أصبحت الشغل الشاغل على أروقة الأكاديميين والمحللين، ولا سيما مع إعلانها بدء بناء سد النهضة الإثيوبي، لدرجة أن الخبراء قالوا عنها بأنها أصبحت قوة إقليمية صاعدة ينبغي التعاون معها، وإن لم ترغب فلا بد من توثيق "مصر" لعلاقاتها مع "إريتريا"، واتجاهها إلى دول غرب أفريقيا؛ من أجل تعديل موازين القوى ودفاعًا عن حقوقنا التاريخية في المياه، وخاصة بعد إشارة البعض إلى أن اتجاه "إثيوبيا" إلى بناء هذا السد الإثيوبي، من شأنه تهديد "مصر" في أمنها القومي (المائي)، والتأثير السلبي على الاقتصاد المصري والنشاط الزراعي. الأمر الذي يقودنا إلى البحث عن معرفة السيناريوهات المفترض أن يتم الأخذ بها من قبل الدولة المصرية، في هذا التوقيت، وما هي الأسباب التي جعلت هؤلاء الخبراء يشجعون على سلك منحى التعاون مع "إريتريا" على حساب "إثيوبيا" واستخدامها كخيار بديل ضمن حروب الوكالة التي كانت تستخدم من قبل؟ حرب باردة فلم يكن إعلان "إثيوبيا" عن بدء تحويل مجرى النيل الأزرق في إطار مشروع سد النهضة سوى نتيجة منطقية لسنوات من الحرب الباردة، والتي استمرت طيلة الفترات السابقة من الرئيس "جمال عبد الناصر"، مروراً بفترتي الرئيس "السادات" و"مبارك"، إلى أن تفجرت نيرانها – مؤخراً - في عهد الرئيس "مرسي". وكان الخلاف بين "القاهرة" و"أديس أبابا" حول مياه النيل ("سد الألفية" أو النهضة) عميق جداً، والذي يكمن بشكل كلي في اختلاف الرؤى بين الطرفين، حيث يرى الطرف الأول (إثيوبيا) بأن السد مسألة حياة أو موت لمستقبلها، وهو بمثابة بوابة عبور للمستقبل، وتدعى أنه ضروري لاحتياجاتها من الكهرباء، على اعتبار أنه سيصبح واحدًا من أكبر 10 سدود في العالم، وسيكون قادراً على توليد 6000 ميجاوات من الكهرباء - أي نحو 3 أضعاف إنتاج سد "هوفر" العملاق في "الولاياتالمتحدة"، هذه الطاقة الضخمة ستمكنها من التوسع في مشاريع زراعية طموحة وزيادة إنتاجها من الكهرباء لبيعها لجيرانها (كينيا والسودان وجنوب السودان وجيبوتي)، التي تعاني جميعها فقراً كهربائياً مزمناً. علاوة على أنه سيعزز من أهمية "إثيوبيا" سياسياً، ويعطيها أداة إستراتيجية مهمة لمواجهة الهيمنة المصرية على حوض النهر، ومن ثم تراه "مصر" "خطر وجود" على شعبها، وخاصة بعد تردد أنباء بأن من شأنه تقليل حصة "مصر" في الموارد المائية الوافدة إليها من دول المصب؛ مما يؤثر على الأمن القومي المصري، والذي دائماً ما تعلن عنه القوات المسلحة المصرية بأنه خطر أحمر. ثلاثة خيارات ولهذا السبب يشير المحللون إلى أن أمام "مصر" ثلاثة خيارات لوقف بناء السد؛ حفاظًا على أمنها القومي وحياة المواطن المصري، يتمثل أولهما في مواصلة الضغط الدبلوماسي على "أديس أبابا"، استناداً للشرعية الدولية؛ ولا سيما لأن بناء السد غير قانوني وفقاً لأحكام اتفاقية عام 1959 واتفاق عام 2010، ولكن في حالة فشل الجهود الدبلوماسية في الوقت الحالي، يقدم المراقبون والمحللون خياراً ثانياً، وهو تنشيط ودعم جماعات مسلحة لشن حرب بالوكالة على الحكومة الإثيوبية، وهي خطوة ليست بجديدة على "مصر"، ففي السبعينيات والثمانينيات استضافت "مصر" - وهو ما فعلته السودان لاحقاً - جماعات مسلحة معارضة ل"أديس أبابا"، ومن بينها الجبهة الشعبية لتحرير "إريتريا" التي انفصلت عن "إثيوبيا" في عام 1994 بدعم مصري، بالإضافة إلى أن "مصر" تستطيع دعم هذه الجماعات المسلحة مرة أخرى للضغط على الحكومة الإثيوبية الاستبدادية والمقسمة عرقياً، فهناك ما لا يقل عن 12 جماعة مسلحة منتشرة في أنحاء "إثيوبيا" تعمل على قلب نظام الحكم أو إقامة مناطق مستقلة. وطبقا لموقع ""Awramba times( موقع إثيوبي أمريكي يحرره الصحفي الإثيوبي المنفي "داويت كيبيدي"، الفائز بجائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين لعام 2010)، فإنه يمكن ل"مصر" الاستعانة بحلفائها في "إريتريا" لزعزعة استقرار "إثيوبيا"، ولا سيما مع تدهور وتوتر العلاقات بين البلدين، والتي تتسم بنوع من الصراع والتوتر والشد والجذب على خلفية الانفصال واستقلال "إريتريا" عنها، وبالتالي فقد تضطر "مصر" إلى دعم وتحريض "إريتريا" أو حركات داخلها؛ بهدف إنهاك "إثيوبيا" بأمور هامشية تجعلها حريصة على معالجتها غافلة لفكرة استكمال بناء السد. كما قد يلجأ النظام الحالي بقيادة الرئيس "مرسي" المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين بدعم الفكر الجهادي الوهابي داخل "إثيوبيا" المسيحية، فكثيراً ما تتخوف حكومة "أديس أبابا"، وتعلن عن قلقها إزاء تزايد حالات العنف ضد المسلمين المعتدلين والمسيحيين من قبل هذه الجماعات (حسب موقع Awramba times). أما الخيار الثالث، فهو التدخل العسكري المباشر الذي قد تلجأ إليه "القاهرة"، ولا سيما في حالة نجاح "إثيوبيا" في بناء السد وتأثر حصتها بالفعل وبشكل كبير، وخير دليل على هذا التوجه، هي السيناريوهات السابقة للأنظمة السابقة وللجيش وللمخابرات العامة المصرية، فأشارت تسريبات موقع "ويكيليكس" إلى أن "مبارك" كان يدرس بالفعل اللجوء للخيار العسكري في 2010 بالتعاون مع "السودان" ضد "إثيوبيا"، حين هددت ببناء السد عام2010. فذكر الموقع بأنه في رسالة إلكترونية تعود إلى الأول من يونيو 2010 منسوبة لمصدر أمني رفيع المستوى، كان على اتصال مباشر ب"مبارك" و"عمر سليمان" يقول: "الدولة الوحيدة التي لا تتعاون هي "إثيوبيا"، نحن مستمرون في التفاوض معهم، وبالوسائل الدبلوماسية، وبالفعل نحن نناقش التعاون العسكري مع "السودان"، لكن إذا وصل الأمر إلى أزمة، فسنقوم ببساطة بإرسال طائرة لقصف السد والعودة في نفس اليوم، أو يمكننا أن نرسل قواتنا الخاصة لتخريب السد، وتذكروا ما فعلته "مصر" في أواخر السبعينيات، أعتقد أن ذلك كان في عام 1976، وقتها كانت "إثيوبيا" تحاول بناء سد كبير، فقمنا بتفجير المعدات وهى في عرض البحر في طريقها إلى "إثيوبيا"". ومن ثم يرجح كثير من المحللين بأن يتم التدخل العسكري بفروعه المذكورة في الرسائل السابقة، ولكن توقيت تنفيذه يتعلق بفشل الجهود والمساعي الدبلوماسية، أو فشل حروب الوكالة في تحقيق أهدافها في منع بناء السد الإثيوبي.