كانت دول الاتحاد الأوروبي ومازالت تدعي ضرورة محاربة الفساد. كانت ومازالت تنادي بالشفافية.. وكانت دائماً تشكو من انتشار الفساد في مصر.. هكذا كانت ومازالت تتشدق أوروبا.. ولكن الواقع يعكس خلاف ذلك تماماً. الوقائع عديدة لعل أهمها ما يتعلق ب»بيت العنكبوت« المسمي بمركز تحديث الصناعة .. هذه الوقائع يتذكرها وزير الصناعة الأسبق د. مصطفي الرفاعي الذي تعرض لهجوم شديد من مفوضية الاتحاد الأوروبي واتهم صراحة بأنه يعطل برنامج تحديث الصناعة المصري.. هجوم الاتحاد وصل إلي حد التهديد بتوجيه الأموال المخصصة للبرنامج إلي مشروع آخر في أي دولة من دول البحر المتوسط .. كل ذلك لكون د. الرفاعي خاطب مفوضية الاتحاد بالقاهرة وأبلغها بأنه قرر فرض رقابة مالية علي حسابات البرنامج وأنه اختار لهذه المهمة ممثلاً لجهاز المحاسبات ووكيل وزارة الصناعة للشئون المالية والاقتصادية. كان ومازال رأي وزير الصناعة الأسبق أن الرقابة المالية مبدأ معمول به دولياً، وهو مبدأ واجب التطبيق طبقاً للقانون عندما تزيد مساهمات المال العام علي 52٪ كما هو الحال في برنامج تحديث الصناعة! وهنا يشير د. الرفاعي إلي حدوث نوع من الانزعاج الشديد من مطلب مصر القانوني! إنه انزعاج من دول تدعي ضرورة محاربة الفساد وتنادي بالشفافية وتعتبر من حقها التدخل في شئوننا الداخلية لحماية الحريات والديمقراطية وتشكو من انتشار الفساد في مصر بينما هي ضالعة فيه! إيه الحكاية يا دكتور مصطفي قال: لقد تم توقيع اتفاق التمويل للبرنامج أول ديسمبر 8991 وقد وقعه عن الجانب المصري وزير الصناعة والثروة المعدنية ووزير التعاون الدولي في ذلك الوقت. وقد نص الاتفاق علي ألا يتجاوز تمويل الاتحاد الأوروبي 052 مليون يورو خلال 5 سنوات وأن تلتزم الحكومة المصرية بتمويل هذا المشروع بمبلغ لا يتجاوز 301 ملايين يورو وتساهم شركات القطاع الخاص التي تتقدم للاستفادة من البرنامج بحوالي 51٪ من قيمة تعاقد كل عملية. وما طبيعة العمليات التي قدمها البرنامج لشركات القطاع الخاص؟ قال د. مصطفي الرفاعي: لم تكن هذه العمليات في إطار مخططات قطاعية لتحديث قطاعات مهمة من الصناعة المصرية، بل اقتصرت علي تأجير فنيين من خلال مكاتب توظيف أوروبية يتقدم إليها الباحثون عن وظائف مؤقتة لعمل دراسات شاملة للمصانع التي تتقدم للاستفادة من البرنامج. ولم تقتصر الدراسة علي الجوانب الفنية بل امتدت إلي الأمور المالية والكوادر والأسواق والخطط والسياسات، وآلت الملكية الفكرية لهذه المعلومات إلي الاتحاد الأوروبي . أعمال تجسس أضاف مشيراً إلي أنه إذا كان الهدف من هذا المسح هو التشخيص ووصف العلاج فإن المعلومات التي حصل عليها الاتحاد مملوكة للمنشأة الصناعية وإتاحتها للغير من دول وشركات منافسة هو في رأيي عمل من أعمال التجسس الصناعي غير المسموح به قانوناً في الدول الصناعية، ويؤكد ذلك أنها وردت في الاتفاق تحت بند الملكية الفكرية، أي أنها معلومات كان يجب أن تخضع لقوانين حماية الملكية الفكرية التي تصر علي فرضها وتطبيقها الدول الصناعية علي الدول النامية. وهل كان لهذا البرنامج أهداف أخري؟ قال: أهداف هذا البرنامج هي ذاتها أهداف تمويل بعض التشكيلات التي نشأت بعد ثورة 52 يناير من غير الثوار وممن يتاجرون بدماء الشهداء لخلق واقع جديد علي أرض مصر وتسمونهم خطأ في الصحف بالقوي السياسية. هذه الأهداف تتمثل في تقليص دور الدولة وإضعافه واختراق المجتمع بخلق مجموعات من أصحاب المصالح ترتبط مصالحها بالاتحاد الأوروبي وتنشط ضد الحكومة وتتحول إلي مجموعات ضغط ترفض أن يكون للدولة دور القيادة، وبذلك يكون الولاء لمن يدفع وهذا ما حدث، وكان أحد شروط البرنامج أن تكون الوحدات الصناعية المشاركة في البرنامج مملوكة للقطاع الخاص بالكامل.. والهدف الآخر يتمثل في تغيير سياسات الدولة بما يتفق مع رغبات الاتحاد الأوروبي، حيث نص الاتفاق علي إنشاء وحدة تسمي »وحدة إصلاح السياسات« تكون جزءاً من مركز تحديث الصناعة، وينفذ ذلك 4 مستشارين أوروبيين لوزارة الصناعة يتبعون الوزير مباشرة، والحقيقة أنني لم أصادف مثل هذا في السابق ولم أسمع به إلا في ما يسمي »ببلاد الموز«، وكان ردي أن السياسات الصناعية وغير الصناعية هي من صميم اختصاص الدولة المصرية، ونستشير في ذلك من نشاء من خبراء العالم بما في ذلك الاطلاع علي تجارب الدول المثيلة التي حققت نجاحاً في ذات المضمار. تجربة تونس وكيف كانت التجربة التونسية لتحديث الصناعة؟ قال: لقد تم استدعاء سليم التلاتلي مدير مركز تحديث الصناعة التونسي إلي مصر موفداً من الأممالمتحدة لإفادتنا عن التجربة التونسية، والذي قال: لقد أدركنا من الوهلة الأولي أن تحديث الصناعة الوطنية يجب أن يكون مشروعاً وطنياً يتولاه مركز تحديث صناعة مشكل من تونسيين، فهم أدري بمشاكل الصناعة ومتطلبات التحديث وبالقطاعات الواجب التركيز عليها وبالبرامج المطلوبة لإعداد وتطوير الكوادر، وأفاد بأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي انتهت إلي توفير مساهمة من الاتحاد الأوروبي منسوبة إلي تعداد تونس بواقع 05 يورو للفرد، وقالوا للاتحاد: سنوجه نحن الإنفاق علي برنامج تحديث الصناعة أما مساهمتكم فنسنستخدمها في أنشطة أخري تتولاها الدولة مثل التعليم وإعداد الكوادر والبنية الأساسية وتمويل مشروعات صغري للعاملين الذين يتم الاستغناء عنهم وإحالتهم للتقاعد المبكر نتيجة لتحديث الصناعة أو إغلاق بعض المصانع التي لن يكون لديها قدرة تنافسية بعد فتح الأسواق. كما طلبوا من الاتحاد الأوروبي أن يعوض خزانة الدولة عن فاقد العائد من الرسوم الجمركية نتيجة الدخول في منطقة حرة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، وتم لتونس ما طلبته. وأضاف د. الرفاعي قائلاً: المعروف أن الصناعة التونسية تختلف في تركيبها عن الصناعة المصرية حيث إنها تركز علي صناعات كثيفة العمالة مثل الملابس وصناعات غذائية مثل زيت الزيتون بمواصفات عالمية وبأسعار تنافسية وتصدرها بنجاح إلي أوروبا وغيرها. ولكن لم يتيسر لمصر إدخال أي تعديلات علي الاتفاق لاعتماده من مجلس الشعب، وأطلق الاتحاد الأوروبي حملة إعلامية وسياسية عنيفة ضد وزير الصناعة المصري عندما استفسر عن المكون التكنولوجي وطلب تعديل بعض نصوص اتفاقية الشراكة الأوروبية، وساند الاتحاد في هذه الحملة د. يوسف بطرس غالي والسفير جمال بيومي وآخرون! ألا يحتاج تحديث الصناعة إلي نقل التكنولوجيا إلي صناعتنا من الصناعات المثيلة في أوروبا؟ قال: نعم إلا أننا عندما بحثنا في الاتفاق الموقع عن نقل التكنولوجيا لم نجد ما ينص علي أي ربط بين الصناعة المصرية والصناعة الأوروبية يسمح بنقل التكنولوجيا حيث اقتصر ذكر المساعدات الفنية علي الاستعانة بخبراء أو فنيين يتم توظيفهم بعقود مؤقتة بواسطة مكاتب التوظيف. أي لم يكونوا منتدبين من شركات صناعية بل من الباحثين عن عمل في سوق العمل شأنهم شأن مدير مركز تحديث الصناعة الذي تم اختياره، وقد أعلنت اعتراضي علي خلو الاتفاق من توطين التكنولوجيا الصناعية خلال اجتماع لوزراء صناعة دول البحر المتوسط! وكيف كان يتم اختيار هؤلاء الفنيين أو الخبراء؟ رد: كان يتم ذلك بواسطة الاتحاد الأوروبي مباشرة ببروكسل بناء علي مناقصات محدودة بين مكاتب التوظيف دون تدخل من الجانب المصري، وعندما طلبنا الاشتراك في لجنة اختبار المتقدمين لعضوية المواقع الرئيسية لمركز تحديث الصناعة قوبل ذلك بالرفض، مما عجبت له واتخذت موقفاً حياله ثم وافقوا علي أن يحضر ممثلون لوزارة الصناعة هذه الاجتماعات كمراقبين دون أن يكون لهم حق التصويت. كما وافقوا علي أن يحضر لمقابلتي المختارون لرئاسة مركز تحديث الصناعة في حضورهم بمكتبنا »علي سبيل المجاملة« علي حد قولهم! وعجبت من هذا التعالي من موظفين حكوميين بالاتحاد لا يملكون الخبرة الدولية والمعرفة التقنية التي أملكها! خلال توليكم وزارة الصناعة والتنمية التكنولوجية صدرت تصريحات من مفوضية الاتحاد الأوروبي بأنك تعطل برنامج تحديث الصناعة.. ما رأيك؟ قال: في الواقع ان الاتحاد الأوروبي هدد بإلغاء هذا البرنامج وتوجيه الأموال المخصصة له إلي مشروع آخر في أي دولة من دول البحر المتوسط. حدث ذلك عندما خاطبت مفوضية الاتحاد في مصر بتكليفنا لممثلين للجانب المصري للاطلاع علي حسابات البرنامج وإنفاقه، واخترت لهذه المهمة ممثلاً للجهاز المركزي للمحاسبات وكيل وزارة الصناعة للشئون المالية والاقتصادية. ولكن الانزعاج كان شديداً من مطلبنا القانوني، والغريب أنه كان من دول تدعي ضرورة محاربة الفساد وتنادي بالشفافية وتعتبر من حقها التدخل في شئوننا الداخلية لحماية الحريات والديمقراطية وتشكو من انتشار الفساد في مصر بينما هي ضالعة فيه! وأكد ذلك وجود أجندة خفية لنشاط برنامج تحديث الصناعة وأن إنفاق الأموال يتم لأغراض لا علاقة لها بتحديث الصناعة، وهي أنشطة برع فيها المدعو مستر بيير الهندي الأوروبي الذي يحمل جواز سفر بريطاني والذي كان متخصصاً في تجنيد العملاء وشراء الذمم بالمال واختراق المجتمع المصري، كان تهديد الاتحاد بإلغاء البرنامج عنيفاً وصريحاً وتم إبلاغ وزير الخارجية المصري به رسمياً، وأخبرني به علي التو، وأوقفت هذه المهمة حيث إن الموقف لم يكن يحتمل أي تصعيد! تشدد أوروبي ولقد أخذت المفوضية الأوروبية أيضاً موقفاً متشدداً رسمياً آخراً عندما رفضت استخدام دورين بمبني الوزارة بقصر الدوبارة مجهزين تجهيزاً كاملاً كمكاتب لمركز تحديث الصناعة، وأفدناهم أن هذين الدورين سيكون لهما مصعد خاص ومن مدخل خاص غير مدخل الوزارة ويمكن عزلهما تماماً عن باقي الأدوار، وكان ذلك بغرض توفير مساهمات عينية للبرنامج تخفض من المساهمات المالية كطلب وزير المالية في ذلك الوقت د. مدحت حسنين. وأخبرناهم بأننا سنوفر لهم اتصالاً الكترونياً بمركز معلومات هيئة التصنيع للاستفادة من قاعدة البيانات التي قمنا بتطويرها واستكمالها بنسبة 001٪. »لم يكن ذلك في قائمة اهتماماتهم« لكنهم ادعوا في رفضهم هذا العرض رسمياً أن الصناع لن يتعاملوا مع مركز تحديث الصناعة في حالة تسكينه بمبني الوزارة. وأن الأجندة الخفية تطل برأسها مرة أخري في رفض الانخراط في المنظومة ورفض الشفافية والسعي لتجنيد عملاء وتابعين، في الوقت الذي نص فيه الاتفاق علي أن وزارة النصاعة هي المستفيد من البرنامج! وقد اختارت المفوضية موقعاً آخر بتكلفة باهظة وأنفقت علي تجهيزه الملايين من أموال المشروع وطالب بذلك ثروت آدم رئيس المركز، الألماني الشرقي المصري من أبناء التبين وخريج مركز الكفاية الإنتاجية قبل هجرته إلي ألمانياالشرقية والذي لم يكف عن التطرف في المواقف لتأكيد ولائه للاتحاد الأوروبي معلناً أنني السبب في فشله.. وصدقه من صدقه إلي أن فصله أحد مؤيديه وهو الوزير علي الصعيدي بعد 6 شهور من توليه الوزارة بعدي! ماذا حدث لمركز تحديث الصناعة بعد انتهاء مدة الاتفاق؟ قال: أكثر من 6 سنوات مضت علي انتهاء اتفاق التمويل المحدد، وأصبح تمويل هذا المركز بالكامل من الخزانة المصرية يتبع وزير الصناعة والتجارة الخارجية ولا يتبع الوزارة، توالي علي رئاسته مجموعة من المقربين ومن دائرة الثقة من رجال الأعمال في ظل ضوابط إنفاق مجهولة ونتائج نشاط غير معروفة!.. وأضاف قائلاً: الا أنه كان مفيداً لذوي الحظوة من المقربين الذين استفادوا من أمواله بالتربح أو بالحصول علي مرتبات ومكافآت سرية خيالية وشبكة فساد عنكبوتية زرعها الاتحاد الأوروبي وترعرع في أوكارها نوعية جديدة من الشباب بقيم فاسدة مع قوة المال وتستظل بالسلطة!