قالوا في الامثال ان في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، وحتي لا يجرفنا الزهو والانبهار بثورة، نبعت من اعماق شعب نفد صبره، وخابت اماله، فتفجرت من داخله ينابيع العصف ببراعم الهوان والقهقري قبل ان تضرب بجذورها في ارض، تخيلها الباغون انها حقول رخوه، فاذا بها صخور لا تنمو فيها البذور السامة، او فسائل ثمارها الاشواك، او نقيلة غريبة لفظها جسم الوطن لغرابتها عليه. فبعد انقضاء تلك الحقبة التعيسة من تاريخ البلاد، التي لم ينصلح فيها شيئ من اسباب قيام ثورة 25 يناير، بل وذهبت الي تعميق تلك الاسباب، علينا الا نتسرع في صنع المستقبل متمسكين بعراقتنا، وبتعاليم معاهدنا الدينية والتعليمية، حتي نتجنب تكرار تلك الصورة المقيتة التي غلبت عليها مظاهر اليأس والاحباط، وحتي لا نرتكب هفوات، مهما صغيرت، سوف تفسد علينا تصحيح المسار، وتضيع نوايانا الحسنة ورقي اخلاقياتنا. وللحق نقول، بأنه لم يكن من الاسراع في شيء اذا اتبعنا اسلوباً دستورياً سليماً، وهو اسناد منصب رئاسة الجمهورية الي رئيس المحكمة الدستورية العليا فلا خلاف علي تلك الخطوة الضرورية في دولة عريقة درجت علي اتباع الدستورية الصحيحة.. كما لم يكن من الاسراع في شيء ان يعين رئيس الدولة رئيسا للوزراء، ليشكل حكومة تدير شئون البلاد، التي كادت ان تنهار لاسباب مختلفة، بعد ان قام الشعب والجيش بازالتها واسقطت شرعية الحكم السابق بأكمله.. وليس من الخطأ في شيء ان يجتهد رئيس الوزراء في تشكيل وزارة مثالية بكامل عددها، وبدون تعديل يذكر، ربما لاظهار الامة بانها تفيض بالكفاءات التي تستطيع ان تتحمل مسئولية ادارة البلاد. غير انه ليس من الحكمة في شيء ان نتعجل في اصدار اعلان دستوري لا يستند الي الاسلوب الواجب اتباعه، وهو تشكيل هيئة منتخبة لكتابة اعلان دستوري، مهتدية بالاعلان الدستوري الذي صدر اخيرا، بخاصة ونحن بصدد حالة ثورية اسقطت جميع الدساتير السابقة بما فيها »الدستور الجبري« الذي صدر عن لجنة افتقرت الي مقومات كتابته، وهو خليق بالالغاء، واعتباره كأن لم يكن.. فلا شك ولا جدال، في اننا نخضع لدستور ثوري منذ 30 مارس عام 2011 وهو الاعلان الدستوري الذي صدر في ذلك التاريخ، ولا يغني عن تشكيل »هيئة منتخبة« لكتابة الدستور الجديد.. ومعني منتخبة هنا، هو اختيار نخبة مرموقة من علماء الدستور والقانون وليس بالاستفتاء الشعبي.. وهنا تجدر الاشارة الي عدم الوقوع في خطأ جسيم وهو الشروع في تعديل »الدستوري الجبري« الذي صدر اخيرا، لان في ذلك اعتراف صريح بصحته، في حين انه باطل بطلانا مطلقا ولا يستحق مجرد ترقيعه او تعديله، بل الاصوب ان نكتب دستوراً بالاسلوب الذي فرضته النظم الدستورية المعروفة وهي تشكيل هيئة تشمل ممثلين لجميع المؤسسات والعمال والفلاحين، والمرجح ان يكون عددهم ثلاثمائة من الممثلين الحقيقيين لطوائف الشعب، حتي لا نخسر الميزان، ولا نلدغ من جحر مرتين.. »وللحديث بقية«.