«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة الاحتفال بالعيد ال‏92‏ لميلاده‏:‏
د‏.‏الزيني‏..‏ طواف في دروب المدن

هذا الشهر نحتفل بإذن الله تعالي بعيد الميلاد الثاني والتسعين للدكتور يحيي الزيني‏..‏ أحد العباقرة المصريين في مجال العمارة في أبسط تعريف و التي يضم سجلها أسماء في حجم حسن فتحي ومحمد كمال إسماعيل‏.‏ فاليوم نقدم مؤلفه المدينة بين التنسيق والتأصيل والذي يمكن أن نعتبره خلاصة تجربة عمر لأحد الناشطين المصريين الذي أراد من خلال هذا الكتاب أن يسجل خواطر شتي ومشاهدات وتحليلات للمدينة وبيئتها العمرانية.
والكتاب يبدأ بتقديم للكاتب سمير غريب يقدم الدكتور الزيني الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة عام1942 وحصل علي الماجستير في العمارة والفنون الإسلامية عام1947 ثم الدكتوراة من باريس. فهو شاهد علي ما حدث للعمارة المصرية طوال سبعين عاما, عمل خلالها في مصلحة المباني الأميرية في الاربعينات ورأس مجلس إدارة المكتب العربي للتصميمات, ورأس جهاز بحوث ودراسات التعمير بوزارة الاسكان, وشركة التعمير والمساكن الشعبية ولجنة العمارة بالمجلس الأعلي للثقافة.
كما حصل علي وسام الجمهورية عام1955, ووسام الاستحقاق عام1977 وجائزة الدولة التقديرية عام.1997
وأما أهم أعماله فكانت الثلاثة مجلدات الكبري التي تتبع تاريخ المنشآت التعليمية في بر مصر منذ العصور الفرعونية لأكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد وحتي القرن العشرين.
و في مؤلفه الجديد تتسع الرؤية الموسوعية ويبدو مشوار العمر حاضرا بكل تفاصيله. فهو يسير بنا خطوة خطوة مع المدينة منذ ظهور الفجر وحتي ساعات الليل الأخيرة.
معني التاريخ:
ويبدأ الكتاب بفكرة الحفاظ علي ذاكرة المدينة, فعادة ما تحتفظ المدن الكبري بأرشيفات تضمها دور المحفوظات والوثائق القومية ويخصص جزء منها للتخطيط العام ولوائح وقوانين البناء والهدم وتسجيل الآثار والتراث. والقاهرة كما يقول د. الزيني ليست ككل المدن إذ مرت بلحظات فارقة جعلتها تحمل تاريخ مصر كلها, فذاكرتها العمرانية تحمل حضارة الفراعنة مطلة من جبانة منف في هضبة الجيزة, وإشراقة المسيحية في مصر القديمة, وضحي الإسلام من فسطاط مصر المحروسة إلي القاهرة المعزية في منظومة فريدة.
ويحمل عمران ومعمار القاهرة التاريخية وخاصة مباني العصر المملوكي بصمات العبقرية الا أن هذه القباب الجليلة قد استحدث إلي جوارها بيوت عالية البناء وضيعة القيمة. كما أختفت البوابات وراء فاترينات الباعة, في حين عاشت القاهرة الخديوية تحت قبضة الاعلانات التي تشوه المكان.
وهناك هوجة التغيير التي لا مبرر لها فشارع وميدان سليمان باشا قمنا بتغييره إلي شارع طلعت حرب. وبصرف النظر عن كون سليمان باشا فرنسيا وكون طلعت حرب مصريا. فقد دخل سليمان باشا التاريخ عندما ألتحق بخدمة محمد علي باشا وكلفه بإنشاء جيش مصري إعتمادا علي خبرته العسكرية السابقة في الجيش النابليوني, وشاءت الاقدار أن يسلم بل ويتمصر ويتزوج من مصرية وينشئ أول مدرسة حربية في تاريخ البلاد. وقد كلفت الحكومة المصرية المثال الفرنسي جاكمار بصناعة تمثال له في ميدانه الذي ظل يحمل اسمه حتي منتصف الخمسينات حين وضع بديلا له تمثال طلعت حرب الاقتصادي المصري الكبير الذي أسس أول بنك وطني مصري وهو بنك مصر عام1920 بالاضافة إلي23 شركة شملت قطاعات الغزل والنسيج وحتي مصايد الاسماك وصناعة السينما. ولهذا فقد كان من الاجدر في رأي الزيني إطلاق أسم طلعت حرب علي الشارع الذي بني فيه بنك مصر.
ونفس القصة تكررت مع شارع بورسعيد الذي يعتبر من أطول شوارع القاهرة وأسمه الاصلي شارع الخليج المصري وله تاريخ يعود إلي العصور الفرعونية عندما كان هناك اهتمام بربط النيل بالبحر الأحمر. وتروي المراجع أن عمرو بن العاص عقب فتح مصر جدد حفر هذا الخليج ليطلق عليه أسم خليج أمير المؤمنين.
و تتابع الأمثلة في القاهرة فشارع عبد السلام عارف أحد الزعماء العراقيين قد أصبح بديلا لشارع البستان الذي كان في الاصل بستانا للسلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون. وشارع رمسيس وأسمه التاريخي هو شارع عباس الأول الذي أنشأ حي العباسية وأختط الشارع ليربطه بميدان محطة أول خط للسكة الحديد بين مصر والاسكندرية الا انه أتخذ أسمه الحالي عندما تقرر نقل تمثال رمسيس من ميت رهينة في بداية ثوزة يوليو إلي ميدان باب الحديد.
وأما شارع الفجالة الذي يحمل الان أسم كامل صدقي والذي تحول شيئا فشيئا إلي شارع للثقافة غلبت عليه الآن تجارة الادوات الصحية.
وهناك مشكلة خاصة بالقيم الحضارية للمدينة المصرية تعاني منها القاهرة بسبب التراخي في تطبيق القوانين الخاصة بالآثار وتنظيم أعمال البناء ووسائل النقل وفوضي الاعلانات الضخمة وتجميد عائد المباني القديمة لتتضافر كلها كعوامل لإباحة إزالة المباني التي تجاوز عمرها المائة عام وهو ما لا يمكن تجاوزه الا باشتراك المعماريين ووزارات التعمير ومؤسسات الحكم المحلي والثقافة والبيئة والإعلام والتربية والتعليم و الاوقاف في تكوين رؤية واحدة حول أهمية الحفاظ علي التراث المصري.
ويبدأ الدكتور الزيني في تحديد ملامح القاهرة القديمة في فصل آخر بعنوان القاهرة القديمة.. حضارة وعمارة ويقدر امتدادها بمساحة32 كيلو مترا مربعا تطوقها الامتدادات الحديثة للقاهرة الخديوية. ويتضح أن معظم المنشآت والمباني الدينية والعامة كانت تشيد من الأحجار وتحمل أجزاءها عناصر زخرفية أو أرابيسك. وقد أوجدت القاهرة القديمة حلولا عبقرية للوحدات السكنية بنظام الدوبلكس أي الوحدات المنفصلة الممتدة رأسيا علي طابقين أو ثلاثة بسلالم داخلية. ويجاورها فناء ضخم يضم نافورات لتسبق ما قدمه المعماري الفرنسي اوكوربيزيه لعمارة مرسيليا بقرون.
وقد تكررت الرؤية نفسها في الاسواق التي لم تكن مجرد أماكن للتسوق دون عنصر الترفيه. وتمتاز عمارة القاهرة الإسلامية بشكل عام بالمشربيات والتصميمات الداخلية بمعالجات جميلة والحرف التقليدية باستخدام الأحجار والرخام والخزف والنحاس والجص والزجاج الملون.
جامع السلطان حسن..خواطر خاصة:
أما جامع ومدرسة السلطان حسن فقد كانا سببا لأستحضار الكثير من الخواطر. وتظهر صورة الجامع بصحبة جامع الرفاعي في توازن يثير الإعجاب. والمعروف أن المعماري حسين باشا فهمي وكيل وزارة الأوقاف هو من كلفته الأميرة خوشيار هانم أم الخديو إسماعيل ببناء هذا المسجد كي تلحق به مدفنا لها ولأبنائها. وكان في الاصل مدفنا للشيخين علي أبوشبك الرفاعي وأبو عبدالله الانصاري. وقد توقف العمل لبعض التعديلات ثم توقف مرة أخري لوفاة الأميرة خوشيار ليعود العمل مع المعماري هرتز باشا في عهد الخديو عباس حلمي الثاني. فقد كان هرتز وقتها هو كبير المعماريين بوزارة الاوقاف ولجنة حفظ الأثار العربية, وقام بصيانة أكثر من360 أثرا بالاضافة إلي15 مشروع منها جامع الرفاعي. ولم يصدر الا كتابا واحدا هو مدرسة السلطان حسن.
وأما الشخصية الثالثة فهو عالم الأثار الجليل د.حسن عبدالوهاب صاحب الكشف عن أسم محمد بن بيليك المحسني معماري جامع ومدرسة السلطان حسن عند إجراء أعمال الترميم.
في حين أعتبر الدكتور الزيني المستشرق جاستون فييت أخر المديرين الأجانب لدار الاثار العربية هو الشخصية الرابعة لوصفه لهذا الجامع والمدرسة بالتحفة موسيقية.. وأما الشخصية الخامسة فهو حسن فتحي شيخ المعمارييين وقد عاش في سنوات عمره الأخيرة في بيت الفنانين بدرب اللبانة بجوار جامع السلطان حسن. وقد قدر الله تعالي له أن يكون مسكنه علي السطح يطل علي كل تفاصيل هذا الأثر العظيم.
ويدعو د.الزيني إلي مشاركة الأهالي في الارتقاء بالأحياء التاريخية حيث ان هناك تجربة توجيه طلبة العمارة بهندسة الأزهر والفنون الجميلة إلي البحث عن البيوت ذات القيمة المعمارية ومعاونة الاهالي في ترميم منازلهم. ولهذا أيضا ينادي د.الزيني الملاك الحقيقيين إلي المحافظة علي هذا الميراث الجميل. وينتقل بعدها في خواطره إلي ميدان الكونكورد في باريس ليتابع تاريخ وجود المسلة المصرية صاحبة المقام الرفيع التي اهديت إلي فرنسا في زمن محمد علي باشا الكبير بعد انتزاعها من أمام معبد الأقصر.
دبلوماسية الهدايا:
ففي تلك الفترة كانت هناك دبلوماسية الهدايا ولهذا توجد عشرات المسلات في روما واسطنبول وباريس ولندن ونيويورك. ويشرح لنا الدكتور الزيني كيفية تشكيل المسلة في رحم الجبل الصخري الذي يكون من الجرانيت الاحمر او الرمادي او الكوارتزيت في محاجر أسوان أو البحر الاحمر أووادي الحمامات. وبعدها تنتزع المسلة من خلال عمليات دقيقة تتطلب قوة وصبرا لا حدود له لتمدد علي زحافات متينة تنزلق علي مدارج منحدرة إلي نهر النيل.
وقد قام شامبليون بنفسه بالاشراف علي نقل هذه المسلة بعد ان ابحر القارب الأقصر إلي مصر في أبريل1831 وعلي متنه طاقم يضم150 رجلا وأقاموا معسكرا داخل معبد الأقصر ولتوقف العمل بسبب اكتساح وباء الكوليرا للصعيد ثم يعود بعد تفعيل الوسائل الميكانيكية وتطهير مسافة260 مترا بين المسلة وشاطئ النيل من الأكواخ وبيوت الطين في إنتظار فيضان النيل ليحمل السفينة وهو الامر الذي تعثر وكادت المسلة من أجله ان تتحول إلي حطام. ولكن ينجح الفرنسيون في نقل المسلة التي أستقبلوها إستقبال الفاتحين.
جودة الحياة:
وفي الباب الثاني من الكتاب يتتبع الدكتور الزيني قصة البيئة العمرانية وضرورة إعادة التوازن إلي عمران المدينة. وإثارة الوعي بهذه البيئة العمرانية في المدينة المصرية عبر العودة إلي الأصل... مصر. ويشرح المؤلف كيفية مواجهة الشارع المصري لطائفة من تناقض القوانين وتضارب القرارات كما حدث عندما هدم قصر هدي شعراوي وفيلا أم كلثوم رغم رصيدهما في الذاكرة المصرية.
فلم يعد الشارع المصري هو صاحب الصورة الموجودة في الافلام السينمائية في الاربعينات فهناك مشكلة التلوث البصري نتيجة الاعلانات والأمية السلوكية وإفتقاد آداب الطريق ووجود للكثير من الهامشيين و المهمشين والباعة في منطقة وسط البلد والعشوائيات ومشكلات النظافة والنقل والمواصلات وثقافة الاستهلاك.
ويعطي د.الزيني مثلا بسوق الهال في باريس في زمن وزير الثقافة لفرنسي الأشهر أندريه مالرو حيث تم تنفيذ منشآت السوق الجديدة في وقت قياسي في ضاحية رانجيس بعد تحويل سوق الهال إلي أكبر مركز ثقافي وتجاري وترفيهي في أوروبا.
قراءة للقيم الحضارية:
ويتحدث الدكتور الزيني عن النيل وهو حديث ذو شجون. فهناك لقاء وحوار بين القاهرة والنيل وعلاقة شديدة الخصوصية. فهذا النهر الذي توقف عنده كثير من الكتاب والمؤرخيين بقامة د.جمال حمدان والقاضي الفاضل وأبو المكارم الذي قال عنه.. وليس في الدنيا نهر يجري إذا نقصت مياه الدنيا الا النيل قد تكونت علي مر السنين علاقة نفعية بينه وبين سكان القاهرة ومعه العديد من البرك مثل الازبكية وهي أكبرهم والفيل والحبش والرطلي وقرموط والناصرية والفوال وكلها مسجلة في تاريخ العمران المصري.
ويقال أن إبراهيم باشا قد سوي مساحات شاسعة بين المدينة وشواطئ النيل وهو ما مهد للزحف العمراني الذي قاده بعد ذلك ابنه الخديو إسماعيل.
ويوجد في القاهرة حدائق كانت تغني عن الشواطئ في وقت لم يصل فيه سكان القاهرة إلي نصف مليون نسمة فقط. وفي زمن ثورة يوليو يتوقف المؤلف عند قرار لمجلس قيادة الثورة بأن ينشأ طريق لكورنيش النيل. فوقتها طلب عبداللطيف بغدادي وزير الشئون البلدية والقروية بصفته مشرفا علي محافظة القاهرة من السفارة البريطانية إخلاء جزء من حديقتها ليتسني شق طريق الكورنيش. ولكنه لم يستطع الصبر طويلا- كما يقول المؤلف- فأرسل الجرافات لتخلي المساحة المطلوبة ولتصبح للمدينة ولأول مرة واجهة مفتوحة علي النيل.ورغم وطنية الهدف الا أن كورنيش بطول الضفة الشرقية للنيل كشف الهيكل المتداعي لهذه المنطقة. كما أن تحويل وظيفة كورنيش النيل من طريق حدائقي إلي محور رئيسي للمرور لربط طريق القاهرة الاسكندرية الزراعي بطريق القاهرة أسيوط شرق النيل يحوله إلي سكين قاطع لقلب القاهرة الكبري.
وهناك إلي جانب هذا العشوائية التخطيطية فأحد الاحياء علي سبيل المثال يجمع بين دار الكتب والوثائق ومستشفي تخصصي وأبراج فندقية ومركز عالمي للتجارة وشركات تحجب خلفها مباشرة مناطق في حكر أبو دومة ووكالة البلح وبقايا عشش الترجمان واطلال بولاق أبو العلا وحي معروف.
وينصح د.الزيني بتحديد جهة واحدة يناط بها الاشراف العام ووضع مخطط عام للحيز العمراني للنيل كمحمية عمرانية في نطاق القاهرة الكبري وحظر إقامة أي ترسانات بحرية علي مسطح النيل بالاضافة إلي توصيات لحركة مرور السيارات واستخدام الاراضي.
ويري ان المدينة والفن لابد وان يجمعهما منظومة تكامل لا تتناقض ولعل إنشاء جهاز قومي للتنسيق الحضاري يعيد الثقة في تحقيق العناية بالبيئة العمرانية.فلابد من تحديد الادوار بين المعماري أو المخطط والمالك أو المسئول وأفراد المجتمع المدني من مستثمرين ومنتفعين.
الفن والعمارة:
ويتحدث د. الزيني عن ضرورة رفع مستوي الذوق العام وعودة الوعي ويسجل بعض الحالات في الاسكندرية و محطات مترو الأنفاق في القاهرة. فالمطلوب هو إعادة صياغة الرؤية الجمالية والميادين العامة. وهناك مشروع قرار لرئيس الجمهورية عام1977 لتخصيص نسبة مئوية من تكاليف الأبنية العامة للفنون التشكيلية.
ويجد المؤلف الطريق أمامه ممهدا لمناقشة المنظومات الحضارية فيتحدث عن الحديقة ويعني حديقة النهر والكوبري والأسود الأربعة, ثم ينتقل بنا للاحتفال بمائة سنة علي إنشاء مدرسة الفنون الجميلة علي يدي الأمير الرحالة والفنان يوسف كمال. فبعد محادثات في صالون الأمير الثقافي بينه وبين المثال الفرنسي جيوم لابلاني فتحت المدرسة أبوابها في أحد املاكه بدرب الجماميز.وفي البداية كما يقول بدر الدين أبو غازي في كتابه مختار.. حياته وفنه تلقت مدرسة الفنون خليطا عجيبا من سكان القاهرة. وفي عام1909 أوقف الأمير عليها عشرة آلاف جنيه ثم عمارة كبيرة بالاسكندرية وأراضي بسمالوط.
أما المتاحف المصرية فهذه قصة أخري ففي عام1996 وصل عدد المتاحف إلي مائة متحف بين قومية كبري وأقليمية وتاريخية والفنون والعلوم والانثرجرافيا والفلكلور والشخصيات القومية والمطلوب كسر الفكر التقليدي للعرض المتحفي وإثارة الوعي وإنشاء هيئة قومية عليا لشئون المتاحف.
حدائق مصر:
ربما كان من المفيد التوقف عند تاريخ مصر الأخضر. فالحدائق تبدو احدي المهمات الكبري للدكتور الزيني. فمنذ زمن محمد علي باشا وهناك استعانة بالخبراء الاروام والاتراك. كما استقدم إبراهيم باشا خبيرا بلجيكيا واستخدم الخديو اسماعيل فرنسيا لنفس الغرض. ففي الفترة ما بين عامي1825-1850 جرت تجارب لأقلمة النباتات المستوردة وكذلك في عصر إسماعيل. وهناك تراث رائع مازال موجودا في صورة حدائق قصر شبرا, وحديقة الأزبكية, وقصر الجزيرة, والزهرية, والجبلاية والحرية والأورمان والنهر والحيوان والجيزة والقناطر الخيرية. فهناك بيان كامل يحفظه الدكتور الزيني عن تاريخ الحدائق والمشاتل في مصر. وهناك بعض الحدائق مثل الحيوان يتابع قصيتها بشكل شخصي بأعتبارها قضية اصحاب الايادي الخضراء علي مصر المحروسة.
ويختتم الدكتور الزيني كتابه بالفصل السادس والأخير حول البحث عن الجوهر الضائع فلابد من إيجاد مدخل إلي تحقيق الشخصية القومية في العمارة العربية المعاصرة فهناك خصوصية وطنية وهو ما قد يتحقق مع فكرة إنشاء المركز القومي للبيئة والمعمار العربي المعاصر. الدكتور يحيي الزيني يأخذنا في هذا الكتاب من فكرة إلي فكرة وهو في النهاية يبحث عن معني تستحق من أجله الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.