كأي مصلحة حكومية.. ارتبط الشهر العقاري في أذهان المواطنين بكل أنواع المعاناة, فما بين الزحام الشديد وبطء الإجراءات وملل الروتين يقضي معظم المواطنين ساعات لإتمام مصلحة لا تستغرق سوي دقائق معدودة, مما يؤثر سلبا علي مستوي الخدمة وينشيء حالة من الصدام المتكرر بين المواطن والموظف الذي لا يقل معاناة عن صاحب المصلحة فهو يقضي يوما من العمل الشاق والمتواصل أثناء وجوده في مكان غير آدمي ظل إمكانات محدودة له لا تمكنه من تقديم الحد الأدني من مستوي الخدمة المطلوب.. هذا ما تبين من الجولة التي قامت بها الأهرام المسائي في بعض أفرع الشهر العقاري للوقوف علي أبرز المشكلات ولفت أنظار المسئولين للبحث عن حلول لها.. بدأت الرحلة الأولي للجولة لمكتب الشهر العقاري بمدينة نصر حيث التقينا بأحمد حسن, الذي قال: أنا لسه جاي ربنا يسهل وأقدر استخرج التوكيل بسرعة عشان ألحق شغلي.. أنا عامل حسابي في التأخير ساعتين لأن أكيد هتأخر جوه, وأبدي محمود نصر استياءه الشديد من المجيء إلي الفرع أكثر من ثلاث مرات من أجل استكمال إجراءات استخراج الأوراق اللازمة لتركيب عداد مياه في منزله, بسبب عدم إرشاده بالخطوات اللازم اتباعها منذ البداية وحتي لا يستغرق كل هذا الوقت, قائلا: عشان أركب عداد مياه لازم13 خطوة و8 أختام كل ده ليه!. وبدخول المكتب بعد الساعة12 ظهرا تجده مكتظا بالمواطنين في ظل عدم وجود مصادر للتهوية سوي بعض النوافذ التي لا تناسب كثرة العدد, وفي ظل هذه الأجواء تنادي نادية محمود علي صديقتها من النافذة قائلة: الدنيا صعبة جدا هنا خليكي واقفة بره, لافتة إلي أنها تعاني في كل مرة تأتي فيها إلي الشهر العقاري بسبب شدة الزحام وطول الانتظار وكثرة الإجراءات, فضلا عن عدم توفير مقاعد لكبار السن. ومن أمام الشهر العقاري فرع الحدائق الوايلي قابلنا محمد حمدي موظف , وقال إنه جاء لتوثيق عقد شقة لأحد أقاربه السوريين, لافتا إلي أن مشكلة الشهر العقاري تتمثل في منظومة العمل التي تتطلب التنقل بين أكثر من موظف والوقوف في طوابير طويلة لأداء المصلحة, في الوقت الذي يمكن إنهاء الإجراءات بواسطة موظف واحد فقط وفي وقت أقل من ذلك بكثير. وأوضحت مني حسن أنها تعرضت للسرقة منذ بضعة أشهر أثناء تأدية مصلحة داخل الشهر العقاري, مشيرة إلي أن أكثر ما يزعجها هو كثرة المشاجرات بين الموظفين والمواطنين في ظل غياب الأمن ما ينذر باحتمال وقوع إصابات في حال تهور أي من الطرفين. ويري حسين متولي محام أن غالبية الموظفين في الشهر العقاري ينقصهم التأهيل الكافي والخبرة اللازمة من أجل العمل في هذه المهنة, ما يستهلك الكثير من الوقت والجهد مقابل اتمام الإجراءات, لافتا إلي ضرورة وجود عدد من القانونيين داخل كل فرع من أجل استشارته في الأمور الخلافية بين المواطن والموظف. وفي الشهر العقاري فرع رمسيس أعرب محمود أمجد عن تعجبه الشديد من استمرار الرشوة حتي بعد انقضاء عصور الظلم والاستبداد, قائلا: بعض الموظفين يصر علي نقاض رشوة مقابل الإسراع في اتمام الإجراءات.. والغلبان عليه أن يستني الفرج!.. لابد من وضع قوانين صارمة وتفعيل الرقابة علي هؤلاء. وأكدت مها عوض طالبة علي ضرورة وجود عناية خاصة بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة نظرا لافتقادهم العناية الكافية, حيث يتم إجبارهم علي صعود الدرج للوصول إلي مكتب الشهر العقاري ثم اتمام جميع الإجراءات بأنفسهم دون وكيل عنهم, ما يمثل إجهادا شديدا لهم. وعن حال موظف الشهر العقاري حدث ولا حرج.. فبنبرة صوت بائسة بسبب عدم تغير الأوضاع في المصالح الحكومية بعد اندلاع الثورة, قال أحد الموظفين بالشهر العقاري فرع مدينة نصر إن المشهد يتحدث عن حاله والمعاناة تعم الجميع سواء الموظف أو متلقي الخدمة, وأكد النقص الشديد في أعداد الموظفين مقارنة بأعداد المواطنين المتوافدين من مناطق متفرقة حيث مصر الجديدة ومدينة نصر وحتي القاهرةالجديدة, مما يزيد الضغط علي كاهل الموظفين ويجبرهم علي العمل المتواصل. وأضاف: كما أننا لا نزال نتعامل بالوسائل البدائية كالورق والكاربون مما يهدر مزيدا من الوقت ويبطئ سير الإجراءات, مطالبا بضرورة إدخال نظم الميكنة الحديثة كأبسط الحلول التي ستساعد في إنجاز كم أكبر من العمل في وقت أقل, فضلا عن ضمان عدم التزوير في البطاقات. وقال موظف بالميكروفيلم التابع للشهر العقاري إن المكان غير آدمي بالمرة, حيث الزحام الشديد وعدم وجود مصادر للتهوية, فضلا عن تكرار حوادث السرقة استغلالا لكثافة عدد المواطنين, لافتا إلي قيام أحد المواطنين عقب الثورة مباشرة برفع السلاح في وجه موظف من أجل إنهاء الإجراءات استنادا إلي بطاقته المزورة مستغلا حالة الانفلات الأمني, إلا أنهم استطاعوا التحفظ عليه وتسليمه للشرطة. وأوضح مصدر مسئول بالفرع أن المصالح الحكومية الخدمية لا تزال مهمشة حتي بعد الثورة, مما يؤدي إلي قصور في أداء الخدمة من قبل الموظف نظرا لضيق الإمكانات التكنولوجية ونقص العمالة. وأضاف: كما أن القصور الأخلاقي وتدني مستوي الحوار بين المواطنين بعد الثورة أصبح أحد السمات الرئيسية داخل الفرع, الأمر الذي ينتج عنه بعض التجاوزات من قبل المواطنين تتمثل في التطاول بالأيدي أو المشادات الكلامية وتوجيه ألفاظ جارحة للموظفين, ما يرجع غالبا إلي جهل المواطن بالطرق القانونية الواجب اتباعها لقضاء مصلحته, إلا أنه سرعان ما يتم احتواء الموقف, علي حد تعبيره. فيما أكدت مديرة فرع الحدائق الوايلي المعاناة اليومية التي يتعرضون لها أثناء التعامل مع الجمهور, والمتمثلة في كثرة المشاجرات والتطاول من قبل بعض المواطنين, من أجل المطالبة بإسراع الإجراءات حتي وإن كانت غير قانونية. بمواجهة عايدة مباشرة وكيل وزارة العدل بأهم مشكلات الشهر العقاري وما إذا كانت هناك خطط للوزارة بغرض التطوير, أوضحت أن الوزارة تتبني خطة لتطوير الأفرع تتمثل في مشروع تطوير الميكنة بالتنسيق مع شركة الاتصالات, في إطار استبدال العمل الورقي بالأساليب الحديثة, لافتة إلي أنه تم إدخال الميكنة بنسبة60% وجار العمل علي بقية الأفرع, مشيرة إلي أن إدخال الميكنة يواجه بعض المعوقات المتمثلة في تدريب العمالة علي كيفية التعامل معها. رابط دائم :