إن الله عادل يحب العدل, وأمر به عباده ونهاهم عن الظلم, وقد حرم الله الظلم علي نفسه وجعله بين الناس محرما, لقد طالبنا الإسلام بالعدل بين الأبناء فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال النبي صلي الله عليه وسلم قال( إعدلوا بين أبنائكم إعدلوا بين أبنائكم إعدلوا بين أبنائكم) فالعدل بين الأبناء لايتحقق إلا بالمساواة بينهم في الانتباه وحسن الإصغاء والاستماع والاهتمام وتوزيع النظرات والاستشارة, وحتي المساواة بينهم بالضحك معهم علي نفس المستوي, وتوزيع كلمات المحبة والثناء بينهم بالسوية. فإن عدم العدل بين الأبناء له عواقب ومن أبرز تلك العواقب العقوق, فالتمييز بين الأولاد والتفريق بينهم في أمور الحياة سبب العقوق وكذلك يؤدي عدم العدل إلي كراهية بعضهم بعضا, ويكون دافعا للعداوة بين الإخوة وعاملا مهما من عوامل الشعور بالنقص.تقول الدكتورة أمال يس استاذ مساعد الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر, أمر الله تعالي في كتابه العزيز بالعدل, قال تعالي( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل90, وجعل العدل قاعدة ثابتة لايخضع للاهواء الشخصية ولا الحالات النفسية, ولايتبدل مجاراة للغني والفقر, والقوة والضعف فالعدل المطلق في كل حال, وف يكل مجال يمنع البغي والظلم في الأرض ويعطي كل ذي حق حقه مسلمين وغير مسلمين, كما يسوي بين الأقارب والأباعد, بين الأصدقاء والأعداء, بين الأغنياء والفقراء, فالعدل الذي تأمر به الشريعة يجعل الإنسان لايميل مع الهوي ولايتأثر بالعلاقات ولايتم إلا بالتجرد من كل ميل ومن كل هوي, ومن كل مصلحة, ومن كل اعتبار وهذه مهمة لاينالها الا من تربي التربية الإسلامية, وسار وفق المنهج الإلهي القويم وإذا كان العدل مطلوبا مع خلق الله, فإن العدل بين الأولاد أولي وأجدر أن يتحري لأن حسن التربية ومنع النزاع والشقاق بين الأولاد وايجاد المودة والرحمة بين الأولاد واجب, ولهذا لايحل لأحد أن يفضل بعض أولاده علي بعض سواء كان التفضيل ماديا أو معنويا لما يترتب علي هذا التفضيل من زرع للعداوة, وقطع للصلات التي أمر الله بها أن توصل, وإذا كان كل من الأبوين يسره أن يتسابق أولاده إي بره ويتنافسوا في احترامه وتوقيره, فإن علي الأب أن يعدل بينهم في الهدايا والهبات, بل وفي النظر والتقبيل والمداعبة, لأن هذا أوعي إلي ايجاد المودة والتآلف ويبعث علي الترابط والتراحم فيما بينهم يقول الرسول صلي الله عليه وسلم( واتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال أيضا( رحم الله والدا أعان ولده علي بره) وقال أيضا( ساووا بين أولادكم ولو في القبلة) إن من أقبح القبائح والكلام مازال للدكتورة أمال يسن في عدم التسوية بين الأولاد في التعامل فمن الآباء والأمهات من يفرط في التدليل, والآخر يفرط في التحقير والإهانة علي حساب بعض الأولاد ولاشك أن مثل هذه الأمور لها أثرها السيء في سلوك الأولاد وهو سبب من اسباب العقوق, فقد جاء رجل إلي عمر رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه, فأحضر عمر الابن وأبنه علي عقوقه لأبيه, وعدم وفائه بحقه, فقال الولد: ياأمير المؤمنين, قال عمر: أن ينتقي أمه, ويحسن اسمه, ويعلمه الكتاب, فقال الولد: ياأمير المؤمنين إن أبي لم يفعل ذلك أما مي فإنها زنجية كانت لمجوسي, وقد سماني جعلا,( خنفساء) ولم يعلمني من كتاب الله حرفا واحدا, فالتفت عمر إلي الرجل وقال له جئت تشكو إلي عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك, وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك, وإذا كان عدم التسوية بين الأولاد من أسباب العقوق للآباء والأمهات, فإ له أثره الضار علي الأولاد فهو سبب من اسباب الانحرافات السلوكية والنفسية للإطفال لأنه يولد الحسد والكراهية ويسبب الخجل والانطواء والبكاء, ويورث العدوان والمشاجرة والعصيان, ويؤدي إلي الاصابة بالأمراض العصبية ومركبات النقص, فإذا كان الآباء حريصين علي سلامة ابنائهم من العقد النفسية وآفات القلوب, وفساد الطوية, فليس أمامهم إلا أن يسعوا جهدهم في أشعار أولادهم جميعا بروح المحبة والأخوة والمساواة حتي ينتفعوا ببرهم ولن يتحقق ذلك إلا بالتسوية والعدل بين الأولاد يؤيد ذلك ماروي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتي بي لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا( أي أعطيته غلاما كان لي) فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم( فأرجعه) وفي رواية آخري قال: يابشير ألك ولد سوي هذا؟ قال: نعم قال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا, قال: فلا تشهدني, فإني لاأشهد علي جور( ظلم), ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في لابر سواء؟ قال: بلي, قال: فلا إذن) كما روي أ رجلا كان جالسا عند النبي صلي الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه علي فخذه, وجاءت ابنة فأجلسها بين يديه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ألا سويت بينهما فإذا ارونا أن تربي أولادنا التربية السوية فلنعد إلي تعاليم الإسلام. همت مصطفي