حينما تغيرت لوحات أرقام السيارات أشاد البعض بها على أنها نقلة حضارية، ولكننى توجست منها لأنه لا حاجة لنا بهذا الإسراف فى تغيير جميع لوحات السيارات، باعتبار أن هذا العمل لا يصب فى وعاء التنمية فناتجه سلبى؛ لأن تلك اللوحات أجنبية الصنع وما يدفعه المواطن فيها لا يتناسب مع قيمتها، إضافة إلى تشويهه للغتنا العربية التى عرفت الاختصارات ولكنها لم تعرف الحروف المفردة، وهو أمر له أخطاره إذا نظرنا لبعده الزمنى، مع تذكر المحاولات المضنية لكتابة العربية بحروف لاتينية وبحروف قريبة من اللاتينية من خلال حملات شارك فيها كتاب وقضاة ووزراء للأسف.. فى ذلك الوقت كنا نتساءل عن كيفية معرفة نوعية رخصة السيارة وجهة صدورها فى النظام الجديد فكانت الإجابة: ولماذا تعرفون نحن نعرف وكفى!، ودارت الأيام ومرت الأيام وهل الفجر فإذا بقضية اللوحات قضية فساد طالت رئيس الوزراء وغيره.. لا أدرى لماذا قفزت تلك القضية إلى ذهنى خشية أن يأتى يوم كذلك اليوم، خاصة مع غياب معايير اختيار القيادات (وهى بالتأكيد غير آلية الانتخاب) التى بُح الصوت لمعرفتها دون إجابة، والتى هى أدنى درجات الشفافية. فى هذا السياق، وبمناسبة تعدد الاجتماعات التى يتوالى عقدها من مختلف الأطياف، أتساءل عن معايير اختيار حضور الاجتماعات التى تُعقد دون أن يتم الإعلان عنها إلا بعد عقدها، وهى اجتماعات مؤسسة لفكر المرحلة على ما أعتقد حيث إنها تستدعى الحرص على معرفة أسباب الاستجابة أو الاعتذار عن الحضور، حيث تناقلت صفحة الحزب الحاكم على شبكة الإنترنت اهتمام الرئاسة الشخصى بالاتصال بإحدى المتغيبات فى اجتماع أهل الفن بالرئيس لمعرفة أسباب عدم استجابتها للدعوة والحضور للقاء الرئيس، وهو نهج طيب يجب تعميمه على كل الاجتماعات، خاصة إن تم معرفة دعاوى ومعايير اختيار حضور تلك الاجتماعات مسبقًا! فى هذا الإطار يأتى التساؤل عن معايير اختيار من ذهب من رجال الأعمال مع الوفد الرئاسى للصين، وهل طالتهم شبهة الفساد أو التربح التجارى بعيدًا عن فكر الصناعة التنموى؟، القضية أننا نحتاج إلى هدف قومى تتفرع منه عدة مشروعات وآليات قومية وهو ما لم يحدث حتى الآن.. هذا الهدف وتلك المشروعات والآليات هى التى تحدد وجهة الوطن؛ لا ما يُعرض عينًا؛ فنحن ثم نحن من يحدد وجهة الوطن؛ وهو أمر لابد أن تواكبه الشفافية والعدل وقطع منابع الفساد، وهى أمور حدية، لابد من القيام بها اليوم وليس غدًا.. وفى هذا الإطار استوقفنى خبر إنشاء قطار سريع بين القاهرة والإسكندرية يقطع المسافة فى أربعين دقيقة، رغم أن الأجدى هو توجيه ذلك لتحسين قضية المرور داخل العاصمة؛ لأن ما يتم توفيره من وقت لا يتناسب مع تكلفة المشروع، خاصة أن ذلك التوفير يعتبر جزءًا ليس بالكبير حينما نحسب الزمن الكلى للرحلة من أحياء القاهرة لأحياء الإسكندرية! أما كان الأجدى إذا كان قد فُرض علينا إنشاء خط للسكك الحديدية أن نبدأ بالصعيد الذى يعانى منذ عقود من الإهمال؟ فى نفس الوقت استوقفنى خبر إنشاء مدينة سياحية فى الساحل الشمالى، فى وقت نحتاج فيه إلى صناعة وزراعة تندرج تحت هدف قومى معلن واضح صريح، وهو ما نفتقده للأسف.. أخشى أن نجنح إلى مظهرية إنشاء مراكز الحاسبات التى ابتلينا بها منذ عقود، حيث كانت أحد مجالات الفساد والإفساد لكونها بلا أهداف، وأخشى ما أخشاه أن نستمر على هذا المنوال! وفى إطار البحث عن هدف قومى أتساءل عن صناعة حقيقية بجانب قلاع الصناعة الحالية المتمثلة فى صناعة اللب والمعجنات والفطائر وغيرها من المسليات المبكيات، والتى قامت على أنقاض بدايات صناعات مصرية لولا الفساد لارتفعت بالأمة!، لن تتحدد الأولويات إلا من خلال هدف قومى وما عدا ذلك مسكنات قد تنجح وقد لا تنجح فى مضمار مقامرة بالوطن!، ورغم ضبابية المشهد السياسى والتنموى الحالى إلا أن الوطن لابد له أن يسير للأمام. فى أعقاب ثورة يوليو جرت حركة تطهير استبدلت بمن شملتهم الحركة ضباطًا، وبصرف النظر عن تقييمنا للأمر لكن الشىء المؤكد هو وجود معيار للاختيار حتى إن اختلفنا حوله، وهو ما يغيب عن الساحة اليوم، فلا نجد معيارًا للتطهير، كما لم يتم وضع أى معيار لمن يتولى مناصب الدولة! ولنكمل الصورة بالتعجب ممن يتصدر الساحة وأتساءل: من أين لهم الوقت للتواجد المستمر فيها؟، وهل لهم عمل يتعيشون منه يقتطع من وقتهم الكثير أم مم يتكسبون؟، ألا يستدعى هذا النظر لمن يتاجر بالوطن ويتكسب من هذه التجارة التى كان يقوم بها الحزب المنحل؟، وفى مضمار العمل والإفساد يتساءل المواطن العادى: ما هو العمل الذى يدر على صاحبه الملايين فى مصر بقوانينها التى تقتل الإبداع سوى: المخدرات والجنس وتجارة الأراضى والفساد، وكلها لا تضيف للناتج القومى الإجمالى إلا سلبيات؟، أتناسينا أن القضية قضية تنمية والتى تبدأ وتنتهى بالعدل وبالقدوة فى العمل؟، فى أول اجتماع لمجلس الوزراء الفرنسى خفض أولاند، رئيس فرنسا، دخله ودخل جميع الوزراء (حيث الدخل هو المرتب فقط) بمقدار 30% ليصبح أحد عشر ضعفًا للحد الأدنى للأجور فى فرنسا، فكان قدوة فهل لنا أن نقتدى؟، وهل لنا أن نفض اشتباك قضية الدخل والمرتب؟، وهل لنا أن نحدد الحد الأقصى لدخول وليس لمرتبات موظفى الدولة وهيئاتها وشركاتها المختلفة جميعهم ضمن إطار من الشفافية؟، وهل لنا؟ وهل لنا؟ أمور كثيرة أتمناها ولا أتوقع مجيئها اليوم قبل الغد إلا إذا....! ورغم ذلك أردد قول شاعرنا المتنبى منذ أكثر من ألف عام: عَلَى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتِى العَزائِمُ:: وتَأتِى عَلَى قَدرِ الكِرامِ المَكارِم وتَعظُم فى عَينِ الصّغِيرِ صِغارُها:: وتَصغُر فى عَينِ العَظِيمِ العَظائِمُ أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]