الهيستيريا لا تصنع أوطاناً، والبحث عن مساحة مشتركة أهم لهذا البلد من الخناقات وتصفية الحسابات، (1) لماذا يستمع الرئيس لشباب الإعلاميين، والآن تحديداً، ولماذا يتم اختياري ضمن هؤلاء؟؟ أسئلة كثيرة تزاحمت في رأسي وأنا أحاول الإجابة عليها بعد تليفون من مكتب رئيس الجمهورية يدعوني للقائه ضمن شباب الإعلاميين. هل أنا فعلاً المدعو، أم أن في الأمر تشابه أسماء؟؟ وكيف لمن يصنفه البعض علي أنه في المعسكر الآخر أيًّا كان البعض وأيًّا كان الآخر أن يحضر هذا اللقاء؟؟..ثم ماذا عن ردود الأفعال التي ستتراوح بين التخوين والنفسنة وكأني ألتقي رئيس دولة معادية؟؟ ناهيك عن المطبلاتية الذين كانوا يحلمون بلقاء الرئيس فلم يجدوا لهم مقعداً، ولا تنسي رفاقاً سيجدون أقصي تبريراتهم لحضورك هي محاولة استمالتك وشربك شاي بالياسمين، أو صناعة صحفي أمنجي جديد، وكأن الأمنجية القدامي لا يكفون.. نحيت كل الأفكار جانباً متذكراً أن حسابي علي الله عز وجل، وأن خشية رب البشر أعظم وأهم من رد فعل البشر، ثم كان اللقاء (2) 23 صحفيًّا ومذيعًا وكاتبًا شابًا هم المدعوون، والقاعة التي اختارها الرئيس للقاء هي قاعة يلتقي فيها بمجلس الوزراء، وهذه الرسالة الأولي: لستم أقل منهم.. يتحدث الرئيس عن رئيس وزراء إيطاليا الذي يبلغ من العمر 39 عاماً وينظر للجميع: ممكن؟؟، ويرد: ليه لأ. (3) تحدث الرئيس عن أشياء كثيرة، تحدث عن أوضاعنا الاقتصادية، والحالة الراهنة لمصر، وتحدث عن محاربة الفساد الذي ينهش في الدولة، وتحدث عن التحديات وخوفه من أن ينقسم المصريون أو يتصارعوا فيما بينهم مؤكداً أن هذا هو الخطر الأعظم، وقال كلامًا كثيرًا عن مبارك مؤكداً أنه لا يوجد شخص منصف ومحب لبلده يستطيع أن يقول إن مبارك ونظامه كان جيداً، مشيرًا إلي أنه كان يجب أن يبتعد عن الحكم من 15 عامًا، لكن الإشارة اللافتة وكانت عن الشعب الذي استدعاه لأداء مهمة ولاؤه فيها لله والوطن فقط، ودولة القانون التي يجب أن تسود حتي لو كان القانون ضد المصلحة السياسية، والجيش المصري الذي هو جيش الشعب وليس جيش عبد الفتاح السيسي (4) استمع الرئيس للجميع، وتحدث كثيراً، و(شيلنا الهم) كما قلت له في حديثي معه. قلنا له: يا سيادة الرئيس في الإعلام مطبلاتية ومنافقين يبالغون في مدحك لدرجة قد تنفر الناس منك، ومنهم من يتحدث باسمك، فكان حاسماً: لا أحد يتحدث باسمي، أنا مش بتاع حد. تحدثنا معه عن ميثاق الشرف الإعلامي وإعادة هيكلة ماسبيرو، فطلب تصورنا فيما يخص ذلك مؤكدًا أنه لا يريد أن يتدخل، بل يدفع ناحية إكمال التجربة لنهايتها. تحدثت معه عن الخطاب الإيجابي الذي يقوله، ويفسده مسئولون غير مسئولين بالمرة، وذكرت له واقعة زميلتنا الإذاعية عايدة سعودي التي أوقفت عن عملها، فكان الرد في نفس اليوم أن عادت. قلت له إن هناك محبوسين ظلماً يقال عنهم معتقلون، ولا يرضيك أن يحبس مظلوم سيخرج ولو بعد حين إرهابيًّا كارهًا لهذا البلد، فاستجاب وطلب أن نقترح لجنة تبحث في الأمر ونشارك فيه، ونزور السجون. لسنا وحدنا الشباب يا سيادة الرئيس، هناك شباب غاضب يجب احتواؤه طالما كان غضبه رشيدًا ولمصلحة البلد أو ناتج عن خطاب إعلامي مضلل، ويجب أن تكون هناك آلية لتلتقي بهؤلاء وغيرهم من قطاعات الشباب المختلفة، فأجاب الرئيس: جاهز لذلك، ومستعد، وأرحب 6 ساعات مع الرئيس كانت معنوياته فيها مرتفعة، وأوصل لنا رسائل إيجابية جداً، وشعرت بأنه بالفعل يريد أن يسمع صوتاً جديداً لا يزايد ولا يصرخ.. صوتاً يبني ولا يصفي حسابات، ولا يخرج ليسب الاجتماع لأنه لم يحضر، أو يخون في الموجودين لأنهم تكلموا عن المطبلاتية فاعتبرها هو بطحة يحسس عليها.. صوتاً مختلفاً عن إعلام بدلاً من أن يدافع عن الناس فإنه يدافع عن رجال أعمال نظام ذهب ولن يعود. وكان الحاضرون علي مستوي المسئولية، فلم يبتذلوا خطابهم مثل آخرين، ولم يصرخوا أو يزايدوا علي بعضهم البعض، ولم يذكروا اسماً واحداً غير موجود بالجلسة، وهذا هو الفرق. (5) الهيستيريا لا تصنع أوطاناً، والبحث عن مساحة مشتركة أهم لهذا البلد من الخناقات وتصفية الحسابات، وإعادة ترتيب أولويات الناس، والإعلام التنموي أهم من إعلام المصاطب الذي لم يعد مرحباً به بعد الآن.. استقيموا يرحمكم الله