اركض مثل العصافير خلف السفن.. أحاول أن أتخيل جنة عدن..وكيف سأقضي الإجازة بين نهور العقيق وبين نهور اللبن.. وحين أفقت اكتشفت هشاشة حلمي.فلا قمر في سماء أريحا..ولا سمك في مياه الفرات.. ولا قهوة في عدن». تلك الأبيات التي تشغف القلب وتبكيه من قصيدة «متي يعلنون وفاة العرب» تلك القصيدة النارية التي كتبها نزار قباني من لندن عام 1994، وكأنه يقرأ الطالع ويستشرف المستقبل السرمدي الذي تعيشه معظم الأقطار العربية الآن بعد عشرين عاماً بالتمام والكمال علي كتابتها، وقتها قوبل الشاعر القدير بهجمة شرسة من الانتقادات تتهمه بزرع الإحساس بالضياع، وبث مشاعر الدونية وانعدام الإرادة الوطنية للحفاظ علي بقاء تلك الأوطان حرة مستقلة بعد كفاح طويل من أجل التحرر من سيطرة الاستعمار الأجنبي. ويبدو أن ما قرضه نزار شعراً تحول مع الأيام إلي سطور لقصة حقيقية مكتوبة بدماء البشر. الآن أصبحنا نعيش واقعاً عبثياً يفوق كل مسرحيات «صامويل بيكيت» بعدما أصبحت أوطاننا مرتعاً لمؤامرة عالمية كبري تهدف إلي تفكيك وتمزيق تلك المنطقة إلي دويلات صغيرة متناحرة، متشرذمة، هشة، لا تقوي علي مقاومة هبة رياح. العرب يا شاعرنا الجميل يواجهون الآن مخططات شيطانية للتقسيم تفوق مؤامرة 1916 التي سميت خطأ اتفاقية (سايكس-بيكو) وكان طرفا المؤامرة فرنسا وبريطانيا اللتان اتفقتا علي اقتسام الكعكة العربية الدسمة، المليئة بكل ما لذ وطاب من الخيرات بينهما بعد سقوط الامبراطورية العثمانية. الآن يا شاعرنا القدير يجري تقطيع جسد كل دولة عربية علي حدة، بسكين حاد بفعل فاعل. إنها مؤامرة سايكس - بيكو الجديدة لكنها تحاك هذه المرة بعقلية أمريكية شيطانية تؤمن بالحكمة السياسية القذرة «فرق تسد»، من المؤكد أنك تنظر إلينا من السماء وتبكي حزناً علي الصراعات الداخلية التي تفتك بسوريا، وألغام الميلشيات التي تستهدف ليبيا، والاستثمار الإسرائيلي لحالة الانقسام الخطير التي تكرس حالة التقسيم بين الضفة الغربية والقطاع، وإجهاض كل فرصة للمصالحة الوطنية. من المؤكد أيضاً أنك تنظر للمشهد العبثي في العراق مع تصاعد خطر تنظيم «داعش» وسيطرته علي معظم المناطق والمدن العراقية. دموع قلبك يا نزار تختلط بالسحب الآن، وتنزل مطراً أسود في عينيك يتساقط زخات.. زخات. فطموح العرب جميعاً الآن أن يعودوا إلي سايكس-بيكو القديمة ويترحمون عليها. رحماك يا نزار..ادع لمصر الغالية أن تظل محفوظة برعاية الخالق العظيم وجيشها الباسل وشعبها الأصيل.ادع لمصر ألا يطالها الدمار المخيف الذي طال الأخوة والجيران. يا رب احفظ مصرنا وإرادة شعبنا لنصمد في مواجهة طوفان التقسيم والتفكيك الذي يحيط بنا من كل جانب. آمين.