ما الذي يحدث في مصر؟ هل يمكن أن يكون كل هذا العدد من الإضرابات الفئوية التي انفجرت في توقيت واحد من قبيل المصادفة؟. هل كانت صدفة أن يتزامن إضراب الأطباء مع إضراب الصيادلة مع إضراب عمال الغزل والنسيج مع إضراب عمال النقل العام مع إضراب عمال الحديد والصلب مع إضراب عمال استصلاح الأراضي مع إضراب موظفي الشهر العقاري وغيرهم ممن انتفضوا في وقت واحد للمطالبة بزيادة رواتبهم وتحسين أوضاعهم المالية.. كيف يمكن أن نصدّق أن كل هذه الإضرابات قد نشبت في وقت واحد بلا تخطيط مسبق.. لو افترضت حسن النية ذ وهذا يتطلب مني أن أمسح عقلي - فبالطبع لن ينحصر الاتهام في الآحاد من المضربين، بمعني استبعاد شبح التآمر عن عموم الأفراد الذين اشتركوا في الإضرابات الفئوية انطلاقا من الرغبة فقط في زيادة اجورهم، و لكن يمكنني بمنتهي البساطة أن أحصر الاتهام في الرءوس المدبرة والمشجعة والمحرضة علي هذه الإضرابات، و يمكنني كذلك أن أقول إن هناك نوعا من التنسيق قد جري فيما بينها كل في مجاله لكي تهب كلها في وقت واحد بهدف معلن وهو زيادة الأجور وتحسين الدخل، أمّا الهدف الحقيقي وغير المعلن فيعلمه الله، ولو أني لا أستبعد إطلاقا أن يكون ابتزازا للدولة وإضعافا لها بالضغط عليها لأقصي مدي وإحداث حالة شلل عام في معظم مرافق الخدمة الجماهيرية الحيوية، ومن ثم تركيع الدولة و إسقاطها، لا تضحكوا من هذا الكلام، ولا تستبعدوه إطلاقا , فإخوان الشياطين وأعداء البلد كثيرون ولن يملّوا أبدا من محاولات ضرب وحدة البلد واستقرارها بأي شكل، مش جايز برضه إن اللي ما نفعش بالمظاهرات ينفع بالإضرابات، و اللي ماجاش بالهتاف والصوت العالي ييجي بالوقفات والامتناع عن العمل، وأهو يمكن تيجي مع العمي طابات وينقلب الأمر لعصيان مدني، وتبقي ليلة القدر اتفتحت لهم ونجحوا في خراب البلد و كله علي حساب صاحب المخل، يعني احنا للأسف اللي ساعدناهم بدون ما نشعر في تحقيق هدفهم.. ده طبعا غير استغلال أعدائنا في الخارج للإضرابات سياسيا للنيل من مصر.. أسمع احدكم الآن وهو يتهمني بالمبالغة و الشطط و بأنني قد ذهبت بعيدا جدا في تحليلي لظاهرة الإضرابات المتزامنة و التي أراها أمرا قد دبر بليل.. طيب.. أنا معاك، مفيش لا مؤامرة ولا سوء نية ولا حاجة من دي خالص.. السؤال بقي وأرجو إنك تجيب عنه بأمانة: هل هذا هو وقت الإضرابات؟.. هل شايفين الفلوس في البلد كتيرة قوي و فايضة و الحكومة مش عارفة تودّيها فين ولاّ تعمل بيها إيه، ألستم بأدري الناس بالأحوال المتردية لاقتصاد البلد، هل يخفي عليكم كم العجز في موازنة الدولة و الفارق الرهيب بين إيراداتها ومصروفاتها، هل تجهلون الانخفاض الحاد في احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة، بأي منطق تطلبون زيادة مرتباتكم وتحسين أجوركم الآن وأنتم أعلم الناس بالأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلد، كيف واتتكم الجرأة علي ذلك وكيف طاوعتكم قلوبكم علي المطالبة بمطالب مالية تعلمون تمام العلم أن استجابة الدولة إليها في الوقت الراهن مستحيلة، ومع ذلك تصرون عليها فيما يشبه اللعب بالنار التي لن تبرح حتي تحرق الجميع، فالشعب قد تحول معظمهذ و الحمد لله ذ إلي نشطاء سياسيين لا يعملون ولا ينتجون إلاّ كلام في كلام في كلام.. أمّا بقية الشعب فهم مؤسسو وأعضاء حزب الكنبة الذين آثروا الفرجة علي الناس وعلي الأحداث وعلي الفضائيات دون اتخاذ أي موقف ايجابي، والنتيجة هي ما نراه أمامنا من أزمات اقتصادية متلاحقة، كل أزمة أكبر من أختها.. أيها المضربون اتقوا الله في بلدكم وفي مستقبل الأجيال القادمة التي من المفترض أننا أمناء عليها ولا تتركوا لها البلد خرابة، ورفقا بمصر.. ما تبقوش انتم والإخوان عليها. حكمة اليوم: لا تنظر إلي نصف الكوب الفارغ وتتشاءم، ابقي صب الماء في كوب أصغر واتفائل وخلّصنا..