بعد سنوات عديدة, واتصالات ومفاوضات, قام بها الجانب المصري مع دول حوض النيل, تبجحت إثيوبيا ولطمتنا لطمة مهينة علي وجوهنا بمشروع يسرق منا18 مليار متر مكعب من المياه, والعجيب أن الخطر كان جاثما علي أكتافنا من البداية, والأعجب أن المسئولين المصريين أصابتهم ضبابية شديدة, وسذاجة عمياء فواصلوا العوم في بحر الخديعة الإثيوبية,لذلك طالبت منذ أيام بمساءلة كل وزراء الري والخارجية, وجميع المسئولين عن هذا الخطأ الجسيم الذي يكاد يحكم بزوال مصر من الخريطة. وقد بح صوت خبراء الموارد المائية من التحذير من الخطر الداهم الذي يقودوننا إليه منذ سنوات, ولكن البيروقراطية المصرية أصيبت بالعمي, وقصور الرؤية, وقد نظم العبد الضعيف ندوة في نقابة المحامين سنة2009 انتهت بالتحذير من الخطر, وبادرت وأنا من آحاد الناس بتقديم خطة تحرك دبلوماسي واقتصادي, وإعداد وسائل فاعلة للردع, واستخدام أوراق ضغط فعالة علي إثيوبيا وقدمتها في مايو2010 قبل الثورة لوزير الخارجية أحمد أبو الغيط, ورئيس المخابرات عمر سليمان, ثم أعدت تقديمها لعصام شرف رئيس الوزراء بيدي غداة سفره إلي إثيوبيا, واستمرت جهودي بعد اللطمة الإثيوبية في دق أجراس الخطر, فشاركت في ندوة نظمتها نقابة الأطباء يوم2 يونيو الحالي, وأخري يوم الاثنين الماضي بنقابة الصحفيين قام فيها خبراؤنا الدوليون بالموارد المائية الدكاترة: مغاوري شحاتة, وضياء القوصي, وهانئ رسلان, وشاركهم في الرأي في برنامج تليفزيوني د. علاء الظواهري, واتفق الجميع علي أننا نواجه كارثة كبري تهدد وجودنا نفسه, وانطلت الخدعة علي ما سمي وفد الدبلوماسية الشعبية التي تكفلت جهة ما بتوفير طائرات خاصة لرموزنا السياسية, وإقامة بفنادق خمس نجوم, واستقبلهم رئيس أوغندا, وزيناوي رئيس وزراء إثيوبيا الراحل, وأعطوهم كلاما معسولا صدقوه وعادوا يبشروننا بأنه لا خطورة علي حصتنا في مياه النيل. وفي مواجهة ذلك سمعنا الاستسلاميين الذين يهونون من الخطر, وينادون باستبدال المياه بالكهرباء, ويقبلون أن تتحكم إثيوبيا في مياهنا وطاقتنا حتي تستعبد الإرادة المصرية أكثر من إسرائيل وأمريكا, وكلاهما مشارك في محاولة خنق مصر وتقزيمها, وفوجئنا بلواءات متقاعدين, وخبراء استراتيجيين يبادرون بلا أي وعي باستبعاد الخيار العسكري في مواجهة العدوان الإثيوبي, الأمر الذي يضعف من موقف المفاوض المصري حتي إذا استبعدنا الحل العسكري بالفعل, وسعدت في الوقت نفسه بطرح الخيار العسكري من اللواء ثروت جودة وكيل المخابرات العامة السابق, واللواء سيف اليزل. والقضية كلها لا يجب اختزالها في القيام بحرب تقليدية بالدبابات والمدفعية, وحتي الصواريخ والطائرات ضد دولة تغلب عليها الجبال الوعرة, وهو خيار استبعدناه قبل التفاوض, فإنه يضعف المفاوض المصري, وإذا تركناه فإنه يترجم إلي خضوع وإهدار لحق الدفاع الشرعي ضد عدوان علي حقوقنا التي استمرت آلاف السنين, والتي قررتها4 اتفاقيات دولية ملزمة وواجبة التطبيق, بحكم مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات التي قننته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية. وفي حقيقة الأمر فإن إثيوبيا ليست دولة قوية ولا غنية تصعب مواجهتها, وليس في قدرتها أن تخضع إرادة مصر, فلديها مشكلات إثنية جوهرية وخطيرة في الداخل, كما أنها دولة حبيسة لا تستعصي علي الحصار, وقطع مواصلاتها مع الخارج, فلديها مشكلة الأوجادين في الصومال, وحروب ومنازعات مع إريتريا التي أبديت في مقال بجريدة الشروق منذ أسبوعين فقط دهشتي لضعف علاقاتنا معها, مع أنها كانت تؤيد بصورة أو بأخري حقوق مصر في مياه النيل, الأمر الذي أثار غضب إثيوبيا, ولم يكن له أي صدي في مصر, كما يسهل تضييق الحصار علي إثيوبيا في منفذ جيبوتي. لدينا إذن أدوات للردع قبل أن نلجأ لخيارنا الأخير, وهو العمل العسكري بكل جوانبه جويا وصاروخيا, فجبهة الأوجادين ليس من الصعب تنشيطها بأعمال استخباراتية( يمكن الرجوع إلي خطط العمليات الخاصة في عهد السادات), كما يمكن استنفار عدد من الأقاليم التي يقطنها المسلمون, والتي تعلم كل أئمة مساجدها بالأزهر, أما منفذ جيبوتي فلن يصعب تضييقه علي الصادرات والواردات الإثيوبية. كل هذا يستدعي البدء فورا في إعداد فريق للتعامل مع الأزمة بمساهمة علماء الري, والقانون, والمخابرات العامة, والاستخبارات العسكرية, والخبراء الاستراتيجيين, وإعداد كل إمكانات الردع ضد إثيوبيا, وينبغي من الآن تكثيف وجودنا السياسي والاستخباراتي والديني في الصومال( سبقتنا تركيا بإنشاء خط جوي إلي مقديشيو), وجيبوتي, وإريتريا, ويقوم هذا الفريق بعد موافقة القيادة السياسية بإعداد اللازم للعمل علي الأرض عند اللزوم علي أن تسبقه حملة دبلوماسية قوية, واتصالات علي مستوي عال في واشنطن, وتل أبيب, وبكين, وروما وغيرها, مع الاتصال بالبنك الدولي أو غيره من الدول المانحة لعدم إعطاء أي دعم نقدي أو فني للعدوان الإثيوبي, وفي هذا الإطار وبهذه الروادع نبدأ مفاوضات جادة مع إثيوبيا نعدها بتقديم كل عون في دعم اقتصادها وخططها المائية بعد تعديل تصميم سد النهضة بما لا ينتقص من الحصة المصرية. ومن الطبيعي أن يتم هذا بتنسيق كامل مع السودان, وحتي جنوب السودان, لما تلوح به إثيوبيا لهما من مكاسب إذا تجاهلوا الموقف المصري. ومن العوامل الإيجابية التي تتناسب مع أهمية الحدث الحوار الذي دعا إليه الرئيس بالاتحادية منذ أيام, والمؤتمر الذي أقيم بقصر المؤتمرات, الذي أكد فيه الرئيس أننا لن نتنازل عن قطرة ماء, مما يعطي إشارة أكيدة لكل القوي الوطنية, بل لكل مواطن, أن يسهم في تناول الأزمة فئة وحدة وطنية بعيدة عن الصراعات الضيقة, وفي هذا السياق لا أدري ما إذا كان وزير خارجيتنا يحمل في حقيبته روادع جديدة, أم أننا سنواصل سياستنا النمطية التي نخرج منها دائما خاسرين, لأن ظهر المفاوض المصري مكشوف وليس لديه أي أوراق ضاغطة. رجاء أخير أن نبتعد عن أي حوارات تليفزيونية, وعن تشكيل لجان قومية, أو إنشاء وزارة للشئون الإفريقية تفاديا للفشل, وحتي لا نراها تغط في نوم عميق, و تتبقرط مثل كل لجاننا القومية, ويبقي نشاط فريق العمل المشكل في رياسة الجمهورية من القانونيين وخبراء الموارد المائية والدبلوماسيين والمخابرات العامة والقوات المسلحة في غاية السرية, ويتحرك بأوامر وتوجيهات القيادة السياسية التي ينبغي أن يدعمها الشعب بكل أطيافه, بعيدا عن أي صراعات سياسية. عاشت مصر ونيلها.