تمر هذه الأيام الذكري الأولي لوفاة واحدة من القامات الغنائية العربية التي طالما أثرت الحياة الفنية بأعمالها الغنائية.. وهي الفنانة وردة الجزائرية التي بدت موهبتها منذ نعومة أظافرها نظرا لاحتكاكها بكبار المطربين من خلال الملهي الليلي الذي يمتلكه والدها.. وبدأت الغناء وهي لم تتجاوز الخامسة وأشرف علي تعليمها التونسي الصادق ثريا.. وأهم ما كان يميز مسيرتها الفنية الطويلة جودة أعمالها وكيفية اختياراتها للأغنيات الهادفة, وبالفعل تركت لنا ميراثا غنائيا ثريا كما وكيفا نتيجة لتعاونها مع أهم شعراء الغناء المصريين في ذلك الوقت مثل مأمون الشناوي وحسين السيد ومحمد حمزة وعبد الوهاب محمد وعبد الرحمن الأبنودي وغيرهم, أيضا لتعاونها مع العديد من الملحنين الموسيقيين بدءا بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي ورياض السنباطي وكمال الطويل وفريد الأطرش وسيد مكاوي وصلاح الشرنوبي وآخرون, أما زواجها بالموسيقار بليغ حمدي والذي استمر حوالي سبع سنوات في حالة من الحب جمعت بينهما داخل كل الأوساط الفنية والمجتمعية والتي أثمرت مجموعة كبيرة من الأغنيات ذائعة الصيت في الوطن العربي, كما كان للدويتو( الثنائي) الذي اشتركا فيه معا روح عد حبات المطر أثر علي زيادة شهرة وردة الفنية.. ورغم انفصالهما إلا أن التعاون ظل لسنوات. ومن ضمن أعمال وردة الراسخة في الوجدان العربي التي يتباري بها مطربون ومطربات الشرق حكايتي مع الزمان, قال إيه بيسألوني, أكدب عليك, كما قدمت مجموعة من الأعمال السينمائية والتليفزيونية مثل ألمظ وعبده الحامولي, أميرة العرب وآه ليه يا زمان وصوت الحب وأوراق الورد وآن الأوان, كما تنوعت اختياراتها الفنية للأغنيات فيما بين الوطنية والعاطفية التي لاقت شهرة واسعة منها وأنا علي الربابة بغني ونار الغيرة وروحي وروحك ومسا النور والهنا وبودعك وأنا لي مين غيرك وغيرها ومن الأغنيات, كما سايرت موجة الأغنيات السريعة حينما قدمت أغنية بتونس بيك وحرمت احبك مع الملحن صلاح الشرنوبي لتواكب العصر مع الحرص علي المعاني الهادفة والألحان الجذابة.. وبالفعل استطاعت هاتان الأغنيتان أن تحوزا علي إعجاب الملايين من المحيط للخليج وتستحوذا علي فكر ونبض الفئات العمرية المختلفة وليست الأجيال المولعة بفنها الطربي الأصيل فقط, وبهذا فقد استطاعت بقدرتها أن تمزج بين الأصالة في الصوت واللحن واختيار الكلمات ذات المعني مع المعاصرة في وجود الإيقاعات السريعة التي تتماشي مع إيقاع القرن الحادي والعشرين. ف وردة قلعة من قلاع الغناء الطربي الأصيل وهي إحدي فنانات زمن الفن الجميل الذي مضي ولم يتبق منه سوي بعض الأصوات الطربية والموروثات الغنائية القيمة ذات الألحان والكلمات العريقة الصادقة التي تخاطب النفس والوجدان, كما أنها مدرسة غنائية يصعب تكرارها لتميزها بالصوت القوي والمساحات الصوتية المتعددة داخل صوتها من الطبقة المنخفضة إلي العالية ومرورا بالطبقة المتوسطة, والشئ اللافت للنظر هو سهولة الأداء والانتقال بين النغمات بسلاسة مع اختلاف تلك الطبقات وهو ما يدل علي موهبة حقيقية تتمتع بها وتتضح في أدائها المميز.. فنحن وإن كنا فقدنا جسدها بالرحيل إلي العالم الآخر إلا أن فنها لم يرحل عنا بل باق ومستمر بما تركته وخلفته لنا ببصماتها الفنية المتأججة خلال هذه المسيرة الطويلة التي أمتعتنا جميعا. رابط دائم :