لكل أمة ولكل قائد مشروع قومي.. هذا المشروع هو الأساس الذي تقوم عليه الدول وهو الحلم الذي تعيش عليه الشعوب وهو الذي يفجر كل طاقاتها ويجعلها تتحمل كل الصعاب وتواجه كل التحديات. كان تحويل مصر من مجتمع زراعي إلي دولة صناعية مما يستلزم بناء عشرات المصانع العملاقة هو المشروع القومي الذي تبناه جمال عبد الناصر.. وفي سبيله أمم قناة السويس من أجل بناء السد العالي وواجه العدوان الثلاثي وتبني سياسة التأميم والاصلاح الزراعي. وكان تحرير الأرض المحتلة بعد نكسة 1967 واسترداد سيناء والكرامة التي ضاعت بعد الهزيمة هو المشروع القومي للسادات.. تحمل الشعب في سبيله الكثير حتي تحقق النصر وعادت الأرض واستردت الكرامة. لكننا بعد ذلك وفي زمن مبارك كنا ننادي بضرورة أن يكون هناك مشروع قومي يلتف حوله الشعب.. ولو كان هناك مثل هذا المشروع لما ضاعت السنوات الثلاثون والتي سبقتنا فيها دول عديدة بدأت نهضتها بعدنا بسنوات كثيرة. كانت هناك تنمية.. ولكنها كانت عشوائية بلا هدف.. لم يشعر بها الشعب لأن من كان يقوم بها مجموعة محدودة من رجال الأعمال وكانت عائداتها تصب في جيوبهم وحدهم ولا يصل الي الشعب الا الفتات. واذا أردنا الآن أن نصنع مشروعا قوميا عظيما فلن يكون هناك الا التعليم كمشروع يلتف حوله الناس جميعا.. فهو الطريق الوحيد للنهضة.. الطريق الذي سلكته كل الدول التي تقدمت بحق.. وحققت قيمة مضافة لكل ما تملكه من ثروات. لا تنمية بدون تعليم.. هكذا علمتنا التجارب الناجحة للدول المتقدمة في العالم، فلا يمكن لأي دولة أن تتطور أو تنمو أو تكون في مصاف الأمم الرائدة بدون تعليم يعتمد علي أسس علمية سليمة. فالدول لا يمكن أن تتقدم فقط بالاقتصاد أو بقوة السلاح أو بالثروات الطبيعية التي تمتلكها.. والتعليم هو الطريق الوحيد للقضاء علي أي أزمات تواجهها أي دولة، والحل الأمثل لبناء دولة عصرية، وهو أقوي سلاح في كل العصور.. وربما كانت نظرة محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة كانت صائبة وسابقة لزمانها لأنه كان يدرك أهمية التعليم في بناء الدولة. من أجل هذا أتمني أن يكون التعليم هو المشروع القومي لمصر في المرحلة المقبلة في برنامج المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية أو للبرلمان.. من خلال تغيير المنظومة التعليمية، لتستوعب أحلام وطموحات المجتمع، ومبادئ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، من خلال التركيز علي عنصرين إلي جانب تطوير التعليم بشكل عام، وهما محو الأمية، وتطوير التعليم الفني، لبناء اقتصاد مبني علي الصناعة، بدلا من اقتصاد مبني علي الموارد، وهو الاقتصاد الحالي الذي لا يحقق الرخاء. منظومة التعليم في مصر غير مقنعة.. فهي لا تستوعب التطور التكنولوجي الذي يحدث في العالم، وغير مرتبطة بسوق العمل ولا بالمتطلبات التنافسية له، وقائم علي الحفظ والتلقين بدلا من الابتكار والإبداع، والنتيجة هي تخرج الآلاف من الشباب كل عام بدون أي استفادة حقيقية منهم لينضموا إلي طابور العاطلين والباحثين عن عمل! إننا في حاجة ملحة الي مجلس قومي للتعليم يصدر بقرار جمهوري يضم خيرة علماء مصر واهل الخبرة والاختصاص تكون مهمته رسم السياسة التعليمية لمصر في المدي القريب والبعيد من خلال خطة استراتيجية تحقق المطلوب منها في غضون عشر سنوات وتنقل مصر الي مصاف الدول المتقدمة والتي تجني ثمار نهضتها العلمية اقتصاديا واجتماعيا. وعلي كل وزيرللتعليم أن ينفذ سياسة المجلس القومي للتعليم.. لقد عانينا كثيرا من وزراء أفسدوا التعليم بمغامراتهم وقراراتهم الفردية التي قضت تماما علي منظومة التعليم في مصر. إن منظومة التعليم في بلادنا خلال عقود عديدة تكشف عن غيبوبة أفقدتنا ريادة طالما كنا نحلم بها في الحقيقة ولم نجدها إلا في الأغاني بينما رأينا نشر التعليم وتطويره في العديد من الدول العربية الشقيقة، هذه الريادة قد فرطنا فيها وذهبت، وبجدارة، إلي غيرنا، وانحدر تصنيف مستوي التعليم في مصر درجات وفقدت مخرجاته القدرة التنافسية في أسواق العمل.. وبعدما كانت الجامعات المصرية هي الرائدة في المنطقة اختفي اسم أي جامعة مصرية من تصنيف أفضل 500 جامعة حول العالم ووجدنا أسماء جامعات في دول كان المدرس المصري يعلم أبناءها ألف باء.