التنسيقة تؤكد أهمية تمكين مندوبي المرشحين من الحصول عل الوثائق الرسمية بحصر الأصوات    تعيين اللواء أحمد سعيد عرفة رئيسا لشركة مياه الشرب والصرف الصحي في الأقصر    وزيرة التضامن ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروع خدمة المرأة العاملة بالحادقة    نتنياهو خلال محاكمته بقضية فساد: المدعية العسكرية الإسرائيلية تلقت هدايا بعشرات آلاف الدولارات ولم تحققوا معها    جامعة المنصورة تواصل دعم المناطق الحدودية خلال فعاليات اليوم الأول لقافلة "جسور الخير 23" بشلاتين    صادرات مصر من السلع نصف المصنعة بلغت 868.7 مليون دولار خلال يوليو 2025    حزب الأحرار يثمن توجيهات الرئيس السيسى للهيئة الوطنية بشأن الانتخابات    مبعوث واشنطن السابق لإيران: ضربات إسرائيل وأمريكا على مواقع طهران عواقبها ستطول المنطقة    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    تقرير: هاوسن سليم وجاهز لمواجهة إلتشي    كاف يعتمد استاد برج العرب رسميًا لاستضافة المباريات الأفريقية والدولية    ضبط 3 طلاب تعدوا على زميلهم بالضرب أمام المدرسة بأسيوط    القبض على المتهم بإطلاق النار على سائق لشكه بإقامة علاقة مع طليقته بالهرم    طقس الغد.. تغيرات في درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 26    انهيار وصراخ ورفض أدلة.. ماذا جرى في جلسة محاكمة سارة خليفة؟    الأطباء أوصوه بالحصول على فترة راحة.. تحسن ملحوظ في الحالة الصحية للموسيقار عمر خيرت    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    متحف شرم الشيخ ينظم ورشة «حماة التراث» بمشاركة مصريين وأجانب    لا تُجيد القراءة والكتابة.. الحاجة فاطمة تحفظ القرآن كاملًا في عمر ال80 بقنا: "دخلت محو الأمية علشان أعرف أحفظه"    بعد بيان السيسي.. مرشح واقعة فتح صناديق الانتخابات قبل انتهاء التصويت: سنقدم الطعون ونسبة تفاؤلي ارتفعت من 50 ل 90%    الصحة تعلن نتائج حملة قلبك أمانة للكشف المبكر عن أمراض القلب بشراكة مع شركة باير لصحة المستهلك    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    شيخ الأزهر يستقبل وزير التعليم العالي التشادي ويناقشان تعزيز التعاون الدعوي والعلمي    تشكيل منتخب مصر المشارك في كأس العرب لودية الجزائر    تعرف على حورات أجراها وزير التعليم مع المعلمين والطلاب بمدارس كفر الشيخ    من هو إبراهيما كاظم موهبة الأهلي بعدما سجل ثنائية فى الزمالك بدوري الجمهورية ؟    أهالي قرية ببني سويف يطالبون بتعزيز من «الإسكان» قبل غرق منازلهم في الصرف الصحي    وكيل تعليم بني سويف تتابع انتظام الدراسة بمدارس المحافظة    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    القاهرة الإخبارية: اللجنة المصرية بغزة أقامت بمفردها 15 مخيما لمساعدة أهالي القطاع    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    هيئة الدواء: توفر علاج قصور عضلة القلب بكميات تكفي احتياجات المرضي    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    جولة مفاجئة لوزيرالتعليم في مدارس كفر الشيخ    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    انتخابات النواب 2025| مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة وطن» بالغربية    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    موعد قرعة الملحقين الأوروبي والعالمي المؤهلين ل كأس العالم 2026    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    شريهان تدعم عمر خيرت بعد أزمته الصحية: «سلامتك يا مبدع يا عظيم»    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    أسعار الدواجن والبيض في مصر اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 بأسواق المنيا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    هاني ميلاد: أسعار الذهب تتأثر بالبورصة العالمية.. ومُتوقع تسجيل أرقام قياسية جديدة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة .. أيمحوتب الرجل الذى ابتكر البناء بالأحجار
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 11 - 2009

نعود اليوم إلى مدينة أونو فى الألف الثالثة قبل الميلاد، لنتعرف على واحد من بناة الحضارة المصرية العريقة، فى المدينة نشأ البناء العظيم إيمحوتب وتعلم الحكمة فى معابد مدينة الشمس، وصار رئيسا للكهنة وكبيرا للعرافين المستبصرين فى عاصمة العلوم بالعالم القديم، ومدينة أونو أو عين شمس كما نعرفها اليوم واحدة من أقدم المدن المصرية التى شيدت بالقرب من موضع التقاء الوادى بالدلتا، وفى تلك المدينة العريقة نشأت أهم المعتقدات الدينية المصرية القديمة.
وظهرت عبادة الشمس وأساطير خلق الكون عند المصريين القدماء، حقق كهنة عين شمس نبوغا مبكرا فى علوم الفلك والرياضيات والطب إلى جانب ما حققوه من إنجاز فى مجال العقائد الدينية، وكانت أونو أو عين شمس بما حققته من سبق حضارى عاصمة للعلوم والفنون فى العالم القديم، الأمر الذى جعل منها قبلة ومقصدا لطالب العلم والمعرفة من مختلف أرجاء الدنيا لقرون طويلة.
كان إيمحوتب كبيرا لكهنة عين شمس فى منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، فى عصر جسر ثانى ملوك الأسرة الثالثة، لقد حكمت الأسرة الثالثة مصر ما بين سنتى 2635 و2561 قبل الميلاد، ويعتبر عصر هذه الأسرة بداية للفترة التى تعرف بالدولة القديمة فى التاريخ المصرى.
وقد انتقل الحكم من الأسرة الثانية إلى الأسرة الثالثة انتقالا سلميا، ويعتقد علماء المصريات أنه كانت هناك روابط عائلية تجمع ما بين ملوك الأسرتين، وكانت مدينة منف بمحافظة الجيزة الحالية هى مقر الحكم فى عصر تلك الأسرة التى تحققت على يديها تطورات مهمة فى مسيرة الحضارة المصرية، فخلال ذلك العصر تحددت حدود مصر الشرقية والجنوبية بشكل واضح، فأصبحت شبه جزيرة سيناء جزءا لا يتجزأ من البلاد، كما صارت النوبة كذلك حدا جنوبيا لمصر، وخلال ذلك العصر تطور الفن الحربى فى مصر بشكل واضح، كما تطورت الإدارة الحكومية وجهاز جباية الضرائب فى البلاد.
وعرفت البلاد انتقالا حضاريا مهما عندما حل استخدام الأحجار فى البناء محل الطين والآجر والأخشاب، أو احتل مكانا بارزا إلى جانب تلك المواد، وقد حدث هذا التطور فى عصر ثانى ملوك الأسرة الثالثة، جسر المعروف لدينا باسم زوسر صاحب الهرم المدرج بسقارة.
وقد تحقق هذا الإنجاز الحضارى على يد المعمارى والوزير أيمحوتب فى أواخر القرن السابع والعشرين قبل الميلاد.
لقد كان أيمحوتب مهندسا معماريا بارعا اختاره الملك جسر للإشراف على بناء مجموعته الجنائزية الضخمة فى سقارة، وتتكون هذه المجموعة من مقبرة ملكية على شكل سلسلة من الأنفاق الضخمة تحت الأرض، تضم عدة ممرات وقاعات متشابكة، يعلوها جميعا هرم من ست درجات، إنه هذا الهرم الذى لا يزال شامخا إلى الآن ونعرفه باسم هرم سقارة المدرج أو هرم زوسر ويبلغ ارتفاعه ستين مترا، وتحيط بالهرم والمقبرة مجموعة من المعابد يحيط بها جميعا حرم يحده سور يبلغ محيطه 1600 متر، وتعتبر هذه المجموعة الجنائزية التى أبدعها وأشرف على تنفيذها أيمحوتب طفرة فى العمارة المصرية القديمة بكل المعايير، بل طفرة فى فنون المعمار على وجه الأرض.
فما قيمة هذه المجموعة الجنائزية؟
تكتسب هذه المجموعة الجنائزية قيمتها الأساسية من أنها أول مبان معروفة لنا شيدت باستخدام الأحجار فى مصر بل وربما فى العالم كله، فقد كانت المواد الأساسية المستخدمة فى البناء قبل ذلك هى الطوب اللبن المصنوع من طمى النيل والبوص الذى كان ينمو بشكل طبيعى على ضفاف النيل وفى مستنقعات شمال الدلتا أو جذوع النخيل وجذوع الأشجار، وكلها مبان كان من الصعب أن تعيش طويلا، فجاء الإنجاز المعمارى لأيمحوتب فى هذه الفترة المبكرة ليحقق الخلود للحضارة المصرية القديمة، كذلك فهذه المجموعة الجنائزية التى اختار لها أيمحوتب منطقة مرتفعة عند سقارة تطل على مدينة منف بالقرب من مدافن ملوك الأسرتين الأولى والثانية شكلت تطورا فى الشكل المعمارى للمقبرة.
فقد طور أيموحتب المصطبة التى كانت تعلو مقابر الملوك فى الأسرتين الأولى والثانية إلى شكل المصاطب الست المدرجة التى تأخذ الشكل الهرمى، وكانت هذه هى البداية لمرحلة جديدة فى تشييد المقابر أخذت بعدها مقابر ملوك الدولة القديمة والوسطى شكل الأهرام المعروفة وأكبرها بالطبع هرم خوفو بالجيزة.
وقد حفظت الأجيال المتعاقبة من المصريين لأيمحوتب فضل ريادته فى فن المعمار وفى الطب كذلك؛ فقدسوه ورفعوه إلى مصاف الآلهة، حيث جعلوا له نسبا إلهيا واعتبروه ابنا للإله بتاح رب كل الصناعات والفنون وكان ذلك فى زمن الأسرة السادسة والعشرين، أى بعد مرور ما يقرب من ألفى سنة على رحيل أيمحوتب، وقد شيدت للرجل المقاصير فى أرجاء البلاد، خاصة فى واست الأقصر الحالية وكان الناس يتبركون بزيارة تلك المقاصير ويلتمسون فيها الشفاء من أمراضهم، وتشير الدراسات إلى أن الإغريق قد اعتبروا أيمحوتب إلها للطب وشبهوه بأسكليبو إله الطب عندهم...
وتشير كثير من الدراسات حول أيمحوتب إلى أنه نبغ فى الطب مثلما نبغ فى الهندسة والمعمار، وهذا أمر طبيعى، فقد كانت ممارسة الطب من اختصاص الكهنة فى العصور القديمة، ومن الغريب أن تأثير أيمحوتب على الأجيال التالية لم يقف عند حد تقديسه والتبرك بزيارة مقاصيره، بل وصل الأمر إلى حد أن المصريين ظلوا لعصور طويلة تالية ينسبون تصميم معابدهم وتشييدها إلى أيمحوتب بعد وفاته بقرون طويلة، فاختلطت بذلك الأسطورة بالحقيقة فى سيرة أيمحوتب وفى تصورات المصريين عنه.
وفى عصر البطالمة دونت قصة المجاعة التى اكتشفت إلى الجنوب فى أسوان والتى نسبت وقائعها إلى عصر الملك جسر، وأشير فيها إلى أيمحوتب باعتباره مصدرا للنبوءة التى تتحدث عن نهاية القحط وجاء فيها:
«السنة الثامنة عشرة من عهد ملك الوجه القبلى والوجه البحرى حور الذهبى جسر، إن هذا المرسوم الملكى لأجل أن تكون على علم بأننى كنت فى حزن على عرشى العظيم، وإن أولئك الذين كانوا فى قصرى كانوا فى أسى وقلبى كان فى غم شديد، لأن الفيضان لم يأت فى ميقاته مدة سبع سنوات، فكانت الغلة قليلة، إذ قد يبست الحبوب، وكل ما كان يؤكل كانت كميته قليلة، وكل إنسان كان مصابا فى دخله، وأصبح الفرد غير قادر على المشى، وكان الطفل يبكى، والشاب أصابه الوهن، وقلوب المسنين فى حزن، فكانت أرجلهم مطوية قعودا على الأرض، حتى رجال البلاط كانوا فى حاجة، وكانت المعابد موصدة والمحاريب يخيم عليها التراب، وكان جميع ما هو كائن فى حزن...
لذلك حبب إلى أن أعود إلى الماضى، فسألت رجلا من موظفى الإله تحوت وهو رئيس الكهنة المرتلين أيمحوتب بن بتاح، فى أى مكان ولد النيل؟ وأى إله يسكن هناك ليساعدنى؟ فقال: سأذهب إلى محراب الإله تحوت، وسأدخل قاعة السجلات، وسأتصفح الكتب القديمة وسأسير على هديها، وعلى ذلك ذهب ثم عاد نحوى فى لحظة، وأعلمنى بفيضان النيل، وقد صرح لى بما يأتى: توجد مدينة فى وسط الماء، والنيل يحيط بها واسمها الفنتين، وهى بداية البداية، وهى مرتفع أرضى ومرتفع سماوى، إنها عرش رع عندما يقرر إرسال الحياة لكل إنسان، وحلاوة الحياة هو اسم مائها، إنها قاعة الولادة حيث يولد النيل، وإن النيل سوف يعود إلى شبابه فى ميقاته ويمنح البلاد قاطبة الخصب والحياة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.