يبدو كأننا تفاوضنا علي ألاّ نتفاوض، واتفقنا علي ألاّ نتفق.. فإما إلي أقصي اليمين أو أقصي اليسار، ولا مكان بيننا للحلول الوسط.. كلنا يبغي كل شيء أولا يكون هناك شيء.. نلعب لعبة خطورتها قد تودي ببلد لا نستحقه، لأننا لا نقوم بما يستحقه علينا.. فلماذا نركب رؤوسنا ولا ننظر إلي مصلحة وطننا.. كان هذا هو مضمون الحوار مع أستاذ العلوم السياسية وعلم التفاوض د. حسن وجيه الذي أوضح ل (الأخبار) أننا نلعب الآن مباراة صفرية يريد أن يحصل طرفاها علي كل المكاسب بحيث يقضي كل طرف علي الطرف الآخر بلمس الأكتاف، مؤكدًا أن أسباب فشل الإخوان متعددة، أهمها تردي الوضع الاقتصادي والأمني، وأن الثورة تم استغلالها من عناصر الإخوان، رافضًا في الوقت نفسه القول أن هناك فارقًا بين مبارك ومرسي.. فهما عنده شيء واحد.. وحدد عدة شروط يجب أن تتوافر في الرئيس القادم سواء كان ذا خلفية عسكرية أو لا، مؤكدًا في الوقت نفسه أن معظم هذه الشروط تتوافر في الفريق أول عبدالفتاح السيسي..وإلي تفاصيل هذا الحوار: بداية أسألك لماذا تفشل كل محاولات التفاوض في الشارع السياسي بين الأطراف السياسية؟ لأننا اعتمدنا علي تاريخ طويل من المباريات الصفرية؛ والتفاوض عمومًا ينقسم إلي مباراة صفرية وأخري غير صفرية، والمباراة الصفرية هي أن يكسب طرف كل شيء ويخسر الطرف الآخر كل شيء، فإما أنا أو أنت، أي لابد أن أجعلك تخسر بلمس الأكتاف.. وللمباراة الصفرية إبداعات من حيث الغش وحروب المعلومات وقتل الشخصية، وغيرها؛ وهي شائعة علي مستوي العالم وليس عندنا فقط، وهذا أمر سهل ولا تحتاج إلي مستوي ذكاء كبير، ولكي نصنع مفاوضاً يستطيع أن يبني بلداً يحتاج إلي لعب مباراة يكسب بها الجميع أو لديه أكثر من زاوية للموقف يستطيع المفاوض أن يلعب بها، وفي حدود السيناريوهات التي يملكها والتي يملكها الطرف الآخر حتي لا تصبح المباراة ضيقة مثلما يحدث الآن، فنحن نتحدث عن خريطة الطريق ولا ننتبه إلي السيناريوهات الأخري التي تلعب ضدنا. إرهاب فكري وكيف نطبق تلك الرؤية علي أهم المواقف الحالية كوضع الدستور مثلاً؟ أطبق هذه الرؤية العلمية علي الدستور بأن يكون دستوراً مؤقتاً وسريعاً ويصبح عليه توافق مجتمعي، وأن أتنبه لسيناريوهات الإخوان التي تدعو إلي تسميم الأجواء منذ الآن لرفض الدستور؛ وعلي الطرف الآخر نجد ندوات تطالب باللعب في أسس الهوية الرئيسية للدولة، وبالطبع هناك فارق بين تغيير الهوية واللعب فيها.. فإذا كان لدينا متطرفون تحولوا إلي إرهابيين، فكذلك لدينا أيضاً إرهاب فكري علي الجانب الآخر من بعض العلمانيين الذين يطالبون بإلغاء الهوية الإسلامية تماماً التي كانت سيدة الدنيا لأكثر من ثمانمائة عام وكان الغرب يفتخرون بأنهم خريجو جامعة قرطبة أو بغداد أو الأزهر، حتي أن كاتبة أمريكية وصفت القوات التي احتلت بغداد بالجهلاء لأنهم قصفوا دار الحكمة التي تخرج فيها الخوارزمي.. ولذلك سيفشل كل من يلعب في أسس الهوية، قد تضيف إليها أو تغير فيها ولكننا لا نستطيع أن نلغي الهوية الإسلامية لمجرد وجود متطرفين إسلاميين؛ خاصة أن هذه الأفكار ستكون معينا للخارج حتي يضع العصا في العجلة، ويضيع وقتنا. هل تري أن فشل الإخوان المسلمين في إدارة البلاد يرجع في الأساس إلي تجاهلهم فكرة التفاوض والحوار مع المعارضين لهم؟ أسباب فشل الإخوان متعددة، أهمها تردي الوضع الاقتصادي والأمني بل وأي رئيس يأتي ولم يصلح هذين العاملين المهمين سيثور الناس في وجهه، لأن هذا ما تحتاجه مصر بصورة ملحة؛ كما أن مطالب ثورة يناير كان النمو الاقتصادي، وأتعجب كثيراً حين أسمع الآن أن هناك أناسا لا يعترفون بثورة يناير ويريدون عودة النظام الأسبق.. صحيح أن الثورة تم استغلالها من عناصر خارجية، كما ركبت موجتها التنظيمات الإخوانية، ورغم ذلك فإننا جميعاً كنا مؤمنين في السنوات العشر الأخيرة لحكم مبارك أننا يجب أن نكون سنغافورة أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو اليابان، خاصة أن هذه الدول قد تعلمت منا، وكنا وقتها نملك الاستقرار.. لذلك أرفض تماماً الرغبة التي تنادي بعودة حكم مبارك، لأن مبارك ومرسي شيء واحد. ولكن الإخوان يدُّعون أنهم كانوا الفصيل الأكبر في ثورة يناير ولذلك فإن لهم مؤيدين كثيرين في الشارع ولا يصح المقارنة بين مرسي ومبارك.. بماذا تعلق علي هذا؟ الإخوان المسلمون لا شأن لهم بثورة يناير، ولذلك فشلوا، ولأنهم لو كان لهم علاقة بالثورة لعرفوا الجوهر الحقيقي لهم، وما قاموا بتكسير سيارات المطافيء وأقسام الشرطة وحرق البلد.. هذه ليست ثورة وإنما فوضي، ومن قام بالثورة هو الشعب المصري الذي لا تزال مطالبه عن العيش والحرية والعدالة الإنسانية كما هي، إنما من قاموا بهدم مؤسسات الدولة من الإخوان المسلمين فلا يجرؤ واحد منهم أن يدّعي الثورية، وعليهم أن يستمعوا إلي التصريحات السابقة للمرشد حين قال إن مبارك هو أبونا، ووافق علي التوريث، ولم يشترك في الثورة إلاّ بعد أن جاءته التوجيهات الخارجية، وقد أخطأنا حين انتخبنا هؤلاء، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه، ولأن الإخوان يقومون علي فكرة الدولة العميقة، وكان لهم تواطؤ رهيب مع نظام مبارك حيث كان يستخدمهم سياسيًّا. تمخض الجبل! لماذا لم يستغل الإخوان تعاطف الشعب معهم لتحقيق نهضة تنموية حقيقية؟ الشعب بالفعل تعاطف معهم وقال عفا الله عما سلف وانتخبهم بعدما حدثوه عن نهضة اقتصادية بل ووقفت جبهة الإنقاذ موقفاً تاريخياً مع مرسي وأعطوه فرصة لن تتكرر، وعلينا ألا ننسي هذه اللحظة التاريخية، ثم ماذا وجدنا منه بعد ذلك.. تمخض الجبل فولد فاراً، بل وفاراً أجرب، حيث لم يتحقق شيء مما وعد به، بل وتولي رجال أعماله الإخوان نفس لعبة رجال أعمال مبارك وافتتحوا سلاسل سوبر ماركت وبدأوا البحث عن المصالح الاقتصادية الخاصة، والأسوأ أنهم صبغوا كل ذلك بالصبغة الدينية، وكانت هذه الكارثة، ثم اصطدم بكل مؤسسات الدولة بلا استثناء حتي القضاء الذي وقف بجواره في عام 2005 ولا شك أن كل مؤسسات الدولة، الجامعة والقضاء والدولة والمؤسسات الحكومية.. تحتاج إلي إصلاحات جوهرية، وهذا معلوم، لكنّ ذلك لا يعني هدم هذه المؤسسات.. والخطورة الحقيقية أننا رأينا محاولات لوجود هيئات موازية لمؤسسات الدولة.. ومن يقرأ كتاب الكاتب الأمريكي فريدمان عن العالم بعد مائة عام يدرك أن مصر وتركيا والمكسيك هي الدول التي يجب أن تخشي منها أمريكا وعليها أن تعبث في الطبيعة الشعبية حتي تظل هذه الدول تابعة للولايات المتحدة إلي الأبد، لأن هذه الدول قابلة لتصبح امبراطوريات. هل يعني هذا أن الإرهاب الموجود الآن له علاقة بالولايات المتحدة؟ عليك أن تنظر كيف يتم اللعب في الجنوب ببناء سد النهضة في إثيوبيا ليسبب لك مشكلة مائية، ثم يضع لك إرهابيين في سيناء، وإرهابيين في ليبيا، بل ويقوم بإعداد إثيوبيا لتكون هي المركز الرئيسي لقارة أفريقيا بدلاً من مصر، وزرع الإرهاب في مصر كان الخطوة الأولي لتحقيق ذلك؛ ومن هنا جاءت دعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي لمحاربة الإرهاب لأن الإرهاب يريد تطويع الجيش لأهدافه بحيث يحمي الاتفاقيات الجديدة التي أبرمها الإخوان وإلاّ تفكيك الجيش وتحويله إلي ميليشيات.. وهذه الخطة وقف لها الفريق أول السيسي بالمرصاد ودافع عن مصر، رغم المحاولات الحالية لاستهلاك الجيش وجره إلي الصراع مع أنصار المعزول، والمشكلة أن الناس لا تزال غير منتبهة لذلك، ويعتقدون أن الإخوان يدافعون عن الهوية العربية والإسلامية! هل تعتقد أن القرارات الأخيرة للولايات المتحدة بتجميد دفعات المعونات العسكرية إلي مصر كشفت عن هذه المخططات الإخوانية؟ لا شك أن الإعلام المصري لا يصل إلي الآخرين بشكل كامل، فنحن نخاطب أنفسنا معظم الوقت، وعلي العكس من ذلك نجد الإخوان يملكون ميلشيات في الغرب ولدت هناك وتعرف كيف تخاطب الإعلام الغربي وتبث سمومها فيه.. والسؤال الآن أين الطاقة التي تملكها مصر؟ ورغم ذلك أقول إن ثورة 30 يونيو نجحت في أن تضع نظاماً عربيًّا جديدًا فنجد أن دول الخليج مع مصر يقفون جنباً إلي جنب ضد مخططات معروفة جداًّ، والمفروض أن يتم التوسع في هذا التحالف حتي الجزائر. الحسم الأمني لماذا يرفض الإخوان كل المبادرات المطروحة للتصالح معهم ونبذ العنف والرضا برغبة الشعب المصري؟ لابد أن تتبني مؤسسات الدولة الفكرة عن طريق الحسم الأمني، ومعاقبة المجرم والمخطئ وكل من تلوثت يده بالدماء والذي يهددني و يلغي نصر أكتوبر ويضرب بكل القيم عرض الحائط.. هذه النماذج تحتاج إلي وقفة قوية، ومن حق الدولة أن تقف علي قدميها وتتصدي لهذه النماذج المتطرفة.. وفي الوقت نفسه نفتح الباب لتكون هناك مصالحة، بدلاً مما نراه الآن من بعض الكتاب الذين يعيبون فكرة المصالحة من الأساس؛ فنحن نحتاج إلي المصالحة بالمفهوم الأكبر مع كثير من الشباب الذي يعاني القلق من اليمين والشمال، هذا الشباب لابد أن يطمئن حتي لا يرفض مؤسسات الدولة ويلجأ إلي الجانب المتطرف. ولكن ألا تري أن الحل الأمني قد يعيد هذه الجماعات للعمل السري مرة أخري، ومن ثم مزيداً من الاغتيالات والتفجيرات؟ المصالحة لا تكون مع من تلوثت يده بالدماء وأجرم في حق البلد.. المصالحة تكون لتفكيك الكتلة التي تنمو حتي لا تذهب في الاتجاه الخاطئ، المصالحة مع الشباب، مصالحة مع النفس بحيث يكون لدينا احتواء لكل من أراد التراجع عن طريق العنف.. لأن الرسول صلي الله علية وسلم كان يفتح الباب للتراجع مع كل حسمه وعزمه.. والقائد الجيد يستطيع أن يفعل الاثنين معاً، وصحيح أن المصالحة شائكة وصعبة ولكنك ستجد علي الجانب الآخر من هم أكثر صعوبة في الاستئصال لأنا نتحدث عن عدد كبير، مع العلم أن تغيير الفكر يحتاج إلي وقت، المهم أن يكون لدينا من يعمل بالفعل علي هذا.. وفي المقابل علي المتطرفين العلمانيين أن يكفوا عن فكرة استئصال الشأفة، لأنهم بهذا يهدمون ما قامت من أجله ثورة يناير وعندما وجد الشعب أن الإخوان يخربون البلد قامت ثورة 30 يونيو، والشعب المصري الآن في حالة ثورة ولابد أن يتم حل مشكلاته الأمنية والاقتصادية. انقلاب إخواني وكيف نطبق علم التفاوض في الوقت الذي يدّعي فيه الإخوان أن معهم الشرعية؟ هذه النقطة بالفعل إحدي المشكلات التي تحتاج إلي تفكيك حيث يحصرون الشرعية فيهم وينادون الآخرين بالانقلابين؛ والتحدث عن قضية الشرعية يحيلنا إلي فكرة المظلومية التي يجيدها الإخوان لجذب تعاطف الناس، في الوقت الذي هم أول من قوضّ أصول الشرعية وقام بالانقلاب أولاً، وأضرب لذلك مثلاً: نحن نصدر البطاطس إلي الاتحاد الاوربي بشروط معينة مكتوبة في عقود، فإذا اختل شرط تصبح درجة قبول العقد أدني، أي يكون قابلاً للفسخ، وإذا لم يقم الطرف الآخر بإصلاح الخلل، وقتها من الممكن فسخ العقد.. ونفس الشيء بالنسبة للإخوان المسلمين كتب الشعب معهم عقداً لتحقيق أشياء معينة، وقام الرئيس المعزول بعمل أشياء كثيرة مضادة تفسخ العقد، من إعلانات دستورية إلي قتل متظاهرين إلي عدم الاستجابة إلي المؤسسات، إلي الإفراج عن الإرهابيين، وقبل عزله بستة أشهر حاول الشعب إعادة العقد مع مرسي بأن يستجيب لمطالب الناس، ولكنه أصر علي فسخ العقد بأدائه، فهو إذن من انقلب علي العقد وعلي الشرعية، فالإخوان يعتمدون علي أربعة أشياء تحدث عنها سيد قطب هي العزلة الشعورية والحاكمية والجاهلية والاستعلاء بالدين. شروط رئاسية هل تعتقد أن الفترة الانتقالية التي تعيشها مصر تحتاج إلي رئيس ذي خلفية عسكرية لضبط إيقاع الحياة السياسية؟ هذه هي قضية الساعة، ورأيي أنه لا يهم إن كان عسكريًّا أو غير عسكري، وإنما المهم أن تتوافر فيه عدة شروط، أهمها أن يكون رئيسًا ذا فكر استراتيجي، وحسم، وله قبول شعبي، وأن يكون وقت الرئاسة مدنيًّا، محبًّا لبلده، ولا توجد لديه أي انتماءات دينية بالمعني المتعصب، لأننا صُدمنا صدمة عنيفة في الرئيس المعزول.. إضافة إلي قدرته علي تشغيل نظام كامل، ويكون قد قدّم شيئًا إيجابيًّا لبلده.. هذه هي أهم الشروط التي أتمني أن تتوافر وتنطبق في شخص يختاره الشعب المصري، وليس شرطًا أن يكون عسكريًّا أو غير عسكري، ولدينا ديجول في فرنسا وهو عسكري انطبقت عليه هذه الشروط، فكان رئيسًا ناجحًا علي المستوي السياسي والإنساني معًا. بصراحة.. هل تري أن هذه الشروط تنطبق علي الفريق أول عبدالفتاح السيسي، خاصة بعد تزايد المطالبات الشعبية بترشحه للانتخابات الرئاسية؟ إلي الآن معظمها بالفعل ينطبق عليه.. ولابد أن نًدرك أن الثقافة السياسية للشعب المصري تحتاج دائمًا إلي قائد يستطيع أن يواجه الأزمات.. وكانت مشكلة الرئيس المعزول أنه لم يستطع إدارة الأزمات.. 0 وبالتالي لا نجد علي الساحة الآن من تتوافر فيه غالبية هذه الشروط سوي الفريق أول السيسي.. صحيح أنه كانت هناك بعض الأخطاء في ثورة 30 يونيو وتحتاج إلي تحقيق، خاصة قضايا الدماء، وصحيح أيضًا أن الإخوان يجرّون أتباعهم جرًّا إلي الدماء لمجرد إدانة الطرف الآخر..ولكن الفريق أول السيسي حقق مغامرة بجرأة كبيرة للحفاظ علي ثورة 30 يونيو، ولذلك فعلاقة الجيش المصري بالشعب ذات خصوصية شديدة، ولا مثيل لها في أي جيش آخر في العالم.. وبالتالي كان للفريق أول السيسي فضل كبير عندما أنقذ ثورة 30 يونيو واستجاب لرغبات الشعب.. وعلي الرغم من ذلك فإنني أعتقد أن الرجل بداخله فكرة سوار الذهب وأنه لا يريد أن يكون رئيسًا للجمهورية.. وعلي كل حال فإذا أراد الشعب السيسي، مثلما يحدث الآن، فليكن.. خاصة أنه قد توافرت فيه أغلب الشروط السابقة.. فليست هذه هي القضية، ولكنها أن البلد بحاجة إلي من يتحرك به في الاتجاه الصحيح.