جاء فيلم أفتار و نجاحه التجاري الكبير ليثير الجدل حول تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية في السينما, تلك التكنولوجيا التي تجعل الصورة مجسمة علي الشاشة عبر ارتداء المشاهدين لنظارات توزع عليهم في السينما, فيتم نقل المشاهد من مقعد المتفرج ليحلق في سماء الحلم داخل أحداث الفيلم. و قد كنت مع الرأي بأن السينما ثلاثية الأبعاد ليست سوي وسيلة جديدة لحصد المزيد من الأرباح, نجحت من خلالها أفلام معينة( أفتار أليس في بلاد العجائب) و لكنها لا يمكن أن تكون هي مستقبل صناعة السينما. وكان تبني هذا الرأي مبنيا علي حقيقة أن تلك الأنواع من السينما من الممكن أن ندخلها في مجال سينما الغرائب( مخلوقات أفتار كائنات أليس في بلاد العجائب....) وبالتالي فأن التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد تبرز و تكثف تلك الشحنة من الغرائب لدي المتفرج, و من هنا كان دور تلك التكنولوجيا الناجح مع تلك النوعية من السينما. لكن هل يمكن أن تكون السينما كلها من نوعية أفتار ؟ هل من المجدي أو من المفيد أن تقدم أفلام من نوعية( خزينة الألم قصة حب جسور ميدسون) بالتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد ؟ أو دعونا نطرح السؤال بشكل آخر.... هل تقديم تلك النوعية من الأفلام سيجلب نفس القدر من الأرباح للمنتجين و شركات الإنتاج مثلما فعلت أفلام الغرائب, و بالتالي سيدفعهم هذا إلي زيادة تكاليف إنتاج تلك النوعية من السينما عبر تصويرها بالتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد ؟ لا أعتقد. لاقي هذا الرأي الكثير من المعارضة من قبل بعض الزملاء من النقاد السينمائيين الذين يرون في تكنولوجيا ثلاثية الأبعاد مستقبل السينما, و أنها ستكون عاملا رئيسيا في عودة الجمهور لصالات في الكثير من البلدان التي تتراجع فيها نسبة مشاهدي السينما. الناقد الأمريكي روجير ألبرت كتب مقالا في مجلة النيوزويك كان عنوانه لماذا أكره السينما ثلاثية الأبعاد ؟ و لماذا يجب عليكم أن تكرهوها بالمثل ؟ يعرض فيه وجهة نظره من تلك التقنية الجديدة. روجير البرت هو الناقد الأساسي لجريدة شيكاجو صن تايمز و لكنه يكتب بالعديد من الصحف الأخري, و قد أثار جدلا مؤخرا بسلسلة من المقالات عنوانها لماذا لن تكون أبدا ألعاب الفيديو فنا من الفنون وهاهو اليوم يهاجم تقنية السينما الجديدة, ليثير عليه عاصفة من الانتقادات مثلما أثار في السابق. يقول روبرت ألبرت أني أعلم أنه ضرب من الجنون أن اردد مثل تلك الانتقادات لتكنولوجيا الأبعاد الثلاثية في السينما في حين يعتبرها الكثيرون في هوليوود ومجتمع الأعمال نجاحا للأعمال والبيزنس في وقت يعاني فيه العالم الاقتصادي من أزمة طاحنة وتراجع في عالم الأعمال والمال والتجارة. نعم فلقد أعطت التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد لهوليوود أعلي نسبة إيرادات في تاريخها وصلت إلي2 مليار و700 مليون دولار مع فيلم أفتار, كما أن أعلي ثلاثة أفلام في الإيرادات لهذا العام قد تم عرضهم بواسطة التكنولوجيا الرقمية وهذه ليست سوي البداية. يضيف الناقد الأمريكي أن بالرغم من ذلك هناك الكثير من النقاد والعاملين في الحقل السينمائي يتخذون نفس موقفه المعادي لتكنولوجيا الأبعاد الثلاثية في السينما, و يبرر موقفه هذا بالعديد من النقاط. أولا يري ألبرت أننا عندما نشاهد فيلما عاديا أي ثنائي الأبعاد فأنه يتحول في عقلنا مباشرة إلي حقيقة مجسدة ثلاثية الأبعاد. فعندما نشاهد فيلم لورنس العرب علي سبيل المثال, و بالتحديد من خلال المشهد الذي يتقدم فيه عمر الشريف من قلب الصحراء راكبا جمله و يظهر في الأفق و كأنه نقطة في الفراغ تقترب من مقدمة المشهد الذي نري فيه في نفس الوقت بيتر أوتول في شخصية لورنس أمام بئر الماء, تقدم عمر الشريف من نهاية الكادر للمقدمة حتي يجتمع مع بيتر أوتول يجعلنا نشعر بثلاثية الأبعاد في المشهد, أو كما يقول ألبرت يستخدم عقلنا مفهوم المنظور البصري ليحول ما هو ثنائي الأبعاد إلي ثلاثي الأبعاد داخل ذهننا, و يضيف أن أي تدخل خارجي منا لكثرة هذا الإيهام من الممكن أن يجعل المشهد غير مقنع. بالطبع هذا رأي فني بحت يحاول الربط بين الصورة و رد الفعل العصبي البصري قد يختلف الكثيرون معه, ولكن مازال لديه المزيد من التبريرات التي تجعله من ألد أعداء السينما ثلاثية الأبعاد.