مها عبدالفتاح تاهوا من هجروا ماضيهم : مثل شعبي بكل اللغات ما من كتاب هذا بل نبع يروي عيون عطشي لرشفة ابداع.. ضفتين وسعا كنوزا من صور نادرة ولقطات ورسوم خرائط قديمة ودنيا غير الدنيا.. ذراعين مفتوحين في حضن كبير يضم تاريخا وتراثا من معمار ما يزال يتحدي عوامل الزمن والاهمال ويعايش واقع حياة مختلفة... كتاب من مزيج حكي موثق لتاريخ مكان بتراكم أحداث ومجتمعات ومعالم ضمها كتاب عنوانه يحمل اسم المكان " زمالك "... حوي كل مايتصل بالزمان وهذا المكان في الماضي والحاضر في ضمة كتاب. هذا اللون أحب القراءات الي نفسي مع كتب السير الذاتية، أجد فيهم ترويحا عن أشبه بنزهة نفسية تقطع صخب حياتنا خصوصا هذه الايام.. استراحة قصيرة لالتقاط الأنفاس فهذا كتاب عامر بلحظات تاريخية مصورة ونادرة غير اللقطات التي سجلتها كاميرا هذا الهاوي الفنان مؤلف الكتاب الذي يسرد من خلاله قصة هذه الجزيرة الفريدة زمالك منذ التكوين الأول من طمي وطين الي المساكن الأولية في عهد ما قبل محمد علي باشا الكبير... مجتمعات متتالية كأنك دلفت الي دنيا غير الدنيا، وسجل وافر كاميرا فنان يقدم بدع معمار أقرب لمقطوعات موسيقي صامتة تطرب لها العين.. فهذا السجل الفني الحافل في كتاب زمالك يجيء نتاج ن عمل " باحث " هاوأوغل في جذور موضوعه وتتبع الزمن في المكان، وحكي بامتياز قصة زمالك تاريخا وماضيا وحاضرا، فهو القناص المتمكن من أدواته : الكاميرا والكلمة، فأمسك بتلابيب موضوعه بنحو هو المهيئ له تماما.. دررا من تراث ابداع يصعب ايجاد نظائر لكل هذا البداع مجتمعا في موقع واحد ..ولا في اوروبا ذاتها تعثر علي هذا الكم من فنون المعمار اجتمعت في موقع أوحي واحد... علي حد ما كتب في المقدمة يقول مؤلفه وائل عابد أن هدفه كان اللحاق بهذا التراث قبل أن ينطوي، يسجله من اجل الاجيال القادمة، من قبل أن يطويها الزمن اوتهوي تحت معاول الهدم والتدمير كما حدث لبعض أروع الفيلات والقصور التي أبيدت من أجل افساح المجال أمام المردة السمنت الجدد. لا روح ولا ملامح.. يقول وائل عابد في صدر مقدمته : أنه ليس ضد التطور فمن ذا الذي يستطيع ان يقف في وجه التطوير، لكن فارقا ما بين التطوير والتغيير..! معه كل الحق فالتغيير الطاريء قد يكون غبيا أومتدنيا وقبيحا منفرا للذوق السليم ، أوقد يقع لفرط غياب الصيانة والاهمال، فأما التطور أوالتطوير فهذا فن الابقاء والتعزيز ولمسات رهافة تجويد لا يطغي ولا يمسح أويمس اصالة بل يحافظ ويرعي ويصون. كل ما أعرفه عن وائل عابد مؤلف هذا الكتاب أنه مهندس معماري وفنان مرهف بيده كاميرا.. هاولالوان البيئة المصرية بثراء تباينها، من صحاري وواحات الي كنوز مدائن وروائع المعمار، هكذا انجرف مع هوايته فانغمس علي ما يبدوفي دور الباحث في تاريخ الأمكنة المستطلع لمواطن الابداع. بدأ كما يذكر في الكتاب بنية قطف بعض اللقطات من روعة ماض يشهق لفرك الابداع ويجزع لمجرد التفكير في احتمال ان يضيع.. كل هذه الروائع قد تضيع ؟ اذن ليلحق هوبالتسجيل من أجل الأجيال القادمة ومن قبل أن يطويها زمان الاهمال... مثل هذا الثراء الفني لا يعوض ولا قبل لأموال أن تشتريه ! ولا كل ثروات قطر تستطيع أن تشتريه ! (هذا التعبير مني وليس من الكتاب) كما لودخل في كهف من كنوز : يصف شعوره في المقدمة مع بدء هذه المهمة التي هيأ لها نفسه فيقول : كأنما دخلت الي كهف فوجدته يحوي كنوزا تبعثرت علي طريقنا نمر بها فلا نكاد نراها".. يدهشك كيف تحصل وائل عابد علي كل تلك الصور التاريخية النادرة من معالم الحياة الاجتماعية التي ارتبطت بهذه الجزيرة في عمرها المسكون.. هذه صورة تعود لعام 1904 التقطت من الجو، ليس من طائرة بالطبع بل من بالون أومنطاد طائر فوق النيل علي ارتفاع 1600 قدم.. استقله مصور سويسري هاواسمه ( سبيلتريني ) في مطلع القرن الماضي، انظر تبدوالجزيرة الي اليسار من الصورة، ويبدوواضحا كوبري قصر النيل.. فاما الآخر البادي في شمال اللقطة فهوالكوبري الذي كان قد وضع تصميمه المهندس الأشهر ألكسندر جوستاف ايفل عام 1892 (مهندس برج ايفل بباريس ) لم يكن قد حل مكانه كوبري سكة حديد امبابة الحالي بعد هذا الذي بني عام 1925... هذه اللقطة احدي نوادر الصور التاريخية العديدة التي يزخر بها الكتاب، غير الخرائط المرسومة من قرن وقنين ، والمناسبات الاجتماعية التي شهدها تاريخ الجزيرة، وقد جمعها من أصدقاء له ومعارف منهم من عايشها ومن آلت اليه بالميراث . من تاريخ هذه الجزيرة وجغرافية المكان تكتشف كيف أنه حافل بنحويزيد كثيرا عما كنا ندرك .. عرض أولا التسلسل الزمني للعمار والمعمار ومعالم الامكنة وكل ما يتصل بها من احداث وشخصيات ومناسبات شتي قدمها في سرد موجز كمحطات عبر تاريخ الجزيرة وتوالت تباعا منذ عام 1300 ميلادية منذ بني الملك الناصر بن قلاوون جدارا علي النيل كان يفصل جزيرة الروضة عن نهر النيل ليحمي به الدلتا من الفيضان كل عام، فسارت مياه النيل الي مجري الخليج المصري الذي أنشيء حديثا ذلك الحين.. يتوالي السجل بالاحداث الهامة التي طرأت علي المكان وفق التتابع الزمني، حدثا بعد آخر علي مضي الأحقاب الي الوصول لهذا العام 2013 حيث سجل بتوثيق الكاميرا طرفا من صور اكبر التظاهرات التي عرفها تاريخ الانسانية ، وقد عبرت النيل من الزمالك في طريقها الي كوبري قصر النيل وصالا ميدان التحرير.. اياما لتواريخ من نور .. 30 يونيوو3 يوليوو26 يوليوحيث نزل الملايين الي تظاهرات الشارع كثيرون منهم للمرة الأولي تدفعهم الارادة الارادة باقصاء سلطة ألمت بالبلاد في غفلة من زمن فلم يحتملها هذا الشعب أكثر من عام واحد ! لم يفوَّت الكتاب صور تظاهرات نساء وفتيات الزمالك اللاتي نزلن للانضمام الي الثورة منذ اندلاع الثورة الشعبية الأولية في 25 يتاير 2011 . حليمة وأروة هل تعرفهما ؟! جزيرة الزمالك تتكون من فصين يقطعهما شارع 26 يوليوأوفؤاد الأول سابقا .. ولا تزيد مساحتهما معا عن 600 فدان بطول يبلغ 3.5 كيلومتر وعرض نحوكيلومتر... الجزء الذي الشمالي يعرف بالزمالك وهومنطقة السكني بشوارع المتقاطعة المتداخلة تضم اليوم أبراجا وفيلات ومدارس وجوامع وكنائس وسفارات وبنوك ومحال ومطاعم وغزوة من الكافيهات قامت وما تزال بعملية غزوسافر لا تعرف ان كان غسيل أموال هذا أم ماذا ! ! القسم الجنوبي الذي يعرف بالجزيرة بقي تقريبا كما هوالرئة الباقية والمتنفس الوحيد الذي ظل يحتفظ بمعالمه حتي الآن دون تغيير الحدائق والنوادي، الجزيرة والأهلي الي الحدائق والاوبرا والمطاعم العائمة الي سائر المعالم خصوصا قصر الجزيرة هذا الذي تحول الآن الي فندق شهير.. كان الخديوي اسماعيل قد بناه في الفص القبلي من الزمالك السكنية التي ما تزال أقل كثافة من الزمالك الشمالية أوالبحرية، لكل من الفصين خصائصه المميزة وتاريخه في التطور . . من الحكي التاريخي تعرف أن عدد الجزر التي انجبها نهر النيل تبلغ 189 جزيرة بالتمام لا تتسمي أي منها باسم الجزيرة غير جزيرتنا هذه التي دخل عليها اسم زمالك ... هذا الاسم يعتبر مستجدا نسبيا علي جزيرة تكوينها مثل اخواتها من الجزر الأخري : تراكمات طمي وطين... أول ظهور موثق لجزيرتنا كان في القرن الرابع عشر الميلادي، اتخذت شكل جزيرتين منفصلتين سميتا في أول ظهورهما (بحليمة وأروة ) !! ظهرت جزيرة ثالثة بينهما عرفت بالوسطي، فسميت بالجزيرة الوسطي.. ظل الفيضان يأتي بالمزيد من الطمي والرمل والطين كل عام بانتظام، فأخذ المجري يتغير أكثر فأكثر حتي حدث والتحمت معا الجزر الثلاث في قطعة ارض واحدة .. ! هنا لابد واقفز بالضرورة علي الكثير من التفاصيل المدهشة والتطورات المثيرة مراعاة للمساحة المتاحة .. انما قبل ان ننتهي لابد ونقول لكم طرفا مما يذكره الكتاب عن أصل زمالك الذي تبين أن جذور الكلمة يعود الي " زملك " وهي كلمة في لغات أهل البلقان أوألبانيا بالتحديد مسقط رأس محمد علي الكبير الذي بني قصرا صيفيا له علي الجزيرة عام 1830 في الموقع الذي به نادي الضباط الحالي، وبني بيوتا حوله لحرسه من الجنود الألبان .. وائل عابد يقول أن بين الروايات العديدة لأصل تسمية الجزيرة بزمالك ما أخبره به الامير عباس حلمي حفيد الخديوي عباس حلمي الثاني وهورجل أعمال يعيش حاليا في مصر منذ عهد الرئيس السادات، عباس حلمي قال لمؤلف الكتاب أن سعيد باشا ذوالفقار أخبر أبيه الأمير محمد عبد المنعم بوجود قرية في ألبانيا تسمي زمالك .. وهذا ما يعزز الأصل الألباني لهذه الكلمة . المهم ان خزان أسوان القديم الذي أنشيء في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني جنوب مصر عام 1902 وكذلك السدودفي أسيوط واسنا ونجع حمادي، وفوق ذلك شق قنوات عدة وشبكات طرق مائية كل هذا ادي الي تخفض ارتفاع الفيضان الي حد كبير فأدي الي تأمين الزمالك وجعلها بعد ذلك أكثر مواءمة للسكني الدائمة ... ومن الخرائط التاريخية التي في الكتاب تبدوأحياء الدقي والعجوزة وامبابة متصلين معا بالزمالك الي 136 عاما مضت... كان المرء في نحوعام 1830 يستطيع أن يمشي من الزمالك الي الدقي علي قدميه بدون عبور أي مانع ماذي وذلط بالطبع في غير أوان الفيضان ! لكن بعدما أمر الخديوي اسماعيل بحفر وتعميق المجري أدي ذلك الي سريان مياه النيل علي مدي العام، بذلك تحولت الزمالك الي طوال العام ! القصة كما لم ترو من قبل : كان المعروف عن تاريخ زمالك قبل هذا الكتاب أن تاريخ سكني الجزيرة يعود الي قرب نهاية القرن الثامن عشر انما تبين أن سكني طرفها الشمالي والجنوبي انما يعودان الي ما قبل أن يبني الخديو اسماعيل قصر الجزيرة عام 1869 بكثير حيث كان هناك من قبلها أكواخ الصيادين شمال الجزيرة.. انما بمجيء جموع من الصعايدة يتجارتهم نزوحا من قنا وأبوتشط شمال الأقصر متمركزين حول " ميناء بولاق " ثم استوطنوا حيث مصدر ارزاقهم فاختاروا تلك البقعة التي تمتاز بنسيمها البحري اللطيف، وبنوا بيوتا صغيرة من الطوب والقرميد وظلوا في هذا الموقع حتي عام 1940... أما ذلك المثلث الذي في الطرف الشمالي للزمالك البحرية الذي يعرف اليوم بشارع المنتزة كان حتي أوائل الأربعينيات خاليا تماما من العمران، فهوالطرف الذي كانت تجتاحه مياه الفيضان وظل بهذا النحوالي عهد الخديو اسماعيل عندما توقف غرق الطرف الشمالي تماما بعد المشروعات التي اقيمت فتحول الي متنزه للعائلات، وبقي بعد العمران وحتي اليوم يسمي بشارع المنتزه. الجزء الثالث من الكتاب يقدم الابداع المعماري ورقي حياة مفعمة بمعالم جمال فني يتجلي في الفيلات والقصور وبقي ينطق بالابداع الذي كانت عليه مصر وبنوعية الحياة والمجتمعات والناس.. بعضنا لحق بأطرافها في مراحل مبكرة من العمر.. تاريخ في تفاصيله الكثير الذي نجهله بمثل هذه الدقة والشواهد الموثقة بالصور الفوتوغرافية تبدوكرؤي نحاول استشفافها من وراء غمام، لا تعرف ان هي أطياف ماض بعيد يتداعي عن بواكير صور أم خيال يراود ما بين يقظة وسبات خفيف.. هي دنيا غير الدنيا ! أكل هذا الابداع نمر أمامه كل يوم في الذهاب والاياب ولا نراه ؟! المؤلف قدم عرضه التاريخي البليغ بلغة انجليزية متينة انما الأسلوب رهيف بايقاع رفيف.. أما لماذا اختار الانجليزية فلا أدري، ربما ليجد طريقه الي العالم الخارجي كلون من القراءات المعرفية الرفيعة يريد تقديمها الي عين الاجنبي ..يريد ان يقول هذا تكوين مصر الكوزموبوليتان التي تشكلت ما بين القرنين التاسع عشر الي منتصف القرن العشرين أولا أعرف في الواقع سبب اقتصاره علي الانجليزية. بقي ان نقول من هووائل عابد كما هومدرج في هامش الكتاب : مولود بالزمالك عام 1967 . ليس بأول مؤلفاته . سبقه عدة كتب يتضح من العناوين انها سياحات في بيئات تبين أنحاء مصر . البيئة الصحراوية بالخصوص، يبدوله ولع خاص بالصحاري والواحات والآثار، غير انه مهندس معماري حاصل علي 13 جائزة دولية في هذه المجالات. يعيش بين القاهرة وواحة الداخلة. متزوج وله أولاد وبنات . المعجبات يمتنعون ! بالمناسبة مشروع حفر نفق للمتروتحت أرض الزمالك ! بمناسبة هذا الكتاب الدرة لأحد ما كان أروع درة بين ضواحي القاهرة، تمرق الي الذهن تلك الفكرة المجنونية التي تمثل عدوانا أكيدا بل كارثة محققة لضاحية الزمالك، مشروع حفر نفق تحت النيل يمتد عبر جزيرة الزمالك يدك أساسات العمائر والفيلات ومباني تعود لأمثر من نصف قرن ليمر من تحتها المترومن خلال أرض مكونة من طمي وطين.. ! المشروع الجنوني هذا يراد به مد وصلة خط مترويبدأ من العتبة وصولا الي امبابة عن طريق الزمالك، تلك المجازفة مخيفة التي تحتمل أكثر من احتمال وقوع كوارث جسيمة يصعب تمثلها، يكفي ما اكتشف مؤخرا من عيوب فنية في جسم نفق الوصلة الاخيرة للمتروالعيوب الفنية من ثقوب وشروخ تعالج حاليا.. فما البال وشق نغق يمر من تحت أساسات بنايات أقيمت علي ارض أساسها من طمي وطين !! ولتكتمل أركان هذا الجنون فتكاليف هذه الوصلة تكلف الدولة احبس انفاسك 21 مليار أي واحد وعشرين ألف مليون جنيه !! هذا بينما بينما توجد دراسة لمشروع آخر يصل العتبة بامبابة فوق الأرض وبعيدا عن الزمالك ولا يتكلف أكثر من مليارين اثنين ! فان تكاليف الانفاق الأرضية باهظة جدا ولا نعرف كيف اعتمد من الحكومة التي اعتمدته مع وجود بدائل لأنفاق تحت الأرض ! بالله عليكم اليس من يفكر مجرد تفكير في حفر نفق بهذا النحويحتاج اما الي علاج عاجل، أومحاكمة علنية قضاتها من جمهور هذا الشعب !