. في يوم الاربعاء 22 ديسمبر سنة 1999 ظهرت صحيفة «فرانكفورت الجمانية» واسعة الانتشار.. وفي صدر صفحاتها الاولي مقال لانجيلا ميركل.. استخدمت فيه «الآنسة» جميع المصطلحات التي تنسب عادة لزعماء النظم الشمولية.. وألصقتها بهيلموت كول. جلس كول يقرأ مقال «الآنسة».. وهو لا يكاد يصدق عينيه. قالت : إنه ليس من المعقول أن يتولي سياسي واحد السلطة لمدة 16 سنة.. وأن يطلق علي نفسه «فرس السباق» أو الحصان الرابح في الانتخابات. وقالت انه من الصعب اصلاح احوال الحزب.. بعد السنوات الطويلة التي امضاها كول في السلطة السياسية.. وأنه ليس من المعقول اصلاح أحوال الحزب بين يوم وليلة.. وانسحاب أصحاب المناصب الكبيرة من المواقع التي شغلوها لسنوات وسنوات ابعدوا خلالها الاجيال الجديدة عن تولي المواقع القيادية.. وتجديد دماء الحزب! وفي نهاية المقال طالبت انجيلا ميركل.. المستشار كول.. الذي حقق الوحدة الألمانية بأن يتنازل عن جميع المناصب التي يشغلها! أرخي هيلموت كول الصحيفة.. وراح يتساءل بينه وبين نفسه عن سر هذا الهجوم السافر.. وغير المألوف.. خصوصا أنه تنازل عن جميع مناصبه.. ولم يعد يشغل سوي الرئيس الشرفي لحزبه المسيحي الديموقراطي. في الواقع كانت انجي.. قد بدأت تستقطب شباب الحزب.. وتتحدث بلسان الاجيال الجديدة التي حرمتها 16 سنة أمضاها كول في السلطة.. من التعبير عن نفسها. وكان المقال هو جزء من حركة كفاية التي بدأت في ألمانياالشرقية واستمرت معها في غرب ألمانيا. وفي الوقت الذي أغضب فيه المقال شخصا واحدا هو هيلموت كول فإنه قد أسعد قلوب الملايين من أعضاء الحزب. وهكذا بدأت انجيلا ميركل تطل علي الساحة الألمانية بوجه جديد.. وفق ثقافة تدعو كل جيل للتعبير عن نفسه.. وعن أفكاره.. وان يساهم في تطبيقها.. علي طريقته.. وبلغة زمانه. في الوقت الذي وقف فيه خصوم كول داخل الحزب.. إلي جانب «انجي» التي فازت برئاسة الحزب.. ثم فازت بمنصب المستشار.. وتحولت إلي أسطورة سياسية.. وإلي أن أصبحت المرشحة للحصول علي لقب شخصية عام 2014. وهكذا تحولت انجي من بنت البلد في ألمانياالشرقية في ظل النظام الشمولي الغاشم إلي زعيمة لحركة تمرد في أرجاء العالم. تدور الأيام.. وتصبح شخصية العام الذي نودعه بعد ساعات بكل الحب.. وبكل الإعجاب.