عالم اليوم عالم مادي شرس، لا يعرف رحمة ولا عدل، بل يعرف القوة، وبقدرتها علي التأثير غير المحدود علي الغير وإرغامه علي الإذعان لأنه الأضعف فأصبح الضعيف في هذا الزمن ممتهن ذليل مسلوب الإرادة ضائع الحق، يؤمر فيطيع وينفذ ما يريده الأقوياء حتي لو كان في ذلك ضرره بل هلاكه، فبأي شيء يدافع عن نفسه وبأي شيء يرد كيد من أراد به كيدا؟ إن عالم اليوم أسوأ من عالم القرون الوسطي رغم اشتهار القرون الوسطي بوحشيتها وبطش الأقوياء فيها، ذلك أن تلك العصور رغم وحشيتها كان ما يسمي (بأخلاق الفارس) ما يزال موجوداً فيها، وقد يجد الضعيف فيها شيئا من العناية، وقد يجد المحتاج فيها شيئا من الرعاية، أما عالم اليوم فانه مجرد من كل القيم الإنسانية فلا حماية لضعيف ولا رعاية لمحتاج.. الدولة العبرية تعتبر خامس دولة نووية علي المستوي الدولي ترسانتها تحتضن أكثر من (200) رأس نووي، ناهيك عن البيولوجية والكيميائية والتقليدية المطورة، وهذا لم يأتي من فراغ بل من عمل جاد ومضني عبر أكثر من أربعة عقود بدأته الدولة الصهيونية بتشييد العديد من المفاعلات النووية اختارت لها مواقع مختلفة هي مفاعلات (ديمونة، كفر زكريا، عدوفات، سرويك النحل، بيير يعقوب، عيلان). العجيب الغريب والذي لم يكن مستعجبا ولا مستغربا علي المكر الاسرائيلي، انها تطلق الصرخة تلو الأخري (للتضليل) شاكية باكية من التهديد الذي يشكله العرب علي أمنها، رغم أن العرب (الطيبين) لم يتضجروا أو يشكوا من الخطر المحدق الذي تشكله اسرائيل علي أمنهم القومي. إيران التي تري أنها (قوة) إقليمية كبري، وأنها أصبحت علي لسان رئيسها السابق نجاد قوة نووية، تتعامل مع العرب خصوصاً الدول العربية المجاورة لها وفي مقدمها دولة الإمارات التي تحتل جزرها الثلاث بلغة القوة، ترسخ فكرها علي انها دولة (قوة) بإمكانها الهيمنة وتأكيد احتلالها لتلك الجزر، وهذا يمثل تحدياً حقيقياً للعلاقات العربية ذ الإيرانية، خصوصاً مع رفض إيران كل المحاولات لحل النزاع حول الجزر سواء بالتفاوض بين البلدين أو عبر التحكيم أو اللجوء إلي محكمة العدل الدولية! ناهيك المسألة المتعلقة بمملكة البحرين التي تكررت تلميحات طهران حول تبعيتها لها، وهذه التصريحات التي تكذبها إيران تارة ويؤكدها بعض رجالها تارة أخري ودعمها لبعض الأقليات التي لها تبعية مذهبية بإيران مثلما هو حاصل في قضية الحوثيين في اليمن، الأمر الذي يضع علامات استفهام عدة حول تناقض مواقف إيران، فهي تدعم القضية الفلسطينية من خلال احماسب، واحزب اللهب، وحرسها الثوري مدعوما بأكثر من خمسة آلاف من حزب الشيطان يذبحون الشعل السوري وكل هذه المواقف تؤكد أن إيران تبحث عن دور اكبر يخدم مصالحها الوطنية علي حساب العرب.. المهم في خضم هذه القضايا والأحداث الخطيرة علي أمنهم القومي ان العرب قد يصبحون الضحية في مفهوم (القوة)، ويقيني أنهم أدركوا هذه الهوة الكبيرة بينهم وبين اسرائيل وايران في ميدان القوة، بعد أن أصبحوا بين مطرقة ايران وسندان اسرائيل لكن العرب لم يتعظوا ولم يستفيدوا من التجارب السابقة ولم يقرؤا التاريخ وقبلوا بان يكونوا الأمة الأضعف في ميدان التسليح، بل أن معظمهم انساقوا وراء الخطب والشعارات التي ينادون بها في شأن (القوة) بل أن بعضهم يسري عليه المثل القائل (كذب كذبة فصدقها) فأصبح الأمر كلام بكلام، كما يقول الأشقاء في مصر (فض مجالس)!! العرب اليوم في ظل التحولات السياسية الجذرية التي تخيم علي بعض الدول العربية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، قد ينطبق عليهم حال ايطاليا عندما تمزقت سياسيا وتحطمت اجتماعيا وخرج فيلسوفهم (ماكيافلي) عام 1498 ليساهم بدفع عجلة بلاده نحو (القوة) فهل يطلب قادة العرب من (ماكيافليين) عرب المساهمة في وضع خطط واستراتيجيات مدروسة علميا واستراتيجيا وعسكريا واقتصاديا وتنمويا واجتماعيا يخرج من رحمها قرارات رشيدة علي طريق خطوة الألف ميل للخروج من النفق المظلم!!