ليس في الإسلام عمل صالح إلا ويجزي عليه صاحبه, فريضة كان أو نافلة, ولذا عرف العمل المفروض علي العبد: بأنه ما يثاب فاعله, وبمثل هذا عرف العمل الذي رغب فيه الشارع من غير إيجاب, والعمل الذي يتطوع المرء بأدائه عمل لم يفرضه عليه الشارع بنص, ولم يفرضه المرء علي نفسه بنذر, وإنما يأتي به من تلقاء نفسه من غير إيجاب عليه من أحد, ولا ينحصر العمل الذي يتطوع به المرء في مجال العبادات, بل إنه يمتد ليشمل جانب المعاملات وغيرها, مثل الحفاظ علي عناصر البيئة والموارد المهدرة, وتحقيق الأمن المادي أو المعنوي للناس, ومساعدة ذوي الحاجة, وإسعاف من هم في حاجة إليه, وإرشاد الناس وتبصيرهم بخطر محدق بهم, وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم, إن لم يتعين ذلك كله علي فاعله, وقد اعتبر الشارع العمل الذي يتطوع المرء بأدائه سببا في قربه من الله تعالي ومحبته, فقد ورد في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها, وإن سألني لأعطينه, ولئن استعاذني لأعيذنه, وهذه الأعمال التطوعية هي من قبيل هذه النوافل, التي بين الحق سبحانه الجزاء العظيم في الحديث علي فعلها, يضاف إلي هذا أن الشارع رتب علي كل عمل يتطوع المرء بأدائه جزاء خاصا غير ما سبق, فمثلا: ما ورد في الحفاظ علي البيئة وإماطة الأذي عن عناصرها, حديث: الإيمان بضع وسبعون بابا, أدناها إماطة الأذي عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله, ومما ورد في معاونة من هو في حاجة إلي معونة, ومساعدة ذوي الحاجة حديث إن لله عبادا خلقهم لحوائج الناس, يفزع الناس إليهم في حوائجهم, وأولئك الآمنون يوم القيامة, وحديث: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة, ومما ورد في إرشاد الناس إلي ما فيه خيرهم وصلاحهم, حديث أنس بن مالك قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم رجل يستحمله, فلم يجد عنده ما يتحمله, فدله علي آخر فحمله, فأتي النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره فقال: إن الدال علي الخير كفاعله, ومما ورد في بذل النصح لهم, حديث: الدين النصيحة, قلنا: لمن؟, قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم, وهذه النصوص وغيرها تدل علي أن ما يتطوع به المرء من أعمال صالحة, عبادة كانت أو معاملة يجزي عليها الجزاء الحسن, وليس هناك عمل صالح يؤديه المرء في الإسلام ولا يجزي عليه, لأن نظام العمل في الإسلام يقوم علي أساس الإثابة علي العمل الصالح, والعقاب علي نقيضه.