بعد أن أقدمت إثيوبيا علي خطوة تحويل مجري النيل الأزرق كخطوة مبدئية لإنشاء سد الألفية أو سد النهضة أصبحت قضية مياه النيل هي القضية الأولي التي تشغل المصريين الكل يسأل عن السد وهل سيؤثر وكيف ستواجه مصر الأزمة؟ لم يفوت نشطاء الفيس بوك الفرصة وحولوا كلمات أغنية شيرين ماشربتش من نيلها إلي ماشربتش فيها سوبيا أصل النيل راح إثيوبيا. وأي واضع سياسات يجب أن يستفيد ويبني علي اهتمام الناس بالقضية, برامج تليفزيونية وإذاعية تشرح للناس بأسلوب علمي مبسط رحلة النهر, وما هي الدول التي يمر بها جيراننا الذين يقتسمون معنا شربة المياه, وظروف هذه الدول وعلاقتها بمصر, وحصة مصر بموجب الاتفاقية, وحكاية المبادرة التي لم توقع عليها مصر ولماذا لم توقع وهل عدم توقيعها يعطل تنفيذها؟ نريد إعلاما يقدم حقائق ومعلومات عن القضية الأهم في حياة المصريين اليوم وغدا, فمصر تختلف عن دول حوض النيل في أنها الوحيدة التي تعتمد علي النيل كمصدر رئيسي 96% من استخدامات مصر من المياه مصدرها النيل. قلق المصريين علي أمنهم المائي يجب أن يدفعهم لإعادة النظر في استخدام المياه ونتوقف عن السفه في إهدار مياه الشرب المعالجة في رش الشوارع وغسيل السيارات. قلق المسئولين من تأثير إقامة السد لابد أن يدفعهم لتشجيع البحث العلمي لإبداع أفكار ترشد استخدام المياه لري الحدائق العامة وحدائق المنازل في المدن الجديدة لابد أن يكون من خطوط مياه عكرة وليست من المياه المعالجة المخصصة للشرب نبتكر وحدات معالجة مخصصة لاستخدام المنازل والمساجد والنوادي لإعادة استخدام المياه في أغراض النظافة وغسيل السيارات وري الحدائق. هل تتصورون أن إسرائيل سبق وطلبت شراء مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام من مصر لتعالجها وتعيد استخدامها.. الصرف الصحي الذي نعتبره عبئا بيئيا ومصدرا لتلوث الترع والمصارف وتسمم التربة تعتبره إسرائيل كنزا ومصدرا للحياة. وسط الاهتمام الشعبي بأزمة المياه الوقت مناسب لتبني وزارة الري حملة تقول فيها للناس ما هو نصيب المواطن من المياه وهل هذا النصيب مهدد بالنقصان؟ وما الذي يجب أن يفعله كل فرد منا لمواجهة الأزمة؟ وكيف نرشد استخدامنا للمياه. الهجوم علي إثيوبيا ولغة التهديد لن تجدي ولن تحل الأزمة بل ستزيدها تعقيدا, لغة القوة والعنتريات انتهي زمانها لغة المصالح هي السائدة ولن تضحي إثيوبيا بمصالحها. من حق مصر أن تدافع عن مصالحها وعن حقوقها التاريخية والحصص المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. ومن حق إثيوبيا أن تقيم مشروعات تحل أزمة الطاقة والكهرباء فهذه البلاد تعيش في ظلام والكهرباء لا تصل إلي أغلب مناطقها. بالتفاوض وسياسة النفس الطويل تستطيع مصر أن تحافظ علي حقوقها, المعروف أن مشكلات الأنهار الدولية تحتاج إلي جهود متصلة ولا يمكن حسمها بسهولة. لكن مفتاح حل أي مشكلة في أن تضع نفسك مكان الآخر تفهم دوافعه واحتياجاته وسيكولوجيته. إذا وضعت مصر نفسها مكان إثيوبيا وجربت حضرتك وحضرتي نكون إثيوبيين سيختلف الوضع إثيوبيا دولة تعاني من ظلام متصل وقد جربنا معاناة قطع الكهرباء لساعات إثيوبيا تري أن من حقها أن تقيم سدودا تحل بها أزمة الكهرباء, إثيوبيا لديها إحساس عال بالتميز والتفرد والثقل الاقليمي لأنها حافظت علي استقلالها ولم يتم احتلالها, ولأنها صاحبة حضارة قديمة حضارة بونت إضافة إلي التعداد السكاني الكبير. النظام الحاكم في إثيوبيا لديه مشاكل مع المعارضة وكان في حاجة لمشروع قومي يلتف حوله الشعب الإثيوبي ووجده في مشروع السد. أي مسئول إثيوبي يزور مصر يرجع بانطباع أن مصر بالغة الثراء يري حجم الإضاءة في الشوارع والفنادق ويتحسر علي ظلام بلاده. ما بين إحساسنا بأزمتنا وتفهمنا لاحتياجات دولة نتقاسم معها شربة المياه يمكن التواصل والاتفاق علي ما يحقق المصالح المشتركة وفق الاتفاقيات التي تحكم الأنهار الدولية.