أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    بعد صعوده أمس.. ماذا حدث لسعر الدولار في 9 بنوك ببداية تعاملات اليوم الأربعاء؟    فتح فروع بنك ناصر استثنائيًا يوم السبت المقبل لصرف معاشات شهر يونيو    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزير النقل يشهد توقيع مذكرة لإنشاء أول مشروع لتخريد السفن بميناء دمياط    ارتفاع أسعار النفط مع التوقعات بإبقاء "أوبك +" على تخفيضات الإنتاج    وفد مصر يشارك بالاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 في كينيا    جنوب إفريقيا تعلن التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بشأن رفح    إخلاء مستشفى القدس الميداني في خان يونس    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    عيد عبد الملك: منافسة الشناوي وشوبير ستكون في صالح الأهلي    «15قذيفة مثيرة».. ملخص تصريحات شيكابالا    كأس مصر، موعد مباراة المقاولون والترسانة والقناة الناقلة    المقاولون والترسانة.. مواجهة الجريحين في دور ال32 بكأس مصر    الحالة المرورية اليوم، زحام بالقاهرة والجيزة وسيولة بالطرق الصحراوية والساحلية (فيديو)    محاكمة مضيفة طيران بتهمة قتل ابنتها.. اليوم    صفحات الغش تنشر أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية والتعليم «كالعادة» تحقق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    قبل عرضه.. تفاصيل مسلسل «مفترق طرق»    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    "اختر صحتك قل لا للتبغ".. ندوة بطب عين شمس    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي.. صور    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    دولة الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان اتفاقية تجارية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منافقو الثورة يدّعون حبها أمام الكاميرات لكنهم يدعمون الثورة المضادة فى الخفاء


منافق لوجه النفاق!
تعرفه من «قفاه»، فهو يقف مترقبا ليركب الموجة، ويبحث عن الفريق المنتصر ليقف فى مقدمته، ويتحدث بلسانه، ويعلن تأييده لأى شىء وكل شىء، وهو فى حالة استنفار دائم فى إظهار الولاء لمن يدفع أكثر، وعندما تواجهه يزايد عليك مستخدما عبارته الأثيرة.. يا عزيزى كلنا منافقون! إنه «كداب الزفة» صاحب نظرية «معاهم معاهم.. عليهم عليهم»، الذى يغير جلده وفقا لمصلحته، ويسير على «حسب الريح ما تودى» وله وجوه كثيرة، فقبل أن تنجح الثورة يقف فى صف النظام، ويدافع عنه، ويلعب كل الأدوار المطلوبة منه باقتدار.
فأحيانا يلعب دور المعارض -لكنه لا يعارض إلا من قرر النظام الاستغناء عن خدماته وطرده من جنته- وفى الوقت نفسه تجده فى صحبة الرئيس فى السفر، وبجوار ابنه يبحث له عن شعبية مفقودة، ويسعى للفت نظره بكل الطرق. وفجأة عندما تنجح الثورة يصبح رجل الثورة الخفى! فقد كان فى الثورة منذ اليوم الأول، وذهب إلى ميدان التحرير وتعرض للضرب من عساكر الأمن وهتف بسقوط النظام، رغم أن أحدا لم يشاهده ولا حتى أولاده، بل إنه يبالغ فى عداوته للنظام بعد سقوطه، وينتظر كل فرصة تتاح له للانقضاض عليه، ليظهر فى موقف الثورى الأعظم الذى يلعن المخلوع، ويسبه بألفاظ لا يستطيع أكثر الشباب ثورية أن يقول نصفها، من أجل المزايدة على الجميع والعودة للظهور لركوب موجة جديدة من نفاق الثورة مثلما كان ينافق النظام. لكنه ينقلب فجأة إذا وجد أن المجلس العسكرى أحكم قبضته، فتجده تحت أقدامه يقدم فروض الولاء والنفاق حتى لو لم يطلب المجلس ذلك، فهو يعرض نفاقه بصرف النظر عن حاجته إليه، فكل ما يريده أن يظل فى دائرة الضوء. لذلك يتلون كالحرباء، يظهر حبه للثوار أمام الكاميرات، ويلعنهم فى الخفاء، يدعى حبه للثورة وهو يدعم الثورة المضادة، يذهب إلى ميدان التحرير بقدمه ول«مصطفى محمود» بقلبه، إذا ثار كان ثوريا أكثر من الثورة نفسها، وإذا فشلت انقلب عليها وأخذ يعدد فى مساوئها وهو يهتف «لف وارجع تانى»!
الأديب الكبير أهدى روايته «أرض النفاق» إلى نفسه وقال لو لم أفعل ذلك لكنت شيخ المنافقين أود أن أكرّم نفسى وهى على قيد الحياة.. فأشد ما أخشى أن لا يكرمنى الناس إلا بعد الوفاة.. ونحن شعب يحب الموتى ولا يرى مزايا الأحياء
عندما كتب يوسف السباعى «إلى أحب الناس إلى نفسى.. يوسف السباعى»!
إهداء لا يكتبه إلا مبدع!
ولو أن هناك جائزة تُمنح لأغرب وأفضل وأصدق إهداء فى التاريخ لحصل عليها يوسف السباعى دون منازع عن إهدائه الذى تصدر روايته البديعة «أرض النفاق»، الذى قال فيه:
إلى خير من استحق الإهداء
إلى أحب الناس.. إلى نفسى
وأقربهم إلى قلبى..
إلى يوسف السباعى
ولو قلت غير هذا لكنت شيخ المنافقين من أرض النفاق (!!).
قرأت هذا الإهداء عشرات المرات، وفى كل مرة كان انبهارى به يزداد، وأقف عاجزا أمام مبدع قرر أن يبدأ عمله الأدبى من الإهداء ويجعله جزءا أصيلا من فنه، لدرجة أنك إذا لم تقرأ الإهداء فقدت جزءا مهما من متعة الرواية، والغريب أن الأديب الكبير يوسف السباعى لم يتوقف عند حد كتابة الإهداء إلى نفسه لكنه كتب صفحتين كاملتين يفسر فيهما لماذا اختار يوسف السباعى أن يهدى كتابه إلى يوسف السباعى! فكتب يقول: أهو الغرور الذى يبعثنى على أن أهدى كتابى إلى نفسى؟ أم هى الأنانية؟
لا أكذبكم القول.. إنى ككل إنسان أنانى مغرور.. ولكنى أؤكد لكم أن ذلك لم يكن هو الدافع إلى هذا الإهداء الجرىء.. وأسميه جريئا لأنها لا شك جرأة منى -وأنا المنافق الذى طالما بدوت متواضعا منكرا لذاته- أن أفضح نفسى فأخصها دون بقية خلق الله بإهداء الكتاب وأتهمها علنا بأنها أحب الناس إلىّ!
السباعى لم يكن بحاجة إلى هذه المغامرة، فشهرته ومكانته لم تكن بحاجة إلى أن يلفت الأنظار إليه أو يحدث جدلا هو فى غنى عنه، لكنه أراد أن يقدم لنا فنا جديدا هو فن كتابة الإهداء التى اعتدنا أن تكون فى غالبيتها إلى «بابا وماما وطنط وعمو»، وفى الوقت نفسه أراد أن يكشف لنا ما بداخلنا بالحديث عما بداخله بصدق دون مواربة أو حسابات مسبقة، لذلك يقول: «ما الذى دفعنى إلى المغامرة؟ لِم لم أهد كتابى إلى عزيز لدى، والأعزاء كثيرون فى أرض النفاق، فأوفر على نفسى ما قد يوجه إلىّ من لوم وسخرية؟
دفعنى إليها أمران أولهما أنى لا أود أن أكون-كما قلت فى الإهداء- أول المنافقين فى أرض النفاق وأنى لا أرغب فى أن أُتهم بأنى أنهى عن خلق وآتى مثله، أو أنى آمر الناس بالبر وأنسى نفسى، بل أريد أن أكون أول من يخلع رداء النفاق فى أرض النفاق فأبدو على حقيقتى أنانيا مغرورا.
وثانيهما أنى أود أن أكرّم نفسى وهى على قيد الحياة، فأشد ما أخشى أن لا يكرمنى الناس إلا بعد الوفاة، ونحن شعب يحب الموتى ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا فى باطن الأرض.. إنى أريد كل شىء.. أريد الدنيا وأنا فى الدنيا.. أما الخلود والذكرى والتاريخ فما حاجتى إليها وأنا عظام نخرة تثوى فى قبر بقفرة؟».
ويستمر السباعى فى تفسيره هذا الإهداء الجرىء بقوله: «ما حاجتى إلى تقدير الأحياء وأنا بين الأموات؟ ما حاجتى إلى أن يذكرونى فى الدنيا وأنا فى الآخرة! ويمجدونى فى الأرض وأنا فى السماء؟!
إنى أبغى المديح الآن والتقدير الآن وأنا أسمع وأحس، فما أمتعنى شىء كسماع المديح والتقدير، قولوا لى مخلصين وأنا بينكم إنى كاتب كبير قدير شهير وإنى عبقرى ألمعى لوذعى.
فإذا ما مت، فشيعونى بألف لعنة، واحملوا كتبى وأحرقوها فوق قبرى، واكتبوا عليه «هنا يرقد أكبر حمار.. أضاع عمره فى لغو وهذر».
إنى لا شك رابح كاسب.. لقد سمعت مديحكم وأنا حى محتاج إليكم، وصممت أذنى عن سبابكم وأنا ميت، أغنانى الله عنكم وعن دنياكم».
ويتساءل يوسف السباعى: «هل علمتم لِم أهديت الكتاب إلى نفسى؟ لأنى أحب نفسى وأقدرها ولدى الجرأة على أن أقول ذلك.
وفى نهاية مقدمته يقول: إليكم الكتاب بعد هذا.. لقد حاولت جهدى أن أكون فى كتابته كما كنت فى إهدائه غير منافق، وأن أكتب فيه بما استطعت من صراحة، ولست أزعم أنى نجحت تماما، فهناك موضوعات لم أستطع طرقها، وهناك سطور شطبتها بعد أن كتبتها، ولكن لم يكن من ذلك بد، على الأقل لكى يمكن للكتاب أن يرى النور، ولكى يمكن لكم أن تقرؤوا الكتاب.. هل فهمتم؟!».
سأل الوليد بن عبد الملك: أيمكن للخليفة أن يحاسَب؟! فجاء أخوه يزيد بأربعين شيخا فأجابوه إجابة واضحة: ليس على أمير المؤمنين حساب ولا عذاب!
قال معاوية بن أبى سفيان لرجل لم يكن يرضى البيعة له: بايع يا رجل فإن الله يقول «عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا»
هل يجوز محاسبة الرئيس؟!
وسط ركام قلاع الاستبداد المتهاوية تبرز فتاوى النفاق الدينى، تظهر شاهدة على دورها فى تعزيز بنيان الطغيان، كصكوك تفرش طريق الديكتاتور بالظلم والفساد والقهر. روايات التاريخ تمدنا بكثير. قديما تساءل الوليد بن عبد الملك: أيمكن للخليفة أن يحاسَب؟! فجاء أخوه يزيد بأربعين شيخا فأجابوه إجابة واضحة «ليس على أمير المؤمنين حساب ولا عذاب!».. فقهاء ملاكى، بمصطلح العصر الحالى، للدرجة التى يقول فيها السيوطى فى تاريخ الخلفاء إن هارون الرشيد أعجبته جارية من جوارى المهدى فأرادها، لكن تبين أن أباه وطئها. فسأل قاضيه أبا يوسف وهو المعروف وقتها بقاضى الأرض وفقيهها، فقال له: «اهتك حرمة أبيك واقض شهوته وصيره فى رقبتى».
وبحسب دراسة الدكتور إمام عبد الفتاح إمام «الطاغية» فإنه عندما أراد الرشيد من نفس الفقيه (أبو يوسف) أن يفتيه بأمر ما فى منتصف الليل فأفتاه، فأمر له بمئة ألف دينار، وعندما أراد الصرف الفورى قال له العاملون فى بلاط الخليفة، إن الخزائن مغلقة، فقال لهم إن الأبواب كانت مغلقة حتى مجيئى ففتحت.
قصص تطويع الدين لصالح السلطة فى التاريخ هائلة. كان نفاق الفقهاء سندا للحاكم لفرض السطوة، ووصل الأمر إلى اختراع أحاديث تعضد من سلطة بنى أمية وتبشر بهم، وبالمثل فعل فقهاء العباسيين، ولم تتوقف العجلة حتى اليوم، فقبل ثلاث سنوات خرج شيخ سلفى اسمه محمود عامر، يفتى بتحليل توريث الحكم لجمال مبارك، معتبرا أباه أمير المؤمنين ولا يجوز الخروج عليه، وفى حالة تولى جمال وجبت البيعة له، لأن التوريث تم فى عهد معاوية ولم يعترض كبار الصحابة عليه، باعتباره اجتهادا! والشخص ذاته لم يتورع عن الإفتاء بتحليل دم معارضى النظام السابق، ووجوب قتلهم. وفى أثناء الربيع العربى كان لمشايخ السلطة أدوارهم، واستخرجوا من صفحات التاريخ كل المصطلحات التى تصم الثوار بكل سوء، فهم «الخوارج»، و«مثيرو الفتن»، وهى الفتن «التى لعن الله من أيقظها»، ومن ثم فالثوار ملعونون، وسفاكو دماء، وضاربو وحدة الأمة واستقرارها، ومن هنا دعا إمام سعودى إلى إطفاء الثورات العربية وهو يؤم المسلمين فى الحرم النبوى فى رمضان، بل بلغت الطرافة أن أحد المشايخ اعتبر الثوار آثمين لأنهم نظموا مظاهرات يختلط فيها الرجال والنساء بما يخالف شرع الله (والجملة الأخيرة رأى للشيخ أحمد فريد، قطب الدعوة السلفية بالإسكندرية، وفق تصريحات له لم ينفها).
فى سنواته الأولى ضرب الإسلام مثالا للرقى السياسى، اختار المسلمون حاكمهم أبا بكر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالاختيار الحر المباشر (لو استخدمنا تعبيرات العصر) كان للرجل معارضون تقبلوا النتيجة، ومنهم سعد بن عبادة مرشح الأنصار، وعلى بن أبى طالب، والزبير بن العوام.
وتولى عمر بن الخطاب كان عبر استفتاء، بعد طرح اسمه من قبل عثمان بن عفان، وقت أن وكّل المسلمون أبا بكر لاختيار خليفته، ونال البيعة من عموم المؤمنين.
فى العهود الأولى وضع الخلفاء مبادئ تقدمية تحدد راتب الحاكم، وترسخ لمعارضته وتقويمه لو أساء استخدام السلطة.
هذا التراث السياسى التقدمى جرفه فقهاء للسلاطين، بل السلاطين أنفسهم عندما تحولوا إلى فقهاء، فوفق رواية كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه قال معاوية بن أبى سفيان لرجل لم يكن يرضى البيعة له: بايع يا رجل فإن الله يقول «عسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا».
استخدام الدين لتعزيز سلطة الطغاة فى العالم الإسلامى يتم عبر آليات عديدة، منها:
1- تقديس شخص الحاكم، باعتباره ظل الله على الأرض، فلا يصح الخروج عليه أو محاسبته. ومن هنا مثلا حول عبد الملك بن مروان لقب الخليفة من «خليفة رسول الله» إلى «خليفة الله على الأرض».
2- تعزيز مبدأ الجبرية. وهى الملحوظة التى سلط الضوء عليها حسن حنفى فى بحثه عن الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية فى وجداننا المعاصر، حيلة لجأ إليها خلفاء بنى أمية، فأيدوا مبدأ الجبرية باعتبار الإنسان مجبرا على أفعاله ويجب الرضوخ لقدره. ومن هنا حاربوا مبدأ الحرية. تسرب هذا المبدأ إلى سلفيى مصر، قال مثلا عبد المنعم الشحات فى فيديو له على موقع يوتيوب سُجِّل قبل الثورة «إن الحاكم لا يُعزَل ولا يعارضه أحد وإن ظل فى الحكم إلى أن يموت»!
3- إشاعة الخوف من الفتنة، فالصبر إذن على حاكم ظالم أجدى من إسالة الدماء. والقول ظاهريا مقبول، ويبرره أنهار الدماء التى سالت فى التاريخ الإسلامى فى عصر الفتنة الكبرى، لكن فى ظل تطور أدوات العصر الحالى بات الصبر على حاكم ظالم هو سبب الفتن الأول، كما تطور الخروج عليه إلى طرق عصرية لعل أبسطها صناديق الانتخابات لا السيوف. فى سوريا مثلا يستخدم نظام البعث الورقة الطائفية، ويتورط فى قتل متظاهرين سلميين يطالبون بالكرامة والحرية.
علماء النفس: المنافق شخصية هشة لا يشعر بمتعة وجوده.. ويعيش فى عذاب نفسى طوال حياته يوسف: بوصلة المنافق مصلحته الشخصية المباشرة.. ويعيش فى وضع نفسى ضحل! العقباوى: المنافق يتحول كالحرباء فى الأزمات قدرى حفنى: المنافق شخص مدرك.. ولكنه يرفض الاعتذار والمواجهة.. و الانفتاح الإعلامى يوثق كل كلمة نطقها المنافق لسنوات
التحليل النفسى لكدّاب الزفة!
هو صاحب شعار «معاهم معاهم.. عليهم عليهم»، ليقفز فى الوقت المناسب فوق النتائج، إنه المنافق، أو كما يطلق عليه فى الأمثال الشعبية «كدّاب الزفة»، فلا تخلو سيرة أو حديث من ذكره ونعته بأبشع الصفات، والتحذير من شره فى الدنيا وعذابه فى الآخرة، فهو يتلون حسب مصالحه، فهو صاحب الألف وجه والمليون طريقة، لذلك ذهبنا إلى علماء النفس فى محاولة لقراءة ما يدور داخل نفسية المنافق، وكيف ينظر شخص منافق إلى من حوله، والأهم كيف يواجه عينيه فى المرآة... هذا ما يجيب عنه أساتذة الطب النفسى فى تحليلهم سيكولوجية المنافق.
الدكتور إسماعيل يوسف أستاذ الصحة النفسية بجامعة قناة السويس، قال إن المنافق هو «رجل لكل العصور» ومن المفارقة أن هذا الوصف ينطبق على الشخص الذى يثبت على مبدئه مهما كانت الظروف، والشخص الذى لا مبدأ له على الإطلاق، وتكون بوصلته المحركة هى مصلحته الشخصية المباشرة.
يوسف وصف نفسية المنافق بأسوأ أنواع النفسيات حيث يعيش المنافق فى وضع نفسى ضحل ولا يصل أبدا إلى عمق إنسانى روحانى، فالذات الإنسانية -بحسب يوسف- تحتاج إلى الشعور بالتقدير والزهو النفسى لأنها قامت بعمل خير أو شهم، ومتعتها الحقيقية فى النسق الإنسانى الذى يحكمها، فى حين أن الشخصية المنافقة «ورقة» لا تشعر بمتعة وجودها كذات، وتعيش فى عذاب نفسى بسبب نفاقها، ولا تشبع أبدا لأن الشبع النفسى يأتى من متعة الفضيلة.
فى حين أن هناك درجة أشد من النفاق تلك التى وصفها يوسف بأنها «من التفاهة والسطحية بحيث يغيب عنها نفاقها ولا يدرك صاحبها أنه منافق».
ولكن كيف نفرق بين المنافق ومن يغير رأيه بناء على تغيير المعطيات لديه؟ هذا ما يجيب عنه أستاذ الصحة النفسية بقوله «تفيد مقولة بأنه لا يغير الرأى إلا الأذكياء، فى حين أن المنافق شخص لا رأى له على الإطلاق، باع قيمه وضميره لتحقيق مصالح دنيوية من سلطة أو مال أو غير ذلك، وتاريخه الشخصى ورحلته فى الحياة هو ما يكشف نفاقه، فعلى سبيل المثال أى شخص استفاد من نظام مبارك وكان لديه فى النفوذ والمنصب والمال ويقول عن نفسه الآن إنه مع الثورة هو منافق».
فلو أن لديه الذات الفاضلة لما قبِل بأن يتسلق ويستفيد عبر سلطته، ونفسيته واضحة «الطمع والجشع»، وليس من الثائرين.
الدكتور أحمد شوقى العقباوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، وصف المنافق بالحرباء الذى يتلون بلون الأحداث والمواقف المختلفة، فهو شخص ليس له مبدأ يحاول تحقيق مكاسب شخصية بكونه رجعيا أو ثوريا أو متطرفا، وأكد العقباوى أن هذه الشخصية تكون متصالحة جدا مع نفسها ولديها رضا نفسى بما تفعله، ولا يدرك صاحبها أنه منافق، وتكون نظرة أقرب الناس إليه شبيهة بنظرته إلى ذاته، فهم ينظرون إلى هذه التحولات فى شخصية المنافق باعتبارها تصب فى مصلحة الأسرة فى إطار لعب الأوراق بشكل صحيح.
«المتحولون» هم أشخاص واعون بتحولهم، ولكنهم يرفضون الاعتذار عن خطئهم أو الاعتراف، وفقا للدكتور قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى بجامعة عين شمس، مضيفا أنها حيلة غبية فى ظل الانفتاح الإعلامى الذى يوثق كل كلمة نطقها شخص ما لسنوات مضت، ومن ثم لا يستقيم أن يعادى شخص الثورة حتى النهاية، وبعد رحيل مبارك يقول إنه مع الثورة منذ اللحظة الأولى، وكان زائرا دائما لميدان التحرير، وهو ما فعله سياسيون وفنانون كثر، فالنفاق منتشر فى حياتنا اليومية، لكنه حين يصل إلى السياسة يصبح خطرا على صاحبه لأنه ليس من العسير اكتشافه. وللنفاق شروط كما يذكر قدرى، فهناك أشخاص تمسكوا بموقفهم سواء المؤيد أو المعادى للثورة، من اليوم الأول، ولم يحيدوا عنه، وآخرون انضموا إلى المعسكرين فى الأيام الأولى وبمرور الأيام تغير موقفه، وهذا ليس خطأ، بشروط هى أن يعترف الشخص على الملأ بخطئه، وعدم تكراره، وأن يواجه نفسه به فى نقد ذاتى، وإلا فسيكون أسوأ أنواع المنافقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.