إن تصدير القمح مرهون بالحفاظ علي عاملين أساسيين.. الأول يعتمد علي الحفاظ علي مساحة الأرض الزراعية التي تنتج أكثر من ثمانية ملايين طن قمح في العام والتي تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين فدان. والثاني يعتمد علي توفير الغذاء المتوازن الذي يحتوي علي جميع احتياجات الجسم من بروتين وغيره فيحل مشكلة المصريين في الغذاء من خلال الاعتماد عليه كبديل صحي يقلل من استهلاك القمح ويحد من الاعتماد عليه بشكل أساسي. ففي الحالة الأولي نحن في حاجة ماسة إلي توفير كميات كافية من مياه النيل لزراعة الملايين الثلاثة وليس إلي المياه الارتوازية التي تدمر التربة وتقلل من إنتاجية الأرض في غياب الطمي المحجوز خلف بحيرة السد العالي والذي تقدر مساحته بأربعة ملايين فدان من الطمي تكفي لخصوبة وزراعة أربعين مليون فدان بالصحراء كما يقول الخبراء والمتخصصون كما توجد كميات هائلة من الذهب والبلاتين المختلطة بالطمي تحل كل مشاكل مصر الاقتصادية والتقنية فهل يدرك المسئولون أهمية الكنز الموجود في بحيرة السد وقد أشار الخبراء أن أمريكا تمكنت من خلال نهر المسيسبي الذي يجري علي أرضها من حل مشاكلها الاقتصادية والتقنية من كميات الذهب والبلاتين التي عادة ما توجد في الأنهار ومن حسن حظ مصر وجود عيوب في جسم السد العالي حجزت معه الطمي المطعم بالذهب والبلاتين والذي تفنن المصريون القدماء في جمعه بواسطة فراء الخروف بعد وضعه فوق ألواح من الخشب وحين يمر بمياه النيل يعلق تبر الذهب بالفراء. وفي الحالة الثانية تسعي في نفس الوقت إلي توفير البروتينات من صيد الأسماك علي امتداد شواطئ مصر الممتدة علي البحرين الأبيض والأحمر وعلي نهر النيل بما فيها من البحيرات الطبيعية والصناعية الممتدة علي طول نهر النيل مما يؤدي إلي اكتفاء المصريين من بروتين الأسماك ليحل بشكل تدريجي محل الاعتماد علي القمح. وفي الحالتين نحن في حاجة ماسة إلي إرادة سياسية قوية تأخذ في عين الاعتبار الحفاظ علي الأمن القومي المصري من خلال تجميع المصريين وتوحيدهم صفا واحدا دفاعا عن أمن مصر وهو غير متوافر حتي الآن في العقيدة السياسية للنظام الحاكم الحالي الذي لم يأخذ علي محمل الجد الحفاظ علي حصة مصر من مياه النيل لأن نقصها تهديد مباشر لحياة الشعب المصري وتعتبر معركة حياة أو موت لا يهدئ من روعها ولا يخفف من خطر وقوعها كلمات فضفاضة من قبل المسئولين أو لغة دبلوماسية خادعة وبراقة إلي أن تقع( الفاس في الراس) ونجد مصر عطشي لا تجد نقطة الماء التي تحافظ علي حياة أبنائها. إن عدم إدراك مؤسسة الرئاسة للخطر المحدق بمصر في حصة مياهها التي حافظت عليها وقننتها الاتفاقية البريطانية والمواثيق الدولية والتعامل معه بشكل سلبي للغاية وكأن مصر وحصتها من المياه لا تعنيهم في عدم وجود رد فعل حقيقي من قبل السلطة التنفيذية وفي غياب متعمد من السلطة التشريعية المؤقتة مما يعني أن هناك شيئا ما يحاك لمصر في الظلام في غياب وتغييب وعي القائمين علي أمر البلاد وإدارتها بشكل غير مسئول وغير مقبول فعلي كل المصريين التحرك بقوة وفاعلية قبل فوات الأوان. فما الذي دعا إثيوبيا في هذا التوقيت بالذات وقوي من عزمها وجعلها تتجرأ علي مصر وتقوم بتحويل مجري النيل الأزرق في سابقة لم تحدث من حوالي أربعة مليارات سنة منذ أن خلق الله الأرض وشق فيها أنهارها وكان نهر النيل أطول أنهار العالم فيها لا يحدث إلا بعد الزيارة التي قام بها الرئيس إلي إثيوبيا وبدلا من أن يسعي إلي زيادة حصة مصر من المياه بعد أن وصل استهلاك الفرد المصري إلي مستوي أقل من مستوي الفقر المائي وهو650 مترا مكعبا إنه خبر سييء وسيكون كارثة محققة علي مصر وعلي المصريين كما يقول خبراء الري والزراعة. إن المصريين يشكون الآن من شح المياه وعدم كفايتها للأرض الزراعية مما دعا إلي استخدام المياه الارتوازية التي تزيد من ملوحة الأرض وتفسدها أكثر مما تصلحها مما يؤثر علي إنتاجها وقدرتها علي الاستمرار ويجعلها تتحول بالتدريج إلي أرض بور جرداء وإذا كان حال مصر الآن علي ما نري قبل بناء السد فماذا سيكون حالها بعد بناء هذا السد الكارثي علي مصر وأهلها. إن مصر يجب ألا تنتظر حتي يتم بناء سد النهضة علي نهر النيل في إثيوبيا والذي يقول عنه الدكتور ضياء الدين القوصي, خبير المياه الدولي إن بناء إثيوبيا لسد النهضة وحده سيؤدي إلي نقص حصة مصر من المياه بنسبة9 إلي12 مليار متر مكعب في العام أما إذا قررت إثيوبيا بناء حزمة السدود كاملة فإن ذلك سيؤدي لنقص ما لا يقل عن15 مليار متر مكعب من المياه سنويا والذي سيؤدي بدوره إلي فقدان مصر3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية وتشريد من5 إلي6 ملايين فلاح مؤكدا أن تصريحات المسئولين الإثيوبيين بأن حصة مصر من المياه لن تنقص هو مجرد تهرب ومحاولة استدراج لإضاعة الوقت لحين إتمام بناء السد. إن تضليل الرأي العام وإلحاق الضرر المؤكد بمصالح مصر الاستراتيجية لن يمر مرور الكرام في وجود الإهمال والتفريط في حق مصر السيادي واتباع سياسة الخداع الاستراتيجي من الطرف الآخر ومن يساعده في الإضرار بمصالح مصر المائية في عدم وجود خطة محكمة للحفاظ علي حصة مصر وزيادتها وليس للحد منها أو نقصها فإن كل هذا سيؤدي إلي أضرار لا تحمد عقباها. إن تصريحات المسئولين المصريين بأن تصب في مصلحة الجانب الأثيوبي وفي مصر لا تمانع في إقامة سد النهضة الإثيوبي نفس الوقت تؤدي إلي الإضرار بمصالح مصر من المياه وهذا في حاجة إلي تفسير لأن العكس هو المفروض وإلا فإننا نستنتج من ذلك أن هناك من يريد الإضرار بمصالح مصر القومية من المياه وأنهم لا يضعون مصلحة مصر العليا في الاعتبار وإلا فليقولوا لنا ما هي الفوائد التي ستعود علي مصر من بناء هذا السد وكان من الممكن الوصول إلي حلول حقيقية من خلال المفاوضات لضمان الحفاظ علي حصة مصر من ماء النيل في وجود بدائل أخري يمكن استخدامها عند اللزوم.