عقدت ورشة الزيتون أمس ندوة لمناقشة كتاب "المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة" لمؤلفه الباحث حاتم الجوهري، حيث تناول الكتاب بالتحليل كل من الدكتور فتحي أبو العنين أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان منسق الجمعية الوطنية للتغيير، والباحث مصطفى الجمال رئيس تحرير مجلة الطليعة 21، وأدار اللقاء الكاتبة سامية أبو زيد. تحدث د. فتحي أبو العنين في البداية وأشاد بجهد الكاتب وأطروحته النظرية، وقال إنه وضع عينا على التاريخ، وعينا على الراهن وهو يكتب كتابه، يسترشد في منهجه بجمع الملاحظات الصغيرة، وتصنيفها ومقارنتها بما هو تاريخي، حتى استطاع أن يصل لأطروحة نظرية تتحدث عن فكرة التكيف كفلسفة أجبرت الظروف المصري على اتباعها، لأن مجمل الظروف والسياق التاريخي لم يعطه الفرصة لغير ذلك، وفرضت على ثواره وأهله الشقاء على طول التاريخ، وجعلت – كما أشار الكاتب – نمط حياتهم صعبا على الاتباع، مرتبطا بالخسارة، وحرمتهم من "الدمج والتسكين" في بنية المجتمع. واستطرد حديثه مبينا أن الثوار تعرضوا على مدار ثورات الشعب المصري، للتشويه من جانب الاستبداد/ الاحتلال، وأشار لارتباط المستبد بالمحتل، وتداخلهما على مدى أطروحة الكتاب، خاصة في مواجهة ثورات طليعة الشعب المصري، التي تطالب هي وثوارها "بالقيم الإنسانية الأعلى"، ناهيك عن "الثورات الشعبية" أو ثورات "عموم المتكيفين" – كما أسماها المؤلف – التي ترتبط بالمساس بأحد حدوده الثلاثة: الطعام والاقتصاد، والدين والمقدس، والمرأة وشرفها، موضحا أن الكتاب حاول التمييز بينها وبين ظروف وشرطيات كل منها، مبينا علاقة النخبة الثورية بجموع الشعب، وباحثا عن الشكل الأفضل والأمثل لهذه العلاقة. وذكر أن الكتاب يقدم في أطروحته النظرية آلية للتغيير، تحاول الانتصار على فلسفة التكيف، وتقديم نموذج قيمي مغاير لها يعتمد على دور الثوار، وسعيهم لتقديم آليات وأدوات عمل تخلق "حالة تحررية" تؤدى لحدوث "لحظة تمرد كبرى" من كتلة كبيرة من الشعب المتكيف قديما – مثلما حدث في ثورة 25 يناير، ثم يتم استخدام "تكرارية لحظة التمرد" حتى نصل لحالة المجتمع القيمى الفعال، الذي يقوم على "القيم الإنسانية العليا": العدل، الحرية، المساواة، تكافؤ الفرص، والكرامة الإنسانية بكل شروطها، كما تسعى كل الثورات. ولفت د. فتحي انتباه الحضور إلى أن الكاتب في أثناء كتابته لأطروحته؛ كان وكأنه يتنبأ أو يستبشر مستقبل الثورة المصرية، فهو يعلن في نهاية كتابه أن تصوره للثورة على منظومة قيم التكيف، لم ينجح ولم يتحقق بعد في الثورة المصرية، والمدهش أن الكتاب موقع بتاريخ مارس 2012 في ظل حكم المجلس العسكري، إلا أنه يتحدث عن ست مراحل مستقبلية لنجاح الثورة واستقرار منظومة القيم الجديدة! ثم تحدث المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وتأثر في مداخلته كثيرا بالوضع السياسي الراهن، وتساءل عن قدرة الشباب على تخطى الأزمات، وقدرتهم على اكتساب المهارات السياسية في مواجهة نخب تجيد فن المناورة وتسعى لكسب المشهد لصالحها، موضحا أن أطروحة الكتاب قد تعبر لحد بعيد، عن الروح المثالية للحالة النقية لفكرة الثورة عبر التاريخ، لكن الثوار يجب عليهم أن ينحازوا في لحظة ما لخطاب سياسي بعينه. وقال إن فكرة الأيديولوجية قد تعرضت لكثير من التشويه سواء بسبب بعض الممارسات من جانب البعض أو بسبب النظام القديم، أو بسبب الحالة العامة التي كان النظام الرأسمالي العالمي يسعى لترويجها في مواجهة الأيديولوجية الاشتراكية. وفى كلمات قليلة وجه الباحث حاتم الجوهري الشكر لجميع الحضور وللمناقشين، موضحا أن سياق حديثه عن الحركة الطلابية الناشئة في عام 2000م، يأتي في سياق تعاقب وتداخل حلقات التاريخ المتصلة وليست المنفصلة، وبوصفه جزء من المشهد التاريخي المصري الوطني، وقال إن الشباب ينحازون بالفعل لكل المهمشين والمستبعدين من "الدمج والتسكين" الاجتماعي في النظام المستبد القديم، وذلك كان باديا في شعاراتهم الأولى لثورة 25 يناير. وأوضح أن فكرة "الثورة القيمية" التي يطرحها الكتاب، لا تتعارض مع فكرة الصراع الطبقي ووجوده، لكنها ترى فيه دور "الاستبداد" الذي ينشا "تراكم الثورة" عند من يتكيف ويرضى بالقيم الإنسانية الأدنى التي يطرحها، في مقابل حرمان الثوار واستبعادهم من "الدمج والتسكين"، فأساس خلق الطبقة هو خضوع البعض لقيم الاستبداد والسلطة بما يجعله يدمج في شبكة المصالح؛ لذا فالأساس في خلق الطبقة هو تكيف قيمي من قبل البعض مع منظومة التكيف والفساد، ورفض قيمي من قبل الثوار والمناضلين لتلك المنظومة. وأكد "الجوهري" أن القيمة والمادة يتداخلان في الواقع بشكل يختلف بعض الشئ عن الأطروحات النظرية الأيديولوجية المجردة. واختتم حديثه بأن المشهد السياسي المصري لم يقل كلمته الأخيرة بعد، وأن الطريق لنجاح الثورة مازال طويلا . رابط دائم :