كانت عقارب الساعة تشير الي الخامسة عصر يوم 3 يوليو موعد انتهاء فترة الانذار الذي وجهه الجيش للقيادة السياسية لتحقيق مطالب الشعب التي لخصها المصريون في كلمة »إرحل«، وقضي خطاب الرئيس مرسي العياط علي آخر أمل في الخروج من النفق المظلم، وإنهاء الصراع وغليان الشارع.. انتظر الشعب بيان الجيش.. حبس المصريون انفاسهم 4 ساعات كاملة كاملة قبل إذاعة البيان، الهواجس ترعبهم بدءا من تحذير الولاياتالمتحدة بوقف المساعدات العسكرية مرورا بتهديدات الرئيس للشعب بنشر العنف، ونهاية بمليشيات الاخوان وعصيهم، وأسلحتهم المهربة من غزة وليبيا، وتجربة اقتحام السجون بمساعدة حماس وكتائب القسام.. ولكن ما كان يبدد هذه الهواجس هدير جحافل الشعب الزاحفة للميادين، والتاريخ العسكري المشرف للجيش المصري، الذي قام بثورة يوليو المجيدة عام 25، والذي حمي ثورة 52 يناير وانحاز للشعب، فلا يمكن أن يتخلي عنه هذه الفترة المفصلية في حياة المصريين. وخرج علينا الفريق أول عبدالفتاح السيسي لينهي خوف المصريين ويقطع الشك باليقين الصورة كانت كاملة الاوصاف وتحمل في طياتها رسائل داخلية وخارجية. الذي يلقي البيان القائد العام للقوات المسلحة رأس الجيش، ويجلس في الصورة رئيس الاركان الفريق صدقي صبحي وقادة الافرع الرئيسية تأكيدا لوحدة صف الجيش وأنهم يقفون خلف قائدهم موافقين، ومساندين وداعمين لما يفعله. وبجوارهم جلس رمزا قطبي الأمة الامام الأكبر شيخ الجامع الازهر والبابا تواضروس في اشارة الي ان مصر هي (مسلم ومسيحي) وليست كما كان يسعي نظام الاخوان في ضرب هذه الوحدة، وقطع النسيج التاريخي لمصر وعزل المسيحيين. وفي الصورة كانت المرأة حاضرة ممثلة في الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد فهي ممثلة للمرأة والاعلام معا. ولم يتواري من المشهد ممثل للتيار الاسلامي جلال المرة ذو اللحية التي تكسوها البياض نائب رئيس حزب النور السلفي ليعلن بوجوده أنه لا إقصاء لتيار أو فصيل. وعلي كرسي في أول الصف الثاني جلس شاب في الثلاثين من عمره ممثلا عن حركة تمرد التي كانت السبب الرئيسي في ثورة التصحيح. وأمامه جلس د. محمد البرادعي رئيس حزب الدستور والذي فوضته حركة تمرد وحركة 03 يونيو وجبهة الانقاذ التي تمثل 32 حزبا وتيارا سياسيا، الصورة في مجملها هي تمثيل حقيقي لمصر، وتقول للعالم بطريقة غير مباشرة أن ما يحدث ليس انقلابا عسكريا كما يحاول أن يروج له »فلول« الاخوان، ومن يريدون الاستقواء بالخارج. أما بيان تصحيح الثورة الذي تم كتابته بعناية، وصياغته بدقة، واختيار الفاظه بحكمة، فقد تجاوز كل الاخطاء التي جاءت في بيان ثورة 52 يناير، ونأي بنقاطه عن كل السلبيات التي يمكن أن تحدث لغطا فيما بعد، ولم يترك فرصة لتأويله بطريقة غير ما يقصده. فلم يضع فترة زمنية للفترة الانتقالية وجعلها متروكة لمن يملك قلم الامضاء وصاحب القرار، الرئيس المؤقت لمصر الذي يدير البلاد حتي لا يسلبه اختصاصا قبل ممارسته لعمله، وحتي لا يجعل السرعة هدفا بدلا من تحقيق أعظم فائدة للشعب عند تنفيذه. وأكد البيان علي أن الشعب هو الذي استدعي جيشه لانقاذه، من محنته، وحماية ثورته، وليس لتقلد سلطة، وشدد علي أن الجيش لا يطمع في الانغماس أو حتي التماس بدائرة العمل السياسي.. ولم يذكر عملا للمجلس العسكري في إدارة البلاد وترك القرار برمته للرئيس المؤقت في اشارة مباشرة هذه المرة إلي أن ما يحدث ليس انقلابا عسكريا. واستخدم البيان لفظ تعطيل الدستور حتي لا يغلق الباب علي الرئيس المؤقت وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا لكي يتصرف كيفما يشاء في الدستور الجديد، سواء بالرجوع لدستور 17 أو تعديل الدستور »المعطل« أو صياغة دستور جديد طبقا لما يحقق المصلحة العامة للبلاد، من خلال لجنة قانونية متخصصة وليست لجنة سياسية كما حدث من قبل. كان موفقا عندما استخدم »لفظ« تهيب القوات المسلحة بالشعب العظيم الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف لأن في ذلك تأكيدا علي الحق في التظاهر والاعتراض والاحتجاج. وكان حازما في التحذير من الخروج عن السلمية أو القانون. فكما للشعب المتظاهر حق له واجب لابد أن يلتزم به. وأعلي البيان شأن القضاة والقضاء عندما جعل قاضيا رئيسا لمصر يديرها في فترة حرجة مؤقتة، ليعيد للقضاء المصري هيبته وحقه في الاستقلال الذي سلبه النظام السابق بقراراته، وإعلاناته الدستورية، ومظاهراته وحصاراته لرأس القضاء المصري المحكمة الدستورية العليا ورفض تنفيذ الاحكام القضائية النهائية. لم ينس البيان رفع شأن رجال الشرطة، وإعادتها للحمة الشعب التي فصلها الاخوان متعمدين باتهامهم زورا، مرة في قتل المتظاهرين، ومرة أخري بتعمد احداث فراغ أمني. الاعلام كان له نصيب في البيان اعترافا بدوره العظيم في المجتمع، وهو ما غفله مرسي وجماعته وتعمدوا تكسير عظامه، واتهامه بالفساد، وتشويهه. وأكد البيان علي ضرورة وضع ميثاق شرف اعلامي.. والمصالحة وعدم الاقصاء كانت نقطة جوهرية لم يغفلها البيان، لان من صاغه يعرف تماما أن الاقصاء والتناحر كان آفة النظام السابق (مبارك مرسي) فأبي إلا أن ينبه لها حتي لا تفسد المستقبل. البيان في مجمله صاغه محترفون، اتقوا الله فيما يكتبون، وفي بلدهم، وفي شعبهم.