مشهد اللجان الشعبية سيأتي شئنا أم أبينا ولهذا يجب أن نسارع إلي ضبط طرق وآليات تأسيسها وقواعد عملها قبل أن يصبح ذلك مستحيلا وتتحول إلي ميليشيات متناحرة. ولنتساءل: لماذا لا ترشد الحكومة دور اللجان الشعبية التي بدأت في الانتشار لمعالجة الخلل الأمني والقانوني الحالي؟ سئمنا جميعا الوقوف في صف السيد رد الفعل متمنين أن نقف خلف السيد الفاعل ولكن تنقصنا دائما الإرادة والعزيمة وهو أمر مؤسف لأن الرغبة في التغيير موجودة, فداخل كل فرد طاقات وقدرات خلاقة عليه أن يكتشفها. نملك جميعا قدرات متنوعة ولكننا لا نوظفها ولهذا تتناقص القيم في حياتنا. ولعلاج هذا الخلل يجب أن تتكاتف عدة مؤسسات لتقديم نموذج موجب قدوة تتبلور حوله نماذج أخري لتشكل طليعة متقدمة تقود المجتمع نحو تنمية حقيقية. هذا التصور الهندسي للمجتمع درجت عليه البشرية فما من دعوة إصلاحية حقيقية إلا وسلكت نفس الدرب. قضية الإصلاح لا تنفك عن قضية القدوة الغائبة عن المجتمع والتي غالبا ما تبدأ بفرد وأحيانا بمجموعة صغيرة. وليس بمستغرب أن تساهم مختلف المؤسسات في إبراز دور القدوة للجميع, ففي غياب هذه الرؤية يمكننا دون أن ندري( أو ندري) أن نسلط الضوء علي أشخاص بعينهم ونقدم لهم من الخدمات ما لا يحصل عليه المواطن العادي فيظن المجتمع أنهم قدوته. لقد آن لهذا النهج الذي نكبنا به منذ عقود أن ينتهي. لقد مر ما يزيد علي العامين علي الحراك الشعبي الفعال الذي أودي برأس الدولة ولم نشعر بأي تحسن في منظومة تعاملاتنا مع الجهات الحكومية بل علي العكس ازدادت الأمور سوءا بالإضرابات والاحتجاجات وبغياب الأمن, حتي باتت سمة لهذه الفترة اكتنفها عدم صوغ هدف قومي يلتف حوله الشعب ويعرف كل فرد دوره فيه. هذه الضبابية في المشهد التنموي أوجدت ضبابية في التعامل السياسي معه فبتنا نسمع عن تحسن في بعض الأمور المعيشية وعن ازدياد سوء أمور أخري وهو ما يعني تخبطا في اتخاذ القرار الذي مهما كان صعبا ومرا سيتقبله الشعب إن أحس بأمل في المستقبل ليسير تجاهه. المستقبل مازال ضبابيا سياسيا لأنه مع توفير لقمة العيش حاليا( رغم عدم حدوث ذلك حتي الآن) فلا يعني هذا أن المستقبل أفضل فلا يكفي أن تكون شريفا بصفة شخصية لتخطط للأمة. ورغم أن الفصيل الحاكم يتمتع بقاعدة عريضة من الأفراد ومنهم أساتذة جامعيون يشار إليهم بالبنان في تخصصاتهم إلا أنهم لا يتصدرون المشهد تاركين الساحة خواء حين بات عليهم أن يتصدروا المشهد مع باقي رفقاء الوطن الذين لا ينهشون من جسد الأمة! ألا يعلم الفريق الحاكم أننا نعيش علي بركة من الفساد تغلفها وعود معسولة بالسراب منذ عقود؟ بركة لم تتغير ولم تبذل الحكومات المتتالية منذ سقوط رأس الدولة أي جهود جادة لردمها بإشاعة العدل بين الجميع, فمازال المواطن العادي يعاني في المؤسسات الخدمية أكثر من معاناته السابقة رغم الظهور الإعلامي للبعض ليوحي بعكس ذلك من نزول للشارع ومن جولات تفقدية لا تضيف للمشهد أي قيمة موجبة بل علي العكس تدغدغ مشاعر العوام علي حساب الهدف القومي للمجتمع. يذكرني الموقف الحالي بحديث أحد أساتذتي الأجلاء حينما كنت طالبا في الفرقة الاعدادية في أولي سنوات دراستي الجامعية في مادة الرياضيات عن الاحساس بالأرقام وكيف أن الانسان العادي حين يناقش الأرقام والأعمال الكبيرة تجده يناقش بجدية أكبر تفاصيل الأرقام الصغيرة لأن إدراكه لها أعلي بينما يتقبل الأرقام الكبيرة دون أن يقف أمامها كثيرا وهو أمر نجده عند أغلب العوام! قضية التنمية أكبر من أن نتغافل عنها وألا نضع لها ضوابط عادلة في مختلف تعاملاتنا بدءا من الانشغال عن اللغة القومية والاهتمام بلغات أخري علي حسابها بوضع تلك اللغات تعليميا في مرتبة تفوق تربويا مرتبة لغتنا العربية حيث تحصل اللغة الأجنبية في التعليم العام علي نصيب أوفر من اللغة العربية شرحا ووقتا ودرجات. وللأسف فنفس هذا النهج يتم من الدولة في الاهتمام بإعلاميين علي حساب باقي المواطنين, حيث أبت الدولة ممثلة فيمن يفترض أنهم أمناء علي أموالها ومقوماتها إلا أن تنفق الجهد والمال علي من لا يحتاج لتظهره للعامة علي أنه القدوة والمثل رغم عدم احتياجه المادي لأموال دافعي الضرائب. في هذا السياق الطبي أهدي لمن بيده الأمر شكوي بعض شرفاء الأطباء من ارتفاع تكلفة العلاج خاصة في حالات الحوادث والحالات الطارئة بل وفي حالات العمليات العادية التي لا تقدر عليها غالبية أفراد الشعب وليذهب أي مسئول في جولة تفقدية إلي تلك المستشفيات الحكومية والجامعية بل والخاصة ليتبين أي المواضع أحق ببذل أموال الشعب فيها؟ إن استخدام أموالنا جميعا في غير مواضعها خلل جسيم لا يمكن علاجه إلا بالمساواة في إنفاقه بين جميع أفراد الشعب. ويبرز هنا سؤال ملح: هل يمكن للدولة أن توفر طائرات عسكرية لنقل مصابي الحوادث للمستشفيات؟ وهل يمكن لوزراء الدولة تتبع حالات المرضي الذين يقعون تحت أمرتهم في وزاراتهم أم أنهم يحتاجون إلي منفذ إعلامي لنشر جهودهم التي يظنون صوابها والتي ليس لها وعاء قومي معلن لاستيعابها من خلال هدف قومي ننتظر تكوينه؟! وحتي يكتمل المشهد الطبي الهزلي أتساءل: علي من تقع معالجة ممارسات لا تليق بالحكماء( كما كان يطلق علي الأطباء سابقا) من قبل بعض أطباء المستشفيات العامة سواء أكانت مستشفيات وزارة الصحة بأقسامها المختلفة أم المستشفيات الجامعية بل والخاصة سواء أكانت ممارسات مادية أم مهنية؟ مشهد اللجان الشعبية سيأتي شئنا أم أبينا ولهذا يجب أن نسارع إلي ضبط طرق وآليات تأسيسها وقواعد عملها قبل أن يصبح ذلك مستحيلا وتتحول إلي ميليشيات متناحرة. ولنتساءل: لماذا لا ترشد الحكومة دور اللجان الشعبية التي بدأت في الانتشار لمعالجة الخلل الأمني والقانوني الحالي؟