وكان الشيخ القرضاوي هو أول المهنئين بفوز ميركل في الانتخابات الأخيرة تلتها برقيات من شخصيات إخوانية داخل مصر.. وجه أحدهم البرقية باسم »الحاجة ميركل«! عندما علمت بفوز انجيلا ميركل في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا.. تملكني إحساس عميق بافتقاد إحسان عبدالقدوس بسبب بسيط.. هو أن إحسان كتب عن بنات كتير. كتب عن ديدي وميمي.. وفيفي.. وسوسو.. وعن مدام انجيل التي لا تأكل إلا العيش الفينو.. وكتب عن ميرفت التي كان يطاردها الصحفي الأستاذ زكي.. وعشرات النماذج لفتيات وسيدات من مختلف الطبقات.. ولكنه لم يكتب عن سيدة مصرية تفوز في الانتخابات الحرة النزيهة بمنصب رئيسة الوزراء! كنت أتمني ان يكون بيننا الآن ليكتب عن انجيلا ميركل.. السيدة التي فازت بمنصب المستشار.. وأعيد انتخابها وسط جماهيرية كاسحة.. بمقاييس الديمقراطية. كنت أتمني أن يكتب عن الحاجة ميركل.. التي تضطر الحكومة عندنا لإعادة تصميم مكتبها ليناسب رئيسة وزراء من الجنس الناعم.. وإعادة النظر في تصميم دورة المياه الملحقة به! الحاجة ميركل.. تصلح لأن تكون بطلة قصة لإحسان عبدالقدوس.. وأن تكون نادية لطفي أو نبيلة عبيد أو الراحلة سعاد حسني.. هي بطلة الرواية التي كانت ستسعدنا كثيرا.. وتصحح لنا ما يجري علي ألسنة البعض منا.. هذه الأيام حول المرأة ودورها في المجتمع.. وحول الدعوة بأن الانتخابات حرام شرعا.. ومن يذهب إليها شرك بالله.. وأن كرة القدم.. لعبة غير شرعية.. لأن الكرة مؤنثة واللاعب مذكر.. ولا أود الحديث في نكاح الجهاد أو نكاح الاعتصام أو نكاح الوداع.. لأنها أمور تخدش حياء.. كاتب هذه السطور! كنت أتمني أن يكون إحسان بيننا ليكتب لنا عن الحاجة ميركل المصرية.. التي تفوز في الانتخابات في بلدنا.. علي نمط ميركل الألمانية.. والملايين من المصريين الذين منحوها أصواتهم.. والشعبية التي تتمتع بها كسياسية بارعة تقود البلاد.. وتحقق الرخاء. وأن يروي لنا إحسان أن الحاجة ميركل لم تدخل الانتخابات بناء علي كوتة حددتها لجنة عمرو موسي.. ولم تعتمد علي فصيل واحد.. يؤيدها ويتهم خصومها بالكفر والإلحاد.. لأن الفيصل هو الأداء.. والقدرة علي الخدمة العامة والوطنية الجارفة. وعندما يكتب إحسان.. اليوم.. عن ميركل المصرية التي تفوز في الانتخابات.. فإنه لا يعتمد علي خياله العبقري.. لأننا نعرف هذه النوعية من السيدات المناضلات منذ زمن طويل من أيام هدي شعراوي وصفية زغلول.. وسيزا نبراوي.. ودرية شفيق.. وسهير القلماوي.. وأمينة السعيد وغيرهن.. كثيرات.. بل ان قصة انجي ميركل الألمانية تتشابه مع قصة حياة أم كلثوم التي يقال لها »ثومة«. لم تكن »ثومة« بالغة الجمال.. وكان ذلك سر قوتها بين الرجال.. وسر قوة شخصيتها الطاغية.. ولم تكن إنجي.. بالغة الجمال. وكما أن الحب في حياة ثومة.. كان قضية ثانوية.. فإن الحب في حياة إنجي.. ليس له الموقع المتقدم.. رغم وقوع أحد الزعماء الأفارقة.. في حبها لدرجة الجنون. وكما بدأت أم كلثوم.. رحلة الصعود.. من قريتها الصغيرة في دلتا مصر.. لأب يعمل منشداً يقال له »الشيخ«.. ويردد التواشيح والمواويل.. فإن إنجي بدأت رحلة الصعود من قريتها الصغيرة في ألمانياالشرقية.. لأب يعمل قسيسا.. يقال له »أبونا« يدعو الناس للفضيلة. وخرجت إنجي.. مع الملايين من أبناء جيلها تشترك في مظاهرات »كفاية« التي اجتاحت ألمانياالشرقية للمطالبة بإنهاء نظام ايريل هونيكه.. الذي استمر علي سرير السلطة 61 سنة متواصلة! لقد خرجت مع الملايين تجتاح شوارع برلين تطالب بإنهاء سيطرة المسنين علي مقادير البلاد.. وتندد بالزعيم الواحد.. والرأي الواحد. خرجت تندد بالشمولية. كانت الشعارات في مظاهرات »كفاية« الألمانية تتلخص في تغيير ما كان يسمي »نظام هونيكه«. ونظام هونيكه استمر 61 سنة متواصلة.. انفصل خلالها عن الواقع.. ولم يعد لأجيال الشباب فيه أي مكان. لم تكن المظاهرات في تلك الأيام تدعو للوحدة.. وإنما بدأت بالمطالبة بإقصاء الزعيم هونيكه.. أو علي حد تعبير إنجي »نظام هونيكه«. باختصار شديد أقول إن إنجي.. من الجيل الذي صنع الوحدة الألمانية.. وحطم سور برلين.. وأطاح بنظام »هونيكه«.. ووضع جميع القيادات التي صافحت هونيكه »مجرد المصافحة« في السجون! تعرفت علي إنجي سنة 0991 في شرق برلين.. كانت تبلغ من العمر 63 سنة.. وكانت مرشحة عن الحزب المسيحي الديمقراطي.. عندما اضطررت في تلك الأيام ووسط المظاهرات والمعارك الانتخابية المشتعلة.. ان أعود إلي القاهرة.. للاطمئنان علي والدتي التي كانت قد أصيبت بوعكة صحية.. رحمها الله.. ودعاني الأستاذ الراحل مصطفي أمين.. لعشاء بنادي السيارات في قلب القاهرة. حول مائدة العشاء.. كنا أربعة.. الأستاذ مصطفي أمين وزوجته السيدة »زيزي« والأستاذ أحمد رجب.. وأنا.. كان الأستاذ مصطفي أمين.. مهتما في تلك الليلة بالاستماع.. لتفاصيل ما يجري في ألمانيا.. وبدأت أروي تفاصيل التفاصيل للأحداث الجارية.. والدور الذي تلعبه الأحزاب اليمينية في غرب ألمانيا.. وفي مقدمتها الحزب المسيحي الديمقراطي.. والحوار الذي جري بيني وبين »إنجي« كنموذج لقوة التيار المعارض.. لنظام هونيكه.. وفجأة سألني مصطفي بك: ألا يوجد للنظام السابق.. أنصار.. وأين قيادات الحزب الشيوعي؟ قلت له: لم أقابل في ألمانياالشرقية كلها.. سوي شخص واحد.. لايزال يؤيد نظام هونيكه.. وهو لاجئ سياسي من أصل مصري(!) لمعت علامات الدهشة علي وجه مصطفي بك.. وعاد يسألني: اسمه ايه؟! فقلت له: اسمه مصطفي هيكل! قال: إنه الزوج الأول للفنانة برلنتي عبدالحميد! وفهمت بعد ذلك انه تم إبعاده من مصر.. كي يتزوجها المشير عبدالحكيم عامر! في هذه الانتخابات فازت »إنجي«.. وأصبح هليموت كول زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي مستشاراً لألمانيا الموحدة.. واختار »إنجي« كوزيرة لشئون الأسرة كي تضم وزارته وجها.. من شرق ألمانيا.. يعبر عن الوحدة. وزيرة من شرق ألمانيا.. من باب التجميل علي الطريقة المصرية.. وكانت الكارثة. كان كول يشير ل »إنجي« باسم »الآنسة«.. ويعتبرها أشبه بالغض من النبات.. التي جاءت من بين قوم اعتادوا بقاء الحكام في السلطة إلي أن يشاء المولي.. خالق الخلق.. وإذا بها في أول جلسات الحزب تطالب المستشار كول.. وهو زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي بأن يتنازل عن جميع المناصب التي يشغلها.. حتي يمكن تجديد دماء الحزب! استمع كول.. لكلام الفتاة القادمة من ألمانياالشرقية.. متبرما.. متأففا.. ولم يعلق. ولم تكد تمر عدة أيام.. حتي فوجيء كول بمقال نشرته »إنجي« بصحيفة »الفرانكفورتر الجماينة« الألمانية تطالب فيه كول بالتنحي عن رئاسة الحزب! أرخي كول الصحيفة.. وراح يحل لغز الدافع لهجوم إنجي ميركل عليه بهذا الشكل السافر.. وغير المألوف. كانت إنجي.. في الواقع تحاول استقطاب شباب الحزب.. والأجيال الجديدة التي حرمتها 61 سنة أمضاها كول في السلطة.. من حقها الشروع في المشاركة السياسية. وهكذا بدأت »الآنسة« تقود حركة »كفاية« في ألمانيا الموحدة.. وتشن الهجوم السافر علي »الأصنام« التي تربعت علي العرش لسنوات طويلة.. تصل في حالة كول إلي 61 سنة. وبالتالي فقد كان مقال ميركل في »الفرانكفورتر الجماينة« بمثابة البيان الأول لثورة تغيير.. وفي الوقت الذي أغضب المقال شخصا واحداً هو هيلموت كول.. إلا أنه أسعد قلوب الملايين من أعضاء الحزب.. ولاسيما بين قطاعات الشباب. والأدهي من ذلك.. ان بعض قيادات الحزب وأقربهم إلي كول.. تخلوا عنه.. وانضموا إلي الدعوة الجديدة التي تزعمتها ميركل.. وحولتها بعد سنوات قليلة إلي الزعيمة الشابة للحزب المسيحي الديمقراطي. يتصور البعض وفي مقدمتهم اتحاد علماء المسلمين الذي يتزعمه الشيخ القرضاوي.. ان الحزب المسيحي الديمقراطي هو حزب ديني (!!) وأن الدستور الألماني يسمح بقيام الأحزاب الدينية.. وكان الشيخ القرضاوي هو أول المهنئين بفوز ميركل في الانتخابات الأخيرة تلتها برقيات من شخصيات إخوانية داخل مصر.. وجه أحدهم البرقية باسم »الحاجة ميركل«! والحزب المسيحي الديمقراطي الذي أسسه اديناور في يناير 5491.. اختار صفة المسيحي.. لأنه كان يسعي لوضع الحياة العامة في خدمة الشعب الألماني.. والمواطن الألماني في إطار المسئولية المسيحية.. واستنادا لمبادئ الحرية الشخصية التي تتفاعل في ظل نظام ديمقراطي. وكانت هذه الأفكار تلقي تجاوبا في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.. اثر فشل النظام الديمقراطي الذي كان سائدا في عهد جمهورية فايمار.. والذي وصل بهتلر إلي سدة الحكم واستيلاء النازية علي السلطة سنة 3391. وبذلك ساهم فشل التجربة الهتلرية.. التي أدت للدمار الشامل.. في اتجاه المسيحيين.. الكاثوليك والبروتستانت إلي التفكير.. بعد انتهاء الحرب.. طبعا.. في تشكيل حركة سياسية تقوم علي مبادئ المسيحية وتقف سداً منيعاً في وجه الشيوعية.. وقد تبلورت هذه الاتجاهات في تكوين الحزب المسيحي الديمقراطي الذي قدم لألمانيا حتي ساعة كتابة هذه السطور خمسة مستشارين هم.. اديناور.. وايرهارد.. وكيزنجار.. وهيلموت كول.. وانجيلا ميركل. وبالتالي فإن الحزب المسيحي الديمقراطي.. في ألمانيا.. هو حزب علماني.. عصري.. يسمح بتبادل السلطة ولا يستخدم العنف والاغتيالات وتكفير خصومه.. ولا يعرف الميليشيات المسلحة.. ولا يعلن في بياناته وبين أنصاره أن سيدنا عيسي عليه السلام قد هبط من السماء.. ليحض البسطاء علي انتخاب مرشح الحزب. الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا.. لا يعرف العمل السري.. علي نمط الجماعات الماسونية.. وبالتالي فهو عندما انتخب.. سيدة.. اسمها ميركل.. لم يخلع عليها صفة الحاجة.. ميركل! أحلي كلام يقول نزار قباني: ليس صحيحاً أن جسد المرأة لا يؤسس شيئا ولا ينتج شيئا.. ولا يبدع شيئا فالوردة هي أنثي.. والسنبلة هي أنثي والفراشة والأغنية والنحلة والقصيدة هي أنثي أما الرجل فهو الذي اخترع الحروب والأسلحة واخترع مهنة الخيانة وزواج المتعة وحزام العفة وهو الذي اخترع ورقة الطلاق.