عندما أنشد خالد الذكر فنان الشعب سيد درويش, انا المصري كريم العنصرين/ بنيت المجد بين الأهرمين/جدودي انشأوا العلم العجيب/ ومجري النيل في الوادي الخصيب/ لهم في الدنيا آلاف السنين/ ويفني الكون وهما موجودين. لم يكن يقرر حقيقة واقعة ولكنه كان يفعل فعلا نضاليا, فقد كانت هناك ارستقراطيتان في البلاد مطلع القرن العشرين, الارستقراطية الشرقية ذات الاصول التركية والشركسية, والارستقراطية الغربية والاجنبية, ومن هنا فقد كانت مصري مرادفا للجهل والتخلف والفقر, ومن هنا كانت صيحة سيد درويش انا المصري كريم العنصرين, ولنفس تلك الاسباب سعي طلعت حرب, الي تأسيس بنك مصر لجمع اموال المصريين وقروشهم ومع برنامج الاصلاح الاقتصادي وسيادة موجة الخصخصة التي شهدتها بلادنا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي, القليلة ليقيم بها صرحا اقتصاديا وطنيا هو بنك مصر, وراح ذلك البنك العظيم يفتح عشرات المشرعات الواعدة والمستقبلية, وينافس رءوس الاموال الاجنبية والاستعمارية, في مختلف فنون الصناعة والاقتصاد والاستثمار وهكذا راح ينشئ شركات الطباعة وصناعة الورق وحليج الاقطان واستوديو مصر والمصرية العقارية ومصر للغزل والنسيج والكتان ومصايد الاسماك وتكرير البترول ومصر للطيران والجلود وعشرات وغيرها وراح يثبت ان المصريين قادرون علي ارتياد مجالات الصناعة والاستثمار والتجارة وأن مصر ليست مجرد بلد زراعي كما كان يشيع الاستعمار وفي سنة1934 أنشأ شركة مصر للسياحة برأس مال قدره سبعة آلاف جنيه هذا كانت رءوس الاموال وقتها ولم تكن سبعة الاف جيه بالمبلغ الهين او الصغير المهم جرت في نهر الاقتصاد المصري مياة كثيرة وعندما تعرضت شركات بنك مصر لخسائر كبيرة دبرها الاستعمار البريطاني قبيل الحرب العالمية الثانية وفي محاولات لانقاذ البنك وشركاته من كبوته طلب حسين سري باشا 1894 1960 وزير المالية وقتها ان يقدم طلعت حرب استقالته مقابل ان يضمن اموال البنك ولا يتعرض للافلاس فقال طلعت حرب قولته فليذهب طلعت حرب وليبق بنك مصر وهكذا ظل البنك ومعظم شركاته وبعد ثورة يوليو تم تأميم شركة مصر للسياحة ككثير من الشركات التي تم تأميمها في ذلك الوقت, فاصبحت ملكية عامة, وتمكنت الشركة من التطور في ظل تلك الظروف التي لم تكن فيها السياحة بعد احد اهم مصادر الدخل القومي او حتي احد اهم انشطة البشر كما هو الحادث حاليا, ومع برنامج الاصلاح الاقتصادي وسيادة موجة الخصخصة التي شهدتها بلادنا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي, اعلن ان سياسة الحكومة في برنامج الخصخصة هي فقط بيع الشركات الخاسرة, ومشروعات المحليات. ووقتها لقي هذا الطرح قبولا شبه عام, حيث ان الاحتفاظ بشركات خاسرة لا يرجي إصلاحها هو بلا ريب عمل غير اقتصادي, خاصة ان هذه الشركات لم تكن تنتج سلعا استراتيجية, وكذلك فإن مشروعات المحليات كانت مرتعا للفساد وضياع اموال الموازنة العمة, وبالفعل تم بيع جميع مشروعات المحليات, وما زالت العمالة التي كانت تدير وتعمل في هذه المشروعات عبئا علي كاهل موازنة الإدارة المحلية. ولكن الذي حدث هو ان الشركات الخاسرة لم يتم بيع شركة واحدة منها, بل بدأ البيع منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بالشركات الرابحة, مما آثار الرأي العام, خاصة ان كل صفقه في مشروع الخصخصة كانت محل انتقاد سواء من حيث القيمة التي بيعت بها, او الشروط التي حصل عليها المشتري, او سيطرة شركات أجنبية علي اسواق تلك الشركات لتحقق احتكارا لبعض السلع في السوق المصرية, أو للجوء المشتري للبيع فيما بعد لشركات عالمية باضعاف الثمن الذي اشتري به. وكانت اكبر المساوئ هي الاثار الاجتماعية التي ترتبت علي عملية الخصخصة مثل تسريح العمالة, وعدم توفير فرص عمل بديلة وعدم التفكير في استخدام حصيلة الخصخصة في مشاريع انتاجية تفتح مجالا لفرص عمل جديدة, وعدم استخدام حصيلة الخصخصة في أعمال بنية اساسية تفتح المجال لاقامة مشروعات جديدة. ولكن الذي كان يدعوا للأسف فعلا هو تعيين بعض المديرين لادارة شركات القطاع العام علي ان يأخذوا علي عاتقهم ان تتحول الشركة الرابحة تحت ادارتهم الي احدي الشركات الخاسرة حينها يمكن بيعها بتراب الفلوس في صفقات مريبة مثيرة للجدل المهم انني لم اكن معنيا بشكل مباشر بما يحدث لتلك الشركان, اذ انني باحث وموظف حكومي لا تتأثر حياته بشكل مباشر بالشركات ولا ملكيتها, ولكنني عرفت عن شركة مصر للسياحة كيف شاخت الشركة وتوقف نموها وعجزت عن المنافسة في سوق من أهم الاسواق حساسية وادركت اننا بصدد عملية تفليس وتهديم لهذا الصرح العملاق كما أشرت, غير انني رحت اسمع من كثير ممن اثق فيهم عن التقديم الكبير والنجاح الذي تحققه الشركة منذ شهور وترسخت تلك الفكرة من خلال حضوري لمؤتمر قامت بالترتيبات التنظيمية له شركة مصر للسياحة فحرصت علي ان ازور ذلك المكان الذي رايت كيف يوشك ان يتحول الي ارشيف حكومي لا يليق باسم مصر للسياحة منذ سنوات, فوجدته وقد تحول الي شركة حديثة منظمة ودقيقة وتوحي بالاطمئنان والثقة, ورايت الغرف التي كانت مكتظة بالموظفين وقد تم تنظيمها بحيث تتولي كل غرفة ترتيب عملاء إحدي دول العالم فمكتب لايطاليا, وفرنسا وانجلترا وغيرها وطلبت مقابلة رئيس مجلس ادارتها الجديد الدكتور نور بكر, الذي رحب بي, وطلبت من بعض مساعدية التعرف عن طبيعة وشكل التقدم الذي تم وهل هو مجرد تجديد لمكاتب قديمة, غير انني عرفت ان التغيير اعمق من ذلك بكثير وانه لم يستغرق سوي وقت قصير منذ يوليو الماضي2009, منذ هذا الوقت تحولت مصر للسياحة الي احد صروح القطاع العام الناجحة, دون ان تتخلي عن موظفيها الذين يبلغ تعدادهم2500 موظف وموظفة, فراحت تهتم بالمكاتب الخارجية باعتبارها واجهة الشركة في العالم ومصدر الثقة الاول في الشركة, وكذلك بمكاتب الشركة داخل مصر وعددها35 مكتبا, وتطور اسطول الشركة من سيارات الركاب الكبيرة الاتوبيسات او الصغيرة, فتضاعفت اعدادها, كما تمت اعادة بناء واصلاح العديد من الفنادق التي كانت قد توقفت او كادت عن استقبال النزلاء ومنها فندق الاقصر وفندق ميركيور رومانس بالاسكندرية, وفندق بورسعيد والشيهاليهات الملحقة به, وقرية مجاويش السياحية بالغردقة, وكذلك المطاعم العائمة نوبار وتوباز وتركواز بشاطئ الشركة علي نهر النيل بمنطقة اثر النبي, كما اهتمت الشركة بالسياحة الدينية وخاصة رحلات الحج والعمرة الي الاراضي المقدسة علي اختلاف مستوياتها الاقتصادية او سواء تمت بالطيران او عبر الطرق البرية فالبحر الاحمر. وتعد العلاقة ما بين شركة مصر للسياحة والشركة العالمية ترافل بورت أو جاليليو وهي شركة متخصصة في مجال توزيع انظمة الحجز الآلية, علاقة ممتدة لأكثر من15 سنة, ومؤخرا وفي اكتوبر سنة2009, تم تجديد هذا التعاقد بين كلا الشركتين, وذلك في اطار تجديد امداد شركة مصر لليساحة بأعلي التقنيات التكنولوجية, مما يسهم في زيادة الطاقة البيعية لشركة مصر للسياحة وذلك من خلال فروعها المنتشرة في الداخل والخارج. ومؤخرا وفي ظل التعاون الدائم والمستمر بين كلتا الشركتين تم الاتفاق علي مشروع التجارة الاليكترونية حيث تقوم شركة ترافل بورت بالمساهمة في تطوير بوابات الحجز الاليكترونية من خلال الانترنت مما يعتبر انطلاقة جديدة لمصر للسياحة لتصبح في مصاف الشركات العالمية. ومن هنا ادركت ان مشكلة منشآتنا الاقتصادية هي مشكلة وجود الإدارة الواعية المخلصة التي تؤمن بقدرة الانسان المصري علي التقدم والعمل اذا ما اتيحت له الظروف المناسبة لذلك, كما فعل طلعت حرب منذ قرن من الزمان. [email protected]