ويرجع السبب الرئيسي في الأزمة المالية التي عاشتها الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا إلي إسراف أمريكا في النفقات بما يزيد كثيراً من إيراداتها، وعانت الموازنة العامة الأمريكية من عجز مستدام منذ سنوات طويلة، كما أن إنتاجها يقصر عن احتياجاتها، مما أدي إلي وجود عجز مزمن في ميزان مدفوعاتها، أدي إلي تفاقم مشكلة المديونية، وأصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية أكبر مدين في العالم. وكان أحد الأسباب التي أدت إلي ذلك كثرة الحروب التي خاضتها في فيتنام وأفغانستان والصومال والعراق وغيرها، وعلي الرغم من أن الحروب والإنفاق العسكري يؤدي إلي تنشيط الاقتصاد في الفترة القصيرة، إلا أنه يستهلك الكثير من الموارد، ويحد من قدرة الاقتصاد علي النماء، وزيادة الطاقات الإنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات علي المدي الطويل، ومن السياسات الخاطئة أيضاً، تقديم الدعم للمنتجين خاصة الزراعيين كي يتوقفوا عن الإنتاج، مما يعني زيادة النفقات بدون أن يناظرها معروض من السلع، ومن ثم تنخفض نسبة الادخار من الناتج المحلي الإجمالي، التي تدنت إلي نحو 51٪، وهذا يعني عدم زيادة الطاقات الإنتاجية وعدم التوسع في مجالات الإنتاج المختلفة، وظهر ذلك في بعض التدهور في البنية الأساسية، مثل الطرق، كما انخفض مستوي التعليم عن كثير من البلاد ومن بينها كوريا الجنوبية، وهذا جعل إنتاجية أمريكا أقل من اليابان وألمانيا. إذن نحن أمام حالة تقليدية من حالات الإفلاس الدولي، وهي خلل داخلي أي عجز الموازنة العامة للدولة وخلل خارجي أي عجز ميزان المدفوعات فهل سوف يعلن إفلاس أمريكا الآن؟ لا أعتقد أن هذا سوف يتم الآن، والسبب العاجل للأزمة هو الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأتوقع والله أعلم أنهما سوف يتفقان علي حل وسط، يرفع سقف مديونية الحكومة بما يمكنها من تشغيل الجهات الحكومية المتوقفة وسداد التزامات مديونياتها الخارجية.. والسؤال الافتراضي، ماذا لو لم تسدد أمريكا مديونياتها وأعلن عن إفلاسها؟ سوف يلحق الضرر الجسيم بالاقتصاد العالمي أجمع، فسوف تفقد أمريكا الثقة في اقتصادها، مما يدفع العالم إلي البحث عن عملة احتياطي أخري، ووسيلة دفع للمعاملات الدولية غير الدولار، وسوف يقل طلب أمريكا علي كثير من السلع المصنعة حول العالم، مما يقلل من وارداتها ومن ثم تقل صادرات دول العالم أجمع، وعلي رأسها الصين، كما أنه لو حدث هذا فسوف تفقد دول العالم التي تحتفظ باحتياطياتها الدولية في أوذون خزانة أمريكية جزءاً كبيراً من أصولها، وعلي رأس هذه الدول الصين وكثير من الدول النامية والمتقدمة، وباختصار، سوف يسود العالم أجمع كساد عظيم، يفوق في آثاره الكساد الذي ضرب العالم في الفترة 9291 3391، ومن ثم لا أعتقد أنه من مصلحة أمريكا أو بقية العالم أن يحدث هذا الإفلاس، وكما قلت أتوقع الاتفاق بين الحزبين، والخروج من هذه الأزمة.. وإذا حدث الاتفاق وفرجت الأزمة، فهل تخرج منها أمريكا بدون أضرار؟ والإجابة عن ذلك هي بالنفي!.. إذ إن ما يحدث حالياً، وبعض أحداث الماضي، مثل الأزمة التمويلية الكبري 7002 9002 ، قد زعزعت الثقة بالدولار كعملة احتياط دولية، ووسيلة لسداد المدفوعات الدولية من صادرات وواردات، ومن ثم نتوقع مزيداً من الضعف في الدولار مقابل اليورو واليوان الصيني، كما نتوقع انحسار دور أمريكا في الاقتصاد الدولي ما لم تطبق حزمة من الإجراءات التي تمت مطالبتها بها منذ زمن طويل، وعلي رأس هذه الحزمة ما يلي: تخفيض عجز الموازنة العامة إلي ما يقترب من الصفر في زمن وجيز. وكي يتم ذلك عليها أن تتخلي عن التدخل العسكري في الدول الأخري، وتحجيم الإنفاق العسكري من أجل رفع الطاقات الإنتاجية المدنية. العمل علي رفع الإنتاجية في مختلف قطاعات الإنتاج بالعناية بإصلاح نظام التعليم وزيادة الإنفاق علي الابتكار والبحوث والتطوير. العناية برفع نسبة الادخار إلي الناتج المحلي الإجمالي، ودعوة الأمريكيين إلي التوقف عن العيش علي الديون سواء بالنسبة للمنازل أو شراء السيارات والثلاجات وغيرها من السلع المعمرة. العمل علي خفض عجز ميزان المدفوعات ومحاولة تحقيق فائض فيه حتي تتمكن من سداد دينها الخارجي الكبير وخدمة الأقساط والفوائد المستحقة علي هذا الدين. إن مثل هذه البرامج من الإصلاح، كان من المفروض أن يحتمه صندوق النقد الدولي علي أمريكا، ولكنه لا يملك أدوات الضغط التي تستخدمها مقابل الدول النامية، غير أن مصلحة أمريكا نفسها والعالم أن تسرع في تنفيذ مثل هذا البرنامج الشامل، فهل هي فاعلة؟