الرأي السائد في واشنطن أن المساعي التي يبذلها البيت الأبيض في الوقت الراهن لإحياء سياسة إعادة ضبط العلاقات مع روسيا بوتين ستكون بمثابة جهد ضائع علي الأرجح, فهذه السياسة باتت ميتة الآن, ليس بسبب خطأ من أحد أو سوء نية, وإنما لأن واشنطنوموسكو قد وصلتا إلي آخر حدود التهادن والمساومة, بحيث لم يعد في مقدور أي من الطرفين أن يخطو خطوة أخري إضافية من دون تعريض عناصر جوهرية, وقيم معنوية, في سياساته الخارجية والداخلية للخطر, الاتهامات الموجهة لروسيا بوتين ترجمت في اتهامات متبادلة فقد اتهم الرئيس بوتين واشنطن بتدبير مؤامرة تخريبية ضد روسيا واتهم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بتأجيج مظاهرات المعارضة عام2011, وأذاعت قناة'NTV' الروسية في سلسلة من الأفلام الوثائقية التي تبين الدور الذي تلعبه الولاياتالمتحدة في دعم حركات المعارضة الروسية. ويصور أحد تلك الأفلام الوثائقية السفير الأمريكي لدي روسيا مايكل ماكفاول وهو بالمناسبة خبير أوباما المختص بروسيا علي أنه عميل أرسلته الحكومة الأمريكية لتأجيج ثورة ملونة جديدة ضد روسيا. ووصف الرئيس الروسي, الولاياتالمتحدة بأنها دولة لا تبدي أي رد فعل حيال الجرائم التي ترتكب ضد الأطفال الروس المتبنين بما في ذلك عندما يتعرض هؤلاء الأطفال للضرب حتي الموت كما قال. ولم يكن هذا هو المظهر الأخير للتوتر السائد في العلاقة الثنائية بين الدولتين. ففي الولاياتالمتحدة مرر الكونجرس قانونا في شهر ديسمبر الماضي عرف باسم قانون سيرجي ماجنيتسكي للمحاسبة وحكم القانون الذي تقرر بموجبه منع المسئولين الروس المتورطين في انتهاكات حقوق الانسان والفساد من دخول أراضي الولاياتالمتحدة, وتجميد أرصدتهم وأصولهم فيها. والواقع أن حرب الكلمات ضد بوتين لا مجال للتشكيك فيها, فتعليقات السياسيين ضد رجل روسيا القوي قاسية بل وقد تصل إلي حد الفظاظة, فسبق أن قام بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق بمقارنة بوتين بموسوليني وجون ما كين يريد طرد موسكو من مجموعة دول الثماني ووصف بوتين بالمنتقم الذي ارتكب الابتزاز النووي والهجمات السيبيرية لإعادة إحياء النفوذ الروسي. وقد كرر في عدة مرات القول انه يري في عيني بوتين ثلاثة أحرف هي: كيه جي بي. والواقع إن آراء المنتقدين لبوتين تعكس الاعتقاد السائد بأن بوتين قضي علي الاصلاحات الديمقراطية التي بدأها الرئيس الروسي السابق المؤيد لأمريكا بوريس يلتسين. مع أن الروس يتذكرون يلتسين رئيسا فاشلا. وفي النهاية تشكل روسيا تهديدا اقتصاديا وعسكريا أضعف علي المدي الطويل من تهديد الصين وهي صاحبة سجل حقوق إنسان يضاهي سجل هذه الأخيرة سوءا وفق الرأي الشائع في واشنطن. ويبدو أن استراتيجية مهاجمة بوتين تستند إلي رأي يري أنه لا دواعي أمريكية لاستفزاز قوة عظمي مستقبلية عندما يفي بالغرض الكلام القاسي الموجه ضد قوة ناشئة متوسطة العظمة؟ إنني اتفق مع الرأي القائل بأن التحدي الذي يواجه الولاياتالمتحدة في علاقاتها مع موسكو هو التوصل إلي نقطة تلاق, أو مساحة وسطي, بين الغرور الذي يخيل للأمريكيين بأنهم قادرون علي صياغة وتوجيه التطور الداخلي في روسيا, وبين التسليم بعجزها عن تحقيق أي شيء في هذا الاتجاه من الخارج. رابط دائم :