منذ »فيلم ثقافي« تعلقت عيناي بالسيناريست المخرج محمد أمين وشعرت انه مخرج غير كل المخرجين الاخرين وزادت قناعتي به مرة اخري بعد فيلمه الثاني »ليلة سقوط بغداد« فهو يمتلك وجهة نظر خاصة به ويحمل فكرا سينمائيا راقيا جديرا بالاحترام وفوق هذا وذاك يعمل في صمت وهدوء وبلا نجومية زائفة. وانطلاقا من رؤيتي الفكرية لمدرسته السينمائية ازداد حرصي علي مشاهدة ثالث اعمال محمد امين وهو ينسج علي اوتار فكره فيلمه الجديد »بنتين من مصر« حيث وجدته يفتح بشجاعة ووعي وفهم ملف »العنوسة« ويجتاز الاسلاك الشائكة بمهارة الجراح الذي يحمل بين يديه ادواته الطبية ليغوص بها داخل التفصيلات الدقيقة في جسد مريضه الذي يئن بالآلام المبرحة ولا يعرف علاجا لها خاصة أن المناخ المحيط به غير صحي! وببراعة شديدة رسم محمد أمين سيناريو فيلمه وربط بين قضية »العنوسة« عند البنات وسجل ما يحيط بهن من مشاكل اجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد وجسد تلك الرؤية بنموذجين من الفتيات يعبران عن الواقع الاليم الذي يعتصر حياة كل منهما »زينة« و»صبا مبارك« رغم ما بينهما من اختلافات فكرية واجتماعية ولكن »العنوسة« بكل معانيها هي الشيء الوحيد الذي يربط بين الانثتين في سعيهما لاشباع حقهما المشروع في الزواج والانجاب وتكوين اسرة وأولاد والحياة بصورة ادمية طبيعية بدون ارتكاب فعل تترتب عليه افعال بل واخطاء كثيرة تعصف ببراءة الاحلام التي بداخل كل فتاة مثلهما اصطدمتا بواقع مؤلم مرير انعكست اثاره علي المجتمع ككل وتحديدا علي الشباب الذي راح يبحث لنفسه عن مستقبل يفتح من خلاله آفاقا جديدة لحياة أفضل. نجح محمد أمين في عبقرية شديدة ان يجعل من شخصياته المحورية في البناء الدرامي للحدوتة منشورا سياسيا يحذر وينبه ويدق ناقوس الخطر في شجاعة نادرة تؤكد اننا بحق نعيش في مناخ ديمقراطي غير مسبوق فلولا ذلك ما تحقق لهذا العمل الممتع فرصة الخروج الي النور أو أن نشاهد نماذج انسانية تدغدغ مشاعرنا مثل زينة »حنان« وصبا مبارك »داليا« ومعهما مجموعة من النجوم اصحاب الاداء المميز مثل احمد وفيق وطارق لطفي واياد نصار ورامي وحيد والوجه الجديد الموهوب عمر حسن يوسف وجيهان سلامة النجمة المجتهدة الذين عزفوا سيمفونية رائعة من التناغم والصدق الشديد فيما يطرحونه من قضايا نعيش كلنا تفاصيلها علي ارض الواقع ولا نجد لها حلولا جذرية تبشر بأن الغد سوف يأتي أفضل مما هو عليه الحال اليوم. وفيلم »بنتين من مصر« يذكرنا بزمن السينما الواقعية الجميل الذي عشنا فيه لسنوات طويلة مع اساتذة كبار في حجم وقامة صلاح ابوسيف ومرورا باسماء كثيرة محترمة اذكر من بينها صديقي الراحل عاطف الطيب واتصور ان القدير محمد أمين سوف يصول ويجول بقلمه وفكره ورؤيته السينمائية في هذه المنطقة لسنوات اخري مقبلة تحتاج منا جميعا نوبة صحيان للانطلاق بامتنا نحو حياة هادئة ومستقرة وخالية من الامراض الاجتماعية التي تعوق تقدمنا الحضاري. وإذا كان المخرج المبدع محمد أمين قد نجح في تقديم عمل سينمائي تتوافر فيه كل عناصر الابداع علي الشاشة الفضية فهناك نجوم اخري كثيرة ساهمت معه في تحقيق هذا النجاح اذكر من بينهم مديري التصوير جلال الزكي وايهاب محمد علي ومونتاج مها رشدي وديكورات سامح الخولي والموسيقي التصويرية المعبرة عن الجو الدرامي التي وضعها بمهارة شديدة رعد خلف. وفي فيلم »بنتين من مصر« دائرة ضوء تزيد من بريقه وتوهجه ولمعانه حيث تطل علينا من بين احداثه الدرامية ممثلة كبيرة وقديرة اسمها سلوي محمد علي ادت ببراعة فائقة دور »الجارة« ولو كان الامر بيدي لمنحتها جائزة خاصة في الاداء مقابل هذا الدور الذي لا تجسده سوي فنانة موهوبة خرجت من رحم المسرح المصري الذي هو بحق ابو كل الفنانين فتحية خاصة لمحمد أمين علي عين الخبير التي جعلته يذهب بهذا الدور للرائعة سلوي محمد علي واتصور أيضا انه اعاد اكتشاف زينة كممثلة من العيار الثقيل ويا ليتها لا تفرط في امكاناتها الفنية بقبول أعمال اخري جديدة خلال المرحلة المقبلة تسحب من رصيدها المميز الذي حققته في اقوي افلامها حتي الان.