جاءت نتائج جوائز الأوسكار رقم82 مخيبة لآمال الكثيرين ممن كانوا في انتظار فوز فيلم الخيال العلمي أفتار للمخرج جيمس كاميرون بالعديد من الجوائز ليخرج محملا بتماثيل العم أوسكار كاسرا الرقم القياسي مثلما كان فيلمه كاسرا لكل حواجز الايرادات في تاريخ السينما, لكن علي غير العادة في جوائز الأوسكار التي في الأغلب والأعم لا تكون جوائز تعبيرا عن فن السينما الحقيقي فازت أفلام السينما التي تقترب من طبيعة المجتمع. وتلك التي تقدم بشكل أو أخر معاناة الإنسان العصري في المجتمع الحديث. لم يكن فيلم كاميرون سوي نسخة أكثر تطورا تكنولوجيا لسلاسل حروب الكواكب علي الرغم من الجهد الخارق الذي بذل في صناعته والانبهار البصري النابع من التصميمات المبتكرة والحديثة للشخصيات التي لا يمكن لأحد أن ينكر مدي الابداع الذي قدم لنا من خلالها في العمل. لكن ثلاثية الأبعاد التي تحتم علينا وضع نظارة علي أعيننا قبل المشاهدة والتصميمات الخيالية للشخصيات والديكور جعلتنا نعيش داخل لعبة من ألعاب الفيديو وليس فيلما من أفلام السينما ذلك الفن الجميل الذي يعطي للشخصيات المتخيلة روحا ويجسدها أمامنا كحقيقة نتفاعل معها و نتبني مواقفها ونتمثل شخصيتها, أن أفتار هو تجسيد حي لسينما هذا المجتمع الانساني الذي استبدل الانسان الفعلي بالإنسان المتخيل كما استبدل الاستهلاك و مجتمعات الاستهلاك داخلنا ومن زمن بعيد الحاجات الفعلية بالحاجات الوهمية المتخيلة التي يوحي لنا بها نظام الدعاية والإعلان المسيطر والمسير لحياتنا, فأصبح كل شيء يباع لنا عبر ايهامنا بأهميته من خلال آلة جبارة لإعادة تشكيل العقول, كل شيء أصبح سلعة تباع حتي رئيس الجمهورية المنتخب.... هو من استطاعوا بيعه لنا بشكل أفضل..... لا ينكر أحد أن هناك مجهودا بذل من أجل تحول تلك القصة الخرافية لحقيقة تمس قلوبنا, ولكن نفس الشيء يحدث مع ألعاب الفيديو التي أصبح رقم الأعمال في صناعتها اليوم يتجاوز40 مليارا من الدولارات. نعم تلك الصناعة التي تأخذ من الكثيرين مجمل وقت يومهم وبالذات الأجيال الجديدة, صناعة شديدة الدقة والتفاصيل الدقيقة, يستثمر فيها بالملايين.... لها مريدوها الذين يعيشون في عالم مواز يلبي لهم ما لا قد يعثرون عليه في الحياة الفعلية من ثروة وقوة ونفوذ و بطولة, ولكنها كلها في عالم مواز متخيل يفصلنا عن هذا الواقع الفعلي الذي نحيا فيه, وبالتالي كم هو لذيذ لأنه علي الأقل أكثر عدلا لا طبقية فيه عند مشاهدة أفتار كنت أتحسس يدي من آن لآخر بحثا عن مقود اللعب بين يدي أوجه به الأبطال في جهاز الألعاب الذي أمامي, ولكني في كل مرة كنت أكتشف أني أمام شاشة عرض وأن ما يقدم هو فيلم سينمائي, ولكم ابتسمت عند قراءتي لكتابات من حللوا البعد الانساني في الفيلم الذي يتحدث عن محاولات نهب الثروات للكوكب المتخيل, أو محاولة تحميل مسوخ فيلم كاميرون التي قدمها الفيلم لبعد انساني وكثير من العاطفة, واشادة من كتبوا بأن ذلك اشارة واضحة لنهب ثروات العالم الثالث وبالذات النفطية منها, أو محاولة لجعلنا نحب هذه الكائنات المختلفة عنا في الحجم والشكل واللون ونحترم الاختلاف في الحياة ولا نكره الأخر لمجرد أنه مختلف عنا..... ابتسامتي جاءت من ادراكي بأن تلك الرسالة من الصعب أن تصل للمتفرج الأمريكي أو ولنقل لمعظمهم, حيث أن الثقافة الأمريكية تجعل السينما مصدرا مهما من مصادر الثقافة في ذلك المجتمع مع التليفزيون, وبالتالي مثلما حدث الأمر مع إيي تي لسبيلبرج الذي أحبه الكثيرون وتعاطفوا معه ولكنهم لم يلقوا بالا بأطفال كانوا ضحايا حروب شنتها بلدهم.... ماتوا تحت الانقاض, فتلك الشخصيات المبتكرة تمتص قدرا من الحنان الوهمي لدي المواطن الأمريكي الذي يهتم بالقطط والكلاب ولا يهتم بضحايا المجاعة( بالطبع ليسوا كلهم ولكن الأغلبية) مجتمع ثري شديد الثراء ومازال باراك أوباما يجاهد من أجل توفير الرعاية الصحية لفصيل كبير في المجتمع و.... يواجه بمقاومة. أن أفتار يخلق لنا عالما موازيا مثل ذلك الذي تخلقه لنا ألعاب الفيديو عالم جميل والنصر فيه يكون للانسانية والحب والحق ولكنه ليس هذا العالم الحقيقي. جاءت ليلة الأوسكار هذا العام لصالح الفن المرتبط بالواقع وليس المغيب عنه, مع فوز سندرا بولك بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلمTheBlindSide والرائع كريستوفر والتز كأحسن ممثل مساعد عن دور الضابط النازي في فيلم ترانتينورInglouriousBasterds وحصول الفليم المستقلPrecious علي جائزتين لأحسن ممثلة مساعدة وأحسن سيناريو مأخوذ عن رواية... جاءت الجوائز لصالح السينما الفعلية وليست المختلفة, هذا بالطبع بجانب كم الجوائز التي حصلت عليها المخرجة كاترين بيجلو كأول امرأة تحصل علي هذا التمثال الذهبي مع فيلمهاTheHurtLocker عن هذا الجرح الدامي في جسد الولاياتالمتحدة والذي فتحته الحرب في العراق وأفغانستان. قد تكون جوائز الأوسكار لا علاقة لها بما كل ما ذكرته أو قد تكون مصادفة عجيبة أو..... لكن النتائج في النهاية انتصار للسينما علي ألعاب الفيديو.... هكذا أحسست وأشاهد الحفل علي التليفزيون مع بداية يوم جديد.