لم أتمالك أعصابي وبادرته بالسؤال عن هويته هو، ورفضت أن أريه الرخص قبل أن يريني بطاقته، فماكان منه إلا أن ركب السيارة، متعجلا منذ أربعة شهور أوقف سيارتي أحد كمائن وسط البلد: «ممكن الرخص؟»، أجبت: «طبعا»، كان الشرطي شديد التهذيب، نظر إلي الرخص ثم أشار لي –مبتسما- بالمرور، قائلا: «معلش ده عشان مصلحتك»، بدوري، رددت علي عبارته اللطيفة: «الله يكون في عونك»، بعدها بشهر كنت في طريقي من وسط البلد إلي الزمالك لأوصل إحدي صديقاتي إلي بيتها، مررت بكمين لم يستوقفني، وأشار لي بالمرور، لكنني ماإن سرت بضع خطوات حتي تابعني أحدهم مهللا: «استني، استني»، عدت مارشيدير، فطلب مني مبتسما : ممكن نشوف الرخص؟ لكن عينيه وعيون من تحلقوا حوله من الجنود كانت تنظر بشغف لصديقتي، وهي سيدة ذات جمال لافت، بعد فترة طالت من تأمل الرخص قال: «معلش ده عشان مصلحتك»، علي باب الجامعة طلب مني رجل الأمن أن أفتح حقيبة السيارة، لم يكن لدي أية غضاضة في الأمر، حتي قال: معلش يادكتورة عشان مصلحتك! فبدأت العبارة ترن في أذني، بعدها بأسبوعين هاتفتني إحدي صديقاتي ليلا، (وهي أستاذة جامعية، وسيدة جميلة أيضا، ترتدي ملابس عصرية لاتنم علي الإطلاق عن انتمائها إلي جماعات إرهابية!) وأخبرتني أن كمينا في مدينة الشيخ زايد –حيث تسكن- قد استوقفها، كانت تستقل سيارتها الخاصة جالسة في المقعد الخلفي، وسائقها الخاص في المقعد الأمامي، طلب الضابط من السائق الرخص، ونظر إليها، ثم دق علي زجاج السيارة الخلفي ففتحته صديقتي، ودار بينهما الحوار التالي: بطاقتك؟ (أعطته البطاقة وعليها مهنتها، وعنوانها في مدينة زايد)، هو: «أنت رايحة فين؟»، هي: «مروحه»، هو: «أنت جايه منين؟»، هي : « من المهندسين»، هو: « كنت بتعملي إيه؟»، هي: «كنت سهرانه مع صديقاتي»، هو : « سهرانه فين؟»، هي : «في كافيه (......)»، التفت الضابط إلي زملائه: «حد يعرف كافيه (...) في المهندسين»؟، هي:» ممكن سعادتك تسيبني أروح»، هو: «طيب، ده عشان مصلحتك»! بعد ليلتين كنت في بيتي مع صديقة لي تسكن بجواري، في الثانية عشرة ليلا قمت لتوصيلها إلي بيتها، علي باب بيتي وقبل أن أدير السيارة فوجئت بسيارة شرطة تتوقف لصق سيارتي، ويهبط منها اثنان بملابس مدنية، يتحركان بعصبية، فيما بدا أنه هجوم مباغت، كان أحدهما يتكلم في الموبايل :»تمام يافندم»، ومتوجها نحوي وبلهجة آمرة قال: «رخصك»، نظرت إلي الشارع الذي يضج بالمقاهي، وبالشباب المتجمعين علي النواصي، وللحظة لم أفهم سر ريبته في سيدة تجاوزت الخمسين، تضع «بادجا» جامعيا علي سيارتها، وترتدي ملابس المنزل أمام بيتها، ولم تبدأ حتي في السير بالسيارة ! عند هذه النقطة فعليا، تحول إحساسي بغرابة الهجوم إلي حالة من التوتر والغضب، فلم أتمالك أعصابي وبادرته بالسؤال عن هويته هو، ورفضت أن أريه الرخص قبل أن يريني بطاقته، فماكان منه إلا أن ركب السيارة، متعجلا، وهو يقول: «معلش، خلاص ده عشان مصلحتك»، هذه الحوادث قد تبدو فردية، رغم تواترها علي مدي زمني قصير، لكنها تعكس سوء استخدام للسلطة– وفي ظل الحديث عما يُنتظر من» شرطة مجتمعية» (تعني بالأخلاق؟!) وفي ظل مجتمع ذكوري في جوهره، يتعامل مع المرأة بوصفها كائنا أدني لايعرف مصلحته، فإنها تعكس أيضا توجها صوب «استئساد ذكوري» علي النساء، وتدخلا «مستفزا» في حرياتهن الشخصية،(التي يكفلها الدستور)، مستغلا ترويع الحالة الأمنية المضطربة للبلاد، ورغم تقديري الكامل لجهود رجال الشرطة وتضحياتهم،(التي يسيئ إليها هذا السلوك)، فإنني أطلب من السيد وزير الداخلية أن ينبه ضباطه وجنوده «مايشتغلوش» سيدات مصر، اللاتي يعرفن مصلحتهن، ومصلحة بلادهن جيدا، واللاتي قامت علي أكتافهن «ثورتان»، وما طلبي هذا من سيادتكم إلا :«عشان مصلحتهم، ومصلحتك»!