أ.د. محمد مختار جمعة العمامة الأزهرية عبر تاريخها الطويل الضارب في أعماق التاريخ لأكثر من ألف عام هي رمز السماحة واليسر، والوسطية والاعتدال، داخل مصر وخارجها، وهي محل تقدير كل عقلاء العالم وحكمائه ومحبي السلام فيه. ومهمتي أن تظل هذه العمامة الكريمة بيضاء ناصعة شكلا ومضمونا، قلبا وقالبا، وأن أعمل مع الأزهر الشريف ومن خلاله بصفتي وزيرًا للأوقاف ومسئولا عن الدعوة بالمكتب الفني لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر علي استعادة مجدها وتاريخها المشرّف في خدمة الإسلام والمسلمين، والوطن وقضاياه، والإسهام بقوة في نهضته ورقيه، وبسط لواء السماحة واليسر والوحدة الوطنية الحقيقية الصادقة . وأؤكد علي عدة معان: 1- أن عمامة أي إمام هي عمامة وزير الأوقاف من حيث كرامته والحفاظ علي هيبة عمامته . 2- أن أي رمز لا يمكن أن يكتسب قيمته من جانبه الشكلي فحسب، وإنما تأتي قيمته من مضمونه، وينبغي أن يحرص صاحب هذه العمامة علي ما يأتي: ( أ ) حسن مظهرها ومظهره العام. (ب) أن يجتهد في تحصيل العلم الشرعي بما يجعله أهلا لارتدائها بحق وصدق، وموضع تقدير واحترام ممن يطلبون علمه ويسعون إلي فكره الإسلامي الصحيح . (ج) أن يحافظ علي تاريخها الوسطي، فلا يغبّر بياضها ونصاعتها بالانتماء إلي تلك الجماعات التي تتبني مناهج متشددة أو متطرفة أو لا تؤمن بالمنهج الأزهري الوسطي . (د) أن يكون قدوة صالحة في حركته بين الناس . 3- أن يتكاتف المجتمع كله في الحفاظ علي وسطية هذه العمامة، وذلك بما يأتي: إسناد الحق إلي أهله في قصر الدعوة والإفتاء علي العلماء المتخصصين المؤهلين من أبناء الأزهر والأوقاف . العمل علي استصدار تشريع يُجرّم ارتداء هذا الزي لغير أهله وغير المصرح لهم بارتدائه في مجال الدعوة أو الإفتاء أو التعليم الأزهري كل مؤسسة فيما يخصها، وهو ما نسعي إليه بالتنسيق الكامل مع الأزهر الشريف . وتأكيدًا للحفاظ علي نقاء هذه العمامة، وعلي المنهج الأزهري الوسطي، بعيدًا عن المزايدات السياسية والمتاجرة بالدين، وحرصًا علي عدم تسرب أفكار متشددة أو متطرفة أو شاذة إلي ساحة الدعوة أو التعليم الأزهري الجامعي أو قبل الجامعي سأتقدم باقتراحٍ لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب لتشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث للنظر فيما يَصدُر من فتاوي مثيرة للجدل، أو للفتن، أو أي توجه نحو الأفكار المتطرفة أو الشاذة التي لا تتفق مع صحيح الفكر الإسلامي وسماحة الإسلام التي يحمل لواءها الأزهر الشريف، سواء أكانت هذه الفتاوي والأفكار صادرة من غير المتخصصين، أم صادرة عن بعض المتخصصين المنتمين اسمًا أو شكلا للمؤسسة الأزهرية، مع بُعدهم عن الروح الأصيلة لها، وذلك حفاظًا علي الثوابت الشرعية والأمن الفكري للمجتمع، دفعًا لكل ما يمكن أن يثير الفتن والجدل والانقسام بين أبناء المجتمع . وإذا كانت بعض المؤسسات تُطهّر نفسَها بنفسِها، وتمتلك سحب رخصة المخالفين لقواعد وضوابط العمل بها، أو إيقاف المخالف عن مزاولة المهنة إيقافًا مؤقتًا أو مطلقًا، وفق ما ارتكبه من مخالفات، ووفق جسامة المخالفة وإضرارها بالمجتمع أو ببعض أفراده، كما أن بعض المؤسسات تستطيع إحالة المخالفين لضوابط ونظم العمل بها إلي التقاعد أو المعاش المبكر أو العمل الإداري، فأولي بالمؤسسة المنوط بها الحفاظ علي الأمن الفكري للمجتمع أن تطهر نفسَها بنفسِها، وأن تضع من الضوابط ما يحول بين ضعاف النفوس من القلة المنتسبة إليها وبين المتاجرة بالدين، أو العبث بعقول البسطاء والعامة، أو إشاعة روح التشدد والتطرف، أو تبنّي ما يؤدي إلي ذلك، أو إثارة الفتنة والشقاق من خلال تبنّي أو نشر أفكار شاذة تضر بأمن المجتمع وسلامته، أو نسيجه الاجتماعي أو الوطني، الذي ينبغي أن نسعي جميعًا للحفاظ عليه .