انظر إلي الدنيا في مصر، دنيا الاخلاق، ودنيا السياسة، ودنيا الكرامة، ودنيا التفكير.. انظر إليها هل تري معالمها، هل تري لها حدودا وتقاليد! ان ما يحدث في مصر الآن مأساة أخلاق، أكثر منها مأساة سياسة، ولايعرف إلا الله كيف تكون خاتمة فصولها، إن بعضنا يلعب بالنار لعبا خطيرا والحمد لله أن عددهم قليل وماكسبته هذه البلاد العزيزة بدم الشهداء يوشك ان يدمر تدميرا. كسبنا الكثير، ولكن يحاول صغار الخلق أن يمحوه ويشككوا فيه، هل هو سياق في الكذب والحقد والكراهية والمهاترة والشتائم، هل خلونا من كل ما يشغلنا، ولم يعد لدينا من العمل إلا أن نعبث ونلهو بمصالح الوطن؟ هذا العالم المضطرب من حولنا الا يحرك من عقول هؤلاء المنحرفين ساكنا! إن الدنيا تدور وتتطور أكثر مما نتصور ونتوقع، ولكن البعض للأسف الشديد، لايشغله اليوم إلا أن يعرف الطريق لكي يتحول إلي حيث تهب عليه ريح المطامع والمكاسب، كأن الدنيا قد تركزت في شهوات المادة، ولم يعد للناس في شهوات الروح والعقل مطمع! انظر إلي هذا السياسي الثري الكبير وكيف يطلب المزيد، وكيف يحاول أن يصل إلي ما يريد بأحط سبيل؟ يبيع احترامه ونفوذه إلي من يكبرونه سلطانا ونفوذا، يمرغ وجهه في ترابهم! انظر إلي هذا الرجل العظيم الخطير، لم يكفه ما بلغ من علم وثقافة وجاه، فهو يحيك الدسائس والمؤامرات، ومع ذلك تجده يحدثك عن المثل والمبادئ والشرف والشرفاء، والصراحة والصرحاء، ويشكو إليك نفاق المنافقين، وطبل الطبالين! انظر إلي هذا الكاتب الكبير الذي يقضي العمر كأنه عملاق في التفكير، يحسب أن رأيه وحده هو الذي تصح له القداسة والتكريم، انظر إليه ، فإذا هو اليوم يهدم ما بني، ويخون وطنه من أي منبر يغدق عليه المال الوفير، حتي لو كان في بلد يحقد علي وطنه، ويحيك له المؤامرات! إن الدنيا في مصر أصبحت لاتحتمل العابثين، هؤلاء الذين يحنون الهامات ، ويمرغون الوجوه في التراب، ان الشعوب ليست وحدها التي ينبغي أن تسترد كرامتها، ولكنهم الأفراد أيضا، انها تطلب أن يرتفع إلي الهامة أبناؤها ليكونوا خدامها لاليكونوا سادتها. والعابثين بمقدراتها! انها ليست السياسة وحدها التي تعاني أزمة، ولكنها الأخلاق أيضا،بل أنها الأخلاق أولا وآخرا، وما أتعس السياسي والإعلامي الذي يحاول أن يكسب علي حساب الأخلاق تملقا ونفاقا ورياء ودسا وخديعة! قال صاحبي: أرأيت.. أن النفاق مازال موجودا لم يتغير كثيرا! قلت: أن رئيس الجمهورية يكره النفاق، والقيادات الذين اضطلعوا بالعبء الأكبر يقولون للناس:افضوا إلينا بآرائكم، إننا لانريد مدائح. قال: ومع ذلك لايسمعون آراء، ولكن قصائد ثناء. قلت: وكبار الموظفين أشد إقبالا علي النفاق.. وأن الكثيرين يعرفون فيهم هذا الضعف فيؤكدون لهم أن الرئاسة تريد هذا ولا تريد ذلك، والرئاسة بريئة من هذا وذاك، ولكن ضعف الموظفين، وكبارهم خاصة، يجعلهم أسبق إلي تنفيذ هذا، والكف عن ذاك. قال: والرئاسة ماذا تصنع؟ هل تستطيع أن تغير الجلود غير الجلود، والأخلاق غير الأخلاق. فقلت: في كل مناسبة يقول الرئيس أننا نريد الحرية للجميع والكرامة للجميع، ومع ذلك لانري إلا القليلين هم الذين يؤمنون بالحرية ويعتدون بالكرامة. قال: علي الرئاسة وعلي كل مسئول كبير أن يبعد عن بابه كل منافق، ويقفل أذنيه عن كل مدح.. عليه أن يسمع للنقد أكثر مما يسمع للثناء. قلت: إن الرئيس نفسه ليس في حاجة إلي الثناء، ولكن ما من إنسان إلا وهو في حاجة إلي النقد. قال: إن الشعب لايتغير بين يوم وليلة، وقد اعتاد النفاق سنوات طويلة فكيف نستطيع التخلص منه في أيام! قلت: إن الشعب لم يتغير، ولكن القادة تغيروا فمسئوليتهم عن تغيير هذه العقلية أكبر وأوضح. قال: هل يغيرونها بالقوانين والأوامر؟ قلت: بل بالقدوة والدرس العملي والانصراف عن المنافقين الطبالين المداحين الذين لاضمير لهم ولا رأي.. ولست أعرف إنسانا ذا كرامة يرضي أن يمدح كل عهد ويحرق البخور لكل شيء، الحسن كالفاسد والجميل كالقبيح.. ولكنها مصر كان الله في عونها.