»هناك مساع حثيثة لهدم سوريا وتدميرها والقضاء علي جيشها في إطار مخطط مسموم للمنطقة كلها« ما أشبة اليوم بالبارحة،..، هذا ما طاف بذهني مع ومضة الانتباهة الأولي، في لحظات اليقظة المبكرة، كما هي العادة، في السادسة من الصباح أو قبلها قليلا، والتي اصبحت لازمة مصاحبة لي في الحل والترحال، داخل وخارج البلاد وفي أي موضع أو مكان،..، وفرضت نفسها كواقع سواء أويت الي الفراش قبل منتصف الليل بقليل أو بعده بكثير، وسواء غمضت العين بسرعة وأرخت علينا سكينة النوم ستائرها في لحظة، وغفا العقل الواعي أو هاجر منتقلا الي عوالم اخري غير مدركة في محسوس الاشياء وظاهرها، ولكنها موجودة وقائمة ومدركة في تلك العوالم التي نلج اليها بعد فترة وجيزة من الاستسلام لراحة البدن بالنوم. وهي واقع ايضا حتي لو اصابني السهاد وعز العثور علي الطريق لراحة البدن واغفاءه العقل، وطال البحث عنهما دون جدوي في ظل ما يزدحم به الرأس من احداث ووقائع، تتري وتتوالي امامنا وحولنا في كل مكان، وتهب علينا من كل حدب وصوب بما تحمله في طياتها من قدر هائل من التوتر والقلق والترويع. ورغم كثرة وتعدد الوقائع والأحداث يبقي أكثرها اثارة للقلق والإزعاج والترويع، هو ما يتناثر حولنا من انباء بخصوص تطورات عملية الحشد الامريكية الجارية استعدادا للضربة أو الغارة التي يتم التحضير لشنها علي سوريا خلال الايام القليلة القادمة، وفقا لما اعلنه الرئيس الامريكي أوباما، ووصفها بالعقاب المحدود للرئيس السوري بشار، علي ما قام به من استخدام للاسلحة الكيماوية ضد شعبه، وردعا لغيره لمنعهم من التفكير في فعل مشابه. عقاب بشار هذه الانباء بالذات هي الأكثر إثارة للقلق والتوتر، نظرا لما تحمله في طياتها من قدر كبير من الالتواء وعدم الشفافية، والتمويه المقصود بل والخداع ايضا،..، حيث ان الظاهر علي السطح طبقا لما هو معلن علي لسان الرئيس الامريكي وجميع اعضاء ادارته، ان الضربة الامريكية القادمة تأتي عقابا لبشار علي الجرم الذي ارتكبه باستخدام الاسلحة الكيماوية- غاز السارين السام، في قتل ما يزيد علي الف وخمسمائة مواطن سوري،..، وهذه جريمة بشعة بكل المقاييس ان صحت وثبت انه قام بها بالفعل،..، وإن صحت ، وصدق أوباما في قوله وفي انفعاله تجاه ما حدث، نكون امام جريمة بشعة، ونكون ايضا أمام انفعال انساني وأخلاقي من جانب الرئيس الامريكي أوباما الذي تحرك ضميره رافضا وغاضبا ومتألما من الجرم الشنيع الذي ارتكبه بشار ضد شعبه،..، وان صح ذلك الذي يقوله أوباما فإنه يستحق منا ومن غيرنا كل تقدير واحترام علي مشاعره الانسانية الفياضة وقيمه الاخلاقية النبيلة. وأقول ان صح ذلك، لسبب بسيط وهو ان هناك من الأسباب والدواعي الكثير مما يدفعنا دفعا للشك في هذا الذي يقوله الرئيس الامريكي، ورغم احترامنا لشخصيه كرئيس للولايات المتحدة، إلا ان هناك رئيسا امريكيا آخر سبق ان تحدث كثيرا عن المشاعر الانسانية الفياضة، والقيم الاخلافية النبيلة،..، وأكد لنا وللعالم كله، ولشعبه الامريكي ايضا، ان هذه المشاعر وتلك القيم هي التي تدفعه دفعا لتأديب رئيس عربي اخر، وضربه ومهاجمة دولته لانقاذ العالم من جنون هذا الرئيس، الذي يريد ان يستخدم اسلحة الدمار الشامل ضد العالم كله،..، ثم اذا بالعالم كله يكتشف كذب الرئيس الامريكي، ولكن بعد فوات الاوان، وبعد ان وقعت الواقعة،..، فهل نحن الآن امام تكرار لما سبق ينطبق عليه القول ما اشبه اليوم بالبارحة؟!. رئيس كاذب ونحن بالقطع لا نريد ولا نحب ان نصف أو نصم الرئيس أوباما بالكذب والخداع مثلما كذب من قبله الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، وخدع العالم كله عندما ادعي ان صدام حسين يملك من أسلحة الدمار الشامل، كما هائلا وقدرا كبيرا يتيح له تهديد كل دول الجوار، وغيرها من دول العالم بالدمار، وانه من اجل ذلك يري من واجبه ومسئولياته كرئيس للقوة الاعظم، التي هي الولاياتالمتحدة، ضرورة توجيه ضربة قوية استباقية للعراق، حتي يتمكن من السيطرة علي صدام حسين، وإنقاذ العالم من شروره، وتنظيف العراق من اسلحة الدمار قبل ان يستخدمها صدام. ولكننا رغم ذلك لا يصح ولا يجب ان ننسي ما فات وأن نتجاهل ما جري لنا من الأمريكان في الماضي القريب، وفي مثل هذه الأيام منذ عشر سنوات تقريبا حيث خرج علينا الرئيس الأمريكي السابق قبل أوباما ليطلق أكثر الاكاذيب السياسية دويا علي الاطلاق بقوله وتأكيده ان العراق يمتلك ترسانة كاملة من اسلحة الدمار الشامل نووية، وكيماوية، وبيولوجية، أي ان صدام حسين يتحكم في ترسانة ثلاثية الأبعاد للدمار الشامل، وهو ما يجب الخلاص منه لإنقاذ المنطقة والعالم. وبالقطع لا يستطيع احد منا ان ينسي حتي ولو أراد، ذلك الالحاح الشديد من الرئيس بوش وإدارته، علي تحذير كل سكان ودول وشعوب الشرق الاوسط من الخطر العراقي الماحق، الذي يهدد المنطقة كلها من منظومة اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين وجيشه،..، وفي ذلك الحين لم يتوقف الامر عند ذلك، ولم تقتصر تحذيرات بوش الطيب علي منطقتنا فقط، بل امتدت الي أوروبا وآسيا وبقية اجزاء العالم، وكلها تحمل معني واحدا وهو الحرص الامريكي الشديد، علي ضمان سلامة وأمن الدول والانسانية بعيدا عن اخطار وتهديدات اسلحة صدام حسين للدمار الشامل. وصدقنا نحن العرب ما يقوله الرئيس الامريكي، وصدق العالم ايضا ما يؤكده الرئيس الامريكي، رغم انه كان يكذب علينا ويخدعنا نحن والعالم. لدغة ثانية من اجل ذلك كله نخشي ان نلدغ من الجحر مرتين،..، ومن اجل هذه الخشية نجد انفسنا مضطرين للعودة للوراء قليلا، والبحث عن تلك الوقائع التي جرت منذ عشر سنوات والتي سبقت ومهدت للغزو الامريكي للعراق ثم احتلاله بعد ذلك. وخلال هذه البحث نجد ان الرئيس الامريكي في ذلك الوقت بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد، ومستشارته للامن القومي كوندوليزا رايس، التي اصبحت بعد ذلك وزيرة للخارجية، ومعهم وزير الخارجية كولين باول، يعزفون سيمفونية التحذير من الخطر العراقي الذي يهدد العالم، جراء اسلحة الدمار الشامل التي في حوزة صدام حسين، ويؤكدون ان الحل في ضرب العراق وإزالة الخطر، وتراهم يستخدمون ذات الحجة التي يستخدمها أوباما اليوم ايضا، وهي خطر تسرب اسلحة الدمار الشامل الي يد عصابات الإرهاب، وهو ما يعطي اشارة واضحة بالشبه والتماثل بين ما جري للعراق منذ عشر سنوات، وما يجري الاعداد له لسوريا الان. وقد يكون من المهم ان نقول بوضوح، اننا لا ندافع في هذا الذي نكتبه عن بشار الاسد، فهذا ليس واردا أو مطروحا علي الاطلاق، ونحن ايضا لا نتعاطف معه في موقفه البائس، بل علي العكس نحن مدركون انه بحمقه وخطاياه وتسلطه علي شعبه، هو الذي وصل بسوريا الي ما هي فيه الان من تمزق ودمار،..، ولكننا نقول ما نقول، ونكتب ما نكتب، دفاعا عن سوريا وشعبها في مواجهة مؤامرة الدمار والخراب والتفكيك التي يتعرضون لها منذ عامين وحتي الان، وسط عجز عربي عن التدخل للانقاذ، أو محاولة للتصدي. مصر وسوريا ولعلي لست في حاجة الي القول بأن لدينا نحن المصريين مشاعر خاصة تجاه سوريا، واننا جميعا ينتابنا حزن كبير والم شديد جراء ما يجري هناك من عنف ودمار، وما يتعرض له شعبها من قتل وذبح وترويع وتهجير. ودائما كان لسوريا في وجدان المصريين وضع خاص، ومنفرد، ولها في قلوبنا مكان متميز ومكانة عالية رفيعة ليست وليدة اليوم، أو الامس القريب، بل هي ضارية في عمق الزمن وعلي مر العصور، وتعاقب الاجيال. ومنذ هذا التاريخ وحتي اليوم، كان التمازج والتضامن الحي والايجابي بين الشعبين المصري والسوري قائما وماثلا بصورة متميزة وفريدة، في كل المواقف والاحداث والقضايا والتحديات التي واجهت الامة العربية والاسلامية علي اتساعها وعمقها بطول التاريخ وعرضه، في ظل فترات التوهج والاستنارة طوال عهود الصعود والمد الحضاري الاسلامي في ظل الأمويين والعباسيين وايضا الفاطميين،..، كما كان واضحا وقائما وفاعلا في مواجهة كافة المحن التي حلت بالامة الاسلامية والعربية علي يد المغول والتتار ثم الصليبيين،..، وصولا الي العدوان الثلاثي علي مصر في 6591 ثم حرب اكتوبر المجيدة. من اجل ذلك كله.. وغيره كثير نقول ان لسوريا عند مصر وشعبها وقعا ومكانا خاصا، ومكانه متفردة تدفعنا للوقوف معها في محنتها، في ظل الظروف حالكة السواء التي تحيط بها، وفي ظل ما نراه واضحا وبارزا من مساع حثيثة للوصول بها الي موارد التهلكة، والتفكك، والضياع، وهدم وتدمير كيان الدولة والقضاء علي جيشها ووحدة شعبها في اطار مخطط مسموم للمنطقة كلها بدأ بالعراق،..، ثم وصل الي سوريا، بعد ان انتهي من ليبيا وغيرها،..، وعينه علي ما بعدها.