ولاأبالغ إن قلت إن البعض كان مستعدا بالفعل لتلك اللحظة حتي يخلط الأوراق عن عمد..واتهم البعض النظام الحالي بأنه المسئول عن هذا الحكم كنت معارضا لنظام مبارك، وبالذات في السنوات العشرالأخيرة منه، ولاأعفيه أبدا من المسؤلية السياسية عما أصاب مصر من خلل في واحدة من أهم مراحل تاريخها الحديث. فقد تسلم مصر في حاله سلام رسمي موقع مع العدو التقليدي الذي دارت بيننا وبينه حروب استمرت أكثر من ربع قرن، وكان يجب استثمار هذه الفتره في إصلاح اقتصادي وسياسي، ولكنه أهدرها، وزادت الكثافة السكانية، فلم يجد غالبية المصريين إلا العشوائيات، بينما لم تهتم الحكومات المتتالية إلا بالأغنياء، فتمزق المجتمع المصري، واختلت منظومة القيم، وزاد الفساد في عصره بدرجه غير مسبوقة، وانتهي عصره بثورة شعبية أطاحت به. هكذا أري فترة حكمه ولكن الإنصاف يقتضي أن أقول أنه لم يكن خائنا ولم يفرط في أرض مصر. ولكنني رغم معارضتي له، أتعجب من تلك الحالة الفوضوية التي انتابت الشارع والإعلام المصريين بعد الحكم ببراءة مبارك وأبنائه ووزير داخليته وقيادات الشرطة في عهده من تهمة قتل المتظاهرين. وهو حكم متوقع حسبما شاهدنا وتابعنا خلال جلسات المحاكمة. والقاضي لايحكم إلا بمقتضي أوراق ومايستقر عليه ضميره، والشك دائما يفسر لصالح المتهم. ومن الواضح ان الرجل أطال في أمد نظر القضيه وأفسح المجال للجميع كي يتحدث عله يجد دليلا يستند إليه في هذه القضية الجنائيه. ولكنه كما اتضح لم يجد هذا الدليل القوي الذي يدين المتهمين، فلم يكن امامه إلا البراءه.. ولكنه رغم ذلك أدانه سياسيا خلال نطقه بالحكم، وقال إن التاريخ سوف يحكم عليه. وكان القاضي متحسبا لما سيحدث فأعد ملخصا لأسباب الحكم حتي يطلع عليه من يريد أن يتحدث عنه في الإعلام.. ولاأعرف هل كان المجتمع سيستريح لوأصدرالقاضي حكمابإدانة مبارك وأعوانه بالمخالفة لضميره؟ ورغم ذلك، وفور النطق بالحكم حدث الخلط في الأوراق، ولاأبالغ إن قلت إن البعض كان مستعدا بالفعل لتلك اللحظة حتي يخلط الأوراق عن عمد..واتهم البعض النظام الحالي بأنه المسئول عن هذا الحكم، وفي هذا استغلال سياسي للحكم من قبل البعض، ولكنه أيضا إهانة للقضاء، فأي دولة تحترم نفسها لابد أن تحترم قضاءها وقضاتها، فلا توجد وسيلة في العالم المتحضر لأخذ الحقوق إلا بالتقاضي، ولو فقد المجتمع ثقته بالقضاء، أو أن القاضي أصبح يحكم بناء علي رغبه الجماهير، ستتحول الدولة إلي غابة، يضيع فيها الضعيف، ويتسيد صاحب المال والنفوذ، ويصبحوا هم المتحكمين في الرأي العام.. ولاتتميز الدولة عن الغابة إلا حينما يصبح القانون فوق الجميع. وفي الولاياتالمتحدة التي تنصب من نفسها زعيمة للعالم الديمقراطي الحر، أصدر القضاء حكما منذ ايام في أحداث فيرجسون الشهيرة والتي راح ضحيتها شاب أسود، وبرأت المحكمة الضابط المتهم بقتله، فهاج الشارع، واعتبر الأمريكيون السود الأمر عودة للعنصرية في زمن يحكم فيه الولاياتالمتحده رئيس أسود لأول مرة في تاريخها. ولكن هذا الرئيس الأسود خرج أمام المواطنين ليعلن أن علي الجميع احترام القضاء.. ومن عجب أن نفس هذه الولاياتالمتحدة التي تحترم قضاءها، تقوم صحفها بانتقاد الحكم الصادر في مصر، وكأن المطلوب أن يحترموا هم قضاءهم، ولايجب علينا نحن أن نحترم قضاءنا. والآن، وبعد أن قرر النائب العام المصري الطعن في الحكم ببراءة مبارك وأعوانه، يجب أن نسأل أنفسنا السؤال الملح.. هل من أدلة جديدة تغير هذا الحكم، أم أن القضية ستدخل القضاء للمرة الثالثة، ويخرج الحكم بالبراءة، فيثور الشارع مرة أخري، ونجد الإخوان يركبون الموجة لاستخدام الحكم في تخويف الشارع.. ولو نال مبارك البراءه للمرة الثانية والأخيره بعد 3 مراحل من التقاضي، ألن يضعه ذلك في موقف أفضل حتي مما هو عليه الآن ؟ لقد خرج مبارك من الحكم بفعل ثورة شعبيه منذ 4 سنوات تقريبا، ومن المؤكد أنه لن يعود أبدا مهما حدث.. فإلي متي نظل في آلام الماضي ونجددها كل فترة، بينما لازلنا لانفكر في مستقبل هذه الدولة والأجيال القادمه فيها؟