تتردد في الاوساط الثقافية حاليا بعض العبارات ذات الدلالات الفضفاضة والمعاني المطاطة.. وتنسحب تلك الدلالات وهذه المعاني علي الاوضاع السياسية والاجتماعية المحلية. البعض مثلا يصف معظم أيادي وزراء حكومة الببلاوي بالايدي المرتعشة.. ويعلقون كل الإخفاقات التي لحقت بالبلاد وأزلت أعناق العباد علي شماعاتهم.. ويطالبون باجراء تغييرات جذرية ان لم تكن كلية فيهم.. ويرفضون استكمال تلك الوزارة لفترتها الانتقالية والتي لاتزيد المدة الباقية منها عن بضعة أشهر.. ولعلي اختلف مع الاخوة الذين ينشدون هذا التحول والتغيير المتسرع.. فالتحديات التي تواجهها حكومة الببلاوي شديدة وعنيفة والانقسامات التي تفشي الشعب المصري عميقة وعتيقة.. والاخطار التي تتعرض لها الامة المصرية متنوعة ومتشعبة. ولا اعتقد أن بمقدور أحد مهما كانت امكاناته ومهاراته وقدراته أن يقضي علي كل العراقيل ويحل كل المشكلات ويجتاز كل العقبات في أشهر قليلة لم تزد عن الثلاثة إلا بأيام قليلة فالوزير أي وزير ليس لديه عصا موسي كي يشق بها البحر فينفلق الي شقين ويخرج من ضفتيه ذهب وياقوت ومرجان ويعبيء الشعب المصري منها ويشيل كما تحكي إحدي الاساطير.. الوزير لأي وزارة يسعي بكل طاقته وجهده لان يعدل المسار ويصحح المدار حتي يتمكن من تسليم وزارته بعد هذه الفترة الانتقالية دون تراجع أو ترد .. ولا يجب ان ننسي ان هناك وزارات حملت أوزارا وأوجاعا وأمراضا متراكمة نتيجة اخفاق قيادات ووزراء تولتها خلال عقود وحقب زمنية طويلة.. فاذا استطاع أي كادر وزاري أن يتصدي للطوفان الهادر الذي يجر وزارته للتقدم للخلف فأننا لابد ان نشد علي يديه ونشيد بجهوده وصدق توجهاته.. ولاشك أن هناك بعض الوزراء تمكنوا من حفر بصمات ناجحة في هذه الفترة الوجيزة حتي لو لم تشفع لهم بصماتهم في استمرارهم لفترة اطول بعد التغيرات التي تفرضها علي المجتمع خارطة الطريق المستقبلية. كما ان هناك البعض الآخر الذي احتل موقعه نتيجة لتوازنات حذبية دفعت به لحمل الحقيبة الوزارية دون احقية علمية أو خبرة ميدانية.. ومع ذلك فإن الحكومة بكاملها ماضية في مسارها باسلوب افضل مما كانت عليه سابقتها خاصة وان سقف المطالب بالحريات قد زاد وحد الرغبة في فرض الديمقراطية قد علا ورفض وتجب الاساليب القمعية والقيود الامنية قد نما.. ومن ثم فان ترديد عبارة القبضة الحديدية الآن يمثل نغمة نشاز ونبرة منفرة لاتجد أي قبول أو استحسان لدي الامة.. فلن تقبل فئات الشعب ما يعرف بالقائد المستبد العادل مهما حظي بشعبية جارفة وجماهيرية جامحة، القائد المطلوب الآن هو الذي يتحلي بالقوة في غير عنف وباللين في غير ضعف.. هو الذي لديه اكبر قدر من المشاركة الوجدانية مع رجل الشارع العادي.. يشعر بآلامه.. ويحس بآماله.. ويسعي لتخفيف العبء عليه.. ويجتهد لتوفير الكرامة له.. ويعمل بكل طاقته لتدبير وتيسير سبل العيش لديه هذا القائد أو الزعيم لا يعيبه أن يكون صاحب خلفية عسكرية.. فالامة تحتاج لقدوة صالحة يجتمع الشعب علي حبه.. ويتفق الجميع علي صدقه.. ويأمن الكل جانبه. مصر في مسيس الحاجة الي شخصية متوازنة لاتحكمها أطماع.. ولاتوجهها اغراض.. ولاتخضع لاتباع.. ولاتركع لاهواء واذا كانت الظروف التي تمر بها الامة حاليا لاتجعلها قادرة علي الفرز والمفاضلة باسلوب شفيف وعفيف فلربما تغيرت الاحوال للافضل بعد ان تستقر البلاد علي اقرار الدستور واختيار مجلس الشعب ووأد الفتن التي تحاك ضد المجتمع المصري ويشارك في تدميرها للاسف الشديد بعض عناصره التي اخضعتهم الاغواءات المادية والاغراءات السلطوية ولايزالون يعيثون فسادا وافسادا في الوطن واضرارا وازلالا للمواطنين.