كثر الجدل وعلا الصخب في الآونة الأخيرة حول البحث عن نقطة البداية في رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات تأثراً بما يردنا من اتجاهات عالمية بما اتفق علي تسميته الاقتصاد الحر وإطلاق آليات المنافسة وبنود اتفاقية الجات ومدخلات قضايا الإغراق وما يترتب عنها من تداعيات بحيث تبني البعض مبدأ أن كلمة الدعم تعد من المترادفات سيئة السمعة التي لا يليق باقتصاد ذي طموح أن يتعامل معها إلا في أضيق الحدود وهو ما يغاير ذلك علي مستوي التطبيق الفعلي العالمي. فبينما رأي البعض منا أن التوفيق بين رفع الدعم الذي يهدر جانب كبير منه عندما يصل لغير مستحقيه من ناحية ،وضرورة مواجهة خطر الفقر من ناحية أخري وليكن ذلك بالاتجاه لتخصيص دعم مادي وليكن500 جنيه مثلاً يوجه للأفراد الذين يقعون تحت خط الفقر ويقل دخلهم عن قدر محدد بما يسمح لهؤلاء الأفراد بمساحة من التصرف في تلبية احتياجاتهم الأساسية طبقاً لما يتراءي لهم من أولويات. يرتفع صوت آخر منادياً بأن كلمة الدعم قد سقطت من حساباتنا منذ أن تحولنا عن الاقتصاد الشمولي وتوجهنا للاقتصاد الحر،وبذا يجب رفض كل ما يمكن تسميته دعماً من مترادفات الحلول الاقتصادية. وحتي لا يأخذنا الخلاف والاختلاف بعيداً عن ارض الواقع فلننظر إلي واقع الحال في الدول الاقتصادية التي تعمل تحت مظلة الاقتصاد الحر كيف كان توجهها ليس فقط في التصدي للاحتياجات الأساسية من مساكن اقتصادية ودعم للخبز واللبن والغذاء والمواصلات العامة وإتاحتها بأسعار مخفضة في دول الاتحاد الاوروبي ليس فقط دعماً لأصحاب المعاشات والحالات الاجتماعية ذات الدخول المنخفضة بل إمتد ذلك لدعم الكثير من الصناعات الكبري. فها نحن نري أن ألمانيا كدولة عظمي تنهج سياسة الاقتصاد الحر إلا أنها تدعم الزراعة وصناعة الألبان وأيضاً إنتاج اللحوم حتي لا تتراجع بفعل عزوف الفلاحين عن الإقبال عليها لانخفاض العائد منها فتتيح التقاوي وخدمات فلاحة الأرض بالميكنة الجماعية بأسعار مدعومة وتشتري الألبان من منتجيا بأسعار اعلي وتطرحها في الأسواق بأسعار مدعومة، كما تحول ما لا يستهلك من الألبان إلي زبدة قابلة للحفظ فيما سمي بعد ذلك بظاهرة جبل الزبد، كما تتيح الأعلاف لمربي المواشي بأسعار مدعومة ،وبذا تحافظ علي البعد الاجتماعي من ناحية وتحمي تلك الصناعات المهددة بالانقراض من ناحية أخري. كما عمدت ألمانيا في فترة ليست بالبعيدة بتوجيه دعم بنمط جديد غير مسبوق من نوعه لدعم صناعة السيارات في أزمتها المالية التي اعترتها منذ خمس سنوات حيث وجهت دعماً مالياً غير مسترد قيمته 2500 يورو في صورة صك مالي يسلم لكل صاحب سيارة قديمة يزيد عمرها عن 12عاماً مقابل تسليم سيارته إلي إحدي ورش تكهين وتحطيم السيارات توطئة لتدويرها بحيث يحصل علي قيمة الصك خصماً من سعر أية سيارة جديدة يشتريها. ومن عجب أن هذا الدعم المالي المباشر قد حقق في الثلاث أشهر الأولي زيادة في بيع السيارات الجديدة بلغ ربع مليون سيارة ينتظر له أن يصل إلي2مليون سيارة مع نهاية المشروع.ولك أن تتخيل القيمة المضافة لصناعة السيارات علماً بأن السيارات المنتجة في ألمانيا للاستعمال المحلي والتصدير خارج ألمانيا يبلغ 6ملايين سيارة في العام. ومن وسائل الدعم المطبقة في ألمانيا أن وقود الديزل يباع غير مدعوم لاستهلاك السيارات ،بينما يتاح لأغراض التدفئة شتاء بربع الثمن حيث حرصت ألمانيا علي إضافة لون مميز للوقود المستعمل لغرض التدفئة حيث توقع غرامة مالية كبيرة إذا استخدم وقود التدفئة في تسيير السيارات وبذا حققت ألمانيا الكثير من المزايا بإجراءات الدعم المتعددة تلك جميعها ذات مردود اقتصادي كبير منها تحسين مستوي المعيشة للفئات الأكثر فقراً بما انعكس أثره علي الصحة والبيئة وفرص العمل -تحسين البعد البيئي الناجم عن السيارات المتقادمة - تحسين الظروف الحياتية لمستعملي السيارات المتقادمة وهم غالباً من أصحاب الدخول المتدنية-دعم صناعة السيارات بصورة مباشرة وإخراجها من دائرة التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية آنذاك في تلك الصناعة. كل هذه الممارسات وما هو علي شاكلتها هو في حقيقة الأمر تثبيت لواقع جديد وهو أن كلمة الدعم لم تعد من المترادفات سيئة السمعة وأن كل دولة تقع عليها مسئولية دعم فق رائها ومواطنيها وأيضاً صناعاتها الوطنية بالصورة التي تراها مثلي، وإذا كان الأمر دعماً فليكن دعماً عادلاً وليكن ضخه في أول المنظومة كي يستفيد منه الجميع. وإذا كان الأمر ترشيداً للدعم فليكن ذلك رشيداً بحيث لا تحدث تداعيات تضر بالاقتصاد الإنتاجي الوطني وأيضاً بما يحدث انفجاراً في الأسعار يضر بالفئات الأكثر فقراً والأشد احتياجاً. ومع تسليمنا بأن الاقتصاد الحر يقوم علي المنافسة الشرسة ولا يهتم بالمنهزم إلا أن الاقتصاد الذي يناسب العالم الآن ونحن جزء منه إنما هو الاقتصاد العادل الذي لا تكثر ضحاياه وخلاف ذلك إنما هو حق يراد به باطل. ومصر الوطن والملاذ والماضي والحاضر والمستقبل تحتاج لأبنائها جميعاً تأخذ بيدهم ليأخذوا بيدها بعد ذلك ولاء وانتماء وذوداً عنها بالنفس والنفيس وإعلاءاً لشأنها فوق كل شأن.