تعتبر الوزارة أو الحكومة أو ما يطلق عليه الإدارة فى النظم الرئاسية بمثابة السلطة التنفيذية وهى إحدى السلطات الرئيسية فى أى دولة إضافة إلى السلطتين التشريعية والقضائية وهى السلطات التى لا تتواجد أو تستمر الدولة دونها، والوظيفة الأساسية للسلطة التنفيذية، وكما هو واضح من اللفظ والمسمى، هى تنفيذ وتطبيق القوانين والتى يشعر بها المواطن العادى وتنعكس عليه بشكل مباشر سلباً أو إيجاباً، ولذلك فإن تكوين وأداء وسياسات الوزارة تلعب دوراً مهماً فى تحقيق الشرعية للنظام السياسى بأكمله إذا كانت السياسات التى تنفذها تجد التقبل والرضاء من الشعب،بينما على العكس من ذلك إذا كانت السياسات المطبقة والإجراءات التى تتخذها الوزارة تجد ردود فعل سلبية من جانب الشعب وعدم تقبل وتأييد لتلك السياسات وعدم تقبل أشخاص الوزراء فإن ذلك كله يؤدى إلى تراجع شرعية النظام ويترتب عليه توترات سياسية تختلف حدتها من فترة إلى أخرى. وقد ظل المنصب الوزارى فى مصر ولفترة طويلة له احترامه وهيبته ويسعى الكثيرون للوصول إليه ويتنافسون لتحقيق ذلك حتى لو وصل الأمر إلى إطلاق الشائعات المتبادلة بهدف استبعاد البعض وتمهيد الطريق أمام البعض الآخر للوصول إلى المنصب الوزاري، كما اختلفت المصادر والجهات التى يأتى منها الوزراء أو ما يطلق عليه بالمصطلحات السياسية (مصادر التجنيد النخبوى للوزارة) وذلك من فترة زمنية إلى أخرى وإن كانت تدور ووفقاً لاختلاف العهود السياسية التى عرفتها مصر بين الساسة المحترفين ورجال الأحزاب والجيش والجامعة ورجال الأعمال وذوى الخبرة والكفاءة والتخصص ممن يطلق عليهم التكنوقراط. ويلاحظ أنه لفترة زمنية طويلة كانت مشكلة التشكيل الوزارى فى مصر هى الانتقاء من بين كثيرين تتوافر فيهم الشروط اللازمة فى أغلب الأحيان لشغل المنصب الوزارى وتتوافر لديهم الرغبة فى شغل هذا المنصب وهو ما كان يفتح الطريق فى بعض الأحيان للاعتماد على معايير غير موضوعية فى الاختيار مثل الاعتماد على أهل الثقة، أو الاعتماد على العلاقات الشخصية مثل علاقات القرابة والمصاهرة والصداقة والزمالة والدفعة والشلة وغيرها من المعايير الشخصية وإن كان ذلك يتطلب أيضا توافر الحد الأدنى من الخبرة والكفاءة فيمن يتم اختياره لشغل المنصب الوزاري،وفى جميع الأحيان كانت عملية الاختيار تتم من قاعدة واسعة ويتنافس المنتمون إلى هذه القاعدة للوصول إلى المنصب الوزارى بطرق مختلفة مثل محاولة إظهار الولاء المطلق والتأييد الكامل للنظام والإشادة المبالغ فيها بالإنجازات والتهوين والتقليل من السلبيات واستخدام وسائل الإعلام المختلفة لإضفاء البريق على الأشخاص الطامحين للمنصب الوزارى مما أدى إلى ظهور تعبير «عبده مشتاق» للإشارة إلى تلك المجموعة من الأشخاص الذين يتنافسون فيما بينهم وصولا إلى المنصب المرموق. وقد شهدت مصر فى العامين الأخيرين عقب ثورة 25 يناير تغيرا جوهريا فى ملامح هذه الصورة وربما يكون هذا التغير من النقيض إلى النقيض أى العزوف عن المنصب الوزارى وتكرار الاعتذار عن تولى المنصب من عديد من الشخصيات التى يتم ترشحيها لذلك، ويمكن تفسير التردد وعدم الرغبة فى تولى المناصب الوزارية فى الفترة التى أعقبت الثورة بعدة عوامل أهمها:- -عدم الاستقرار على مستوى الوزارة كمؤسسة سياسية، بمعنى أن مصر قد شهدت فى العامين الأخيرين عدة تشكلات وتعديلات وزارية فى فترات زمنية قصيرة مما يجعل من متوسط عمر الوزارة كمؤسسة قرابة خمسة أشهر وهى فترة لا تكون كافية لتحقيق أى إنجاز. - إن الوزارة كمؤسسة والوزراء كأشخاص يعملون فى ظروف بالغة الصعوبة وتحيطهم العديد من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويتوقع منهم الشعب تحقيق الكثير لعلاج هذه التحديات،ونظرا للفجوة الكبيرة بين الطموحات المرتفعة والإنجازات المتواضعة تنشأ حالة من عدم الرضاء عن أداء الوزارة والوزراء يصاحبها سلسلة من التغيرات والتعديلات تزيد من حدة وصعوبة الجو السياسى الذى يعمل فيه الوزير. - الضغط الشعبى المتزايد على من يمارسون العمل التنفيذى سواء من الوزراء أو المحافظين، فقد تكرر حدوث المظاهرات ضد وزراء بعينهم أو ضد المحافظين مما جعل العديد من الصعوبات والتحديات تحيط بالمنصب المرموق وتحيط بمن يتولى المنصب الوزاري. - تحميل الأخطاء أو الفشل أو ضعف الأداء للوزارة أو الحكومة وذلك وفقا للمبدأ السياسى المعروف «حيث توجد السلطة توجد المسئولية» حيث يميل الشعب إلى تحميل الحكومة المسئولية عن الفشل والإخفاق أو عدم الارتقاء بمستوى الأداء. وقد أسهمت هذه العوامل مجتمعة فى إحجام العديد من الأشخاص الذين تتوافر فيهم اعتبارات الخبرة والكفاءة عن تولى المناصب الوزارية حتى لا يتحملون مسئولية فشل قد لا يكونون المتسببين فيه، وأدى ذلك إلى تراجع الصورة الذهنية لما كان يطلق عليه «عبده مشتاق»، لتحل محلها صورة أخرى وهى رفض المنصب الوزارى أو التنفيذى وخصوصا فى حالة الانقسام والاستقطاب السياسى وصراع السلطات التى تشهدها مصر. كما يلاحظ أيضا أن التغير أو التعديل الوزارى لن يحقق آثاره الإيجابية إذا اقتصر على تغيير الأشخاص دون تغيير السياسات، بل يصبح ذلك أقرب إلى المثل العامى الشهير «أحمد زى الحاج أحمد» وهو المثل الذى يطلق للدلالة على أن تغييراً معيناً لم يترتب عليه أى آثار إيجابية جديدة، ولذلك فالمطلوب لإنجاح عمل الوزارة أن تكون هناك دراسة موضوعية وواضحة للسلبيات التى ينطوى عليها الأداء، وكيفية التخلص من هذه السلبيات وادخال التجديد على السياسات المتبعة وبحيث تكون هذه السياسات أكثر تجاوبا مع المطالب الشعبية وأن تكون الإنجازات ملموسة وحقيقية ويشعر بها الشعب فى حياته اليومية، وألا تكون الإنجازات افتراضية أو وهمية على نحو ما كان يحدث فى النظام السابق، فالمطلوب دائما أن نستفيد من أخطاء الماضى وألا نكررها فى المستقبل بل نعمل على تلافيها، وأن يمتد التغير إلى السياسات المطبقة وألا يقتصر على الأشخاص حتى لا يكون أحمد زى الحاج أحمد وألا تكون الوزارة الحالية مثل السابقة. أستاذ العلوم السياسية