أثارت ندوة "مركز الدرسات الاجتماعية" التابع لجامعة القاهرة حول كتاب: المصريون بين التكيف والثورة، بحثا عن نظرية للثورة للباحث حاتم الجوهرى، جدلا ونقاشا بين كافة الحضور، حول الأطروحات الكلية للكتاب، وكذلك حول بعض التفاصيل التى يتناولها فى بناء طرحه النظرى والتاريخى. حيث أوضح الباحث حاتم الجوهري في بداية النقاش بداية الإطار العام لفكرة التمرد والثورة عند المصريين فقال أن هناك من دافع عن فكرة: التكيف والتعايش عند المصريين، ونظر لها من جانب الذكاء الاجتماعي والتصور الواقعي للأمور، وكذلك اعتبر أنصار هذا الرأى الواقعى أن فكرة الانتظار المرتبطة بالطبيعة الزراعية التاريخية لمصر يمكن أن تأول بشكل جيد، وتوضع فى سياق الظروف الطبيعة التى فرضت على الشعب المصرى..
وأضاف الباحث لم يتفهم أنصار هذا التيار فكرة الفعل الثورى الذى قد يؤدى للموت، واعتبروا – من وجهة نظرهم- أن هذا الفعل الثورى يعد انتحارا، ويعبر عند الثوار عن حالة من الاحباط أو اليأس العام التى قد تدفعهم لمثل هذا السلوك، ولم يقبل أنصار هذا التيار الواقعى أن يدرج الفعل الثورى تحت بند: التضحية أو الفداء أو الإخلاص أو الإيمان بالفكرة ما..
سمات الشخصية المصرية
و أكد أن أنصار هذا التيار يحبز منهج الأحكام الكلية والتعميمات، التى ترصد الصفات والسمات الغالبة على الشخصية القومية لشعب ما (مثل الشعب المصرى)، أو محاولة توصيف السمات الاجتماعية وتبويبها وفهرستها وقياسها عموما، لأن ذلك – من وجهة نظرهم- قد يعد قسرا أو تعسفا وإعمالا لمبدأ التعميم، والاستنتاج للوصول لأطر كلية قد لا تعبر عن الجميع..
ولكن فى نفس الوقت حضر الطرف الآخر؛ وهو الطرف الذى دافع فكرة الثورة ودور الثوار المخلصين فى تغيير مصير الأمم؛ ومحاولات الثوار عبر التاريخ لتغيير مصر للأفضل، واستشهد أنصار هذا التيار ببعض الجماعات السياسية التاريخية، التى كان أثرها واضحا فى تغيير مصر عبر العصور المختلفة..
ودافع أنصار هذا الثوار عن الفعل الثورى وتبنوا تعبير الكتاب الذى أسماهم "المؤمنين بالقيم الإنسانية العليا"، مضيفين إن الذين يموتون فى الثورات والمواجهات لابد وأن لديهم إيمان يحركهم، ويدفعهم للثبات فى أماكنهم.. واستشهدوا بعدة أمثلة من الأحداث الراهنة وبعض تفاصيلها.
كما تحدث أنصار هذا التيار عن واقعية فكرة السمات الغالبة على الشخصية القومية لكل بلد، واستشهدوا هنا بالشعب المصرى والشعب الإسبانى، من حيث التشابه والاختلاف فى بعض الظروف الطبيعية والجغرافية، التى أدت للاختلاف فى الفعل الثورى لكليهما فى نفس الفترة التاريخية التى تحدثوا عنها.
قيم تكيف المجتمع مع الثورات
وعلى مستوى التفاصيل والأطروحات الجزئية التى تناولها الكتاب، ثار الحديث عن دور سلطة "الدمج والتسكين" الاجتماعى التى تتركز فى يد الجهاز "الإدارى والأمنى" عبر التاريخ، ودورها فى تنميط المصريين وتكييفهم مع الاستبداد والقهر، حيث اعتبر المؤلف أن الأداة التاريخية لفرض منظومة "قيم التكيف" فى مصر كانت تتمثل فى الجهاز الإدارى والأمنى للدولة – والتى ما تزال قائمة للآن- بما تملكه من سلطة دمج وتسكين المصريين فى النظام الاجتماعى والاقتصادى أو حرمان من تمرد من ذلك، وتحدث د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة عن فكرة: امتزاج واندماج أداة التكييف تلك فى بنية المجتمع الأساسية..
كما ثار الحديث عن فكرة الدافع للثورة عند قطاعات البشر وفئاتهم، بين: غالبية يكون سلوكها وفعلها رد فعل طبيعى، وواقعي لظروف المجتمع ترضى بها إن لم تقدر على تغييرها، وبين: الأفراد ذات الطبيعة المتمردة التى ترفض الخضوع تحت أى ظرف، حيث طرح البعض تقسيم المؤلف للمجتمع من وجهة النظر الثورية لثلاثة أطراف: مستبد و متكيفون وثوار، وأكدت د. سامية قدرى على دور الثوار فى مواجهة الاستبداد وتفعيل فكرة الثورة والتمرد. وتعرض المؤلف لفكرة الطبقة ودوافعها الثورية؛ قائلا أن دوافع الطبقة للثورة ظرفية وإلى حين، قد ترتبط بحصولها على ما يرضيها من المصالح من المستبد؛ لكن طليعة الثورة والتمرد تكون دائما من الأفراد، أصحاب الرفض للقهر والظلم والسعى للحرية و المطالبين ب"القيم الإنسانية الأعلى" من داخل كل الطبقات على تنوعها، إلا أن دوافع التمرد تزيد عند الفئات التى تتعرض للظلم، لكن الثورة لا يقوم بها أو يطالب بها إلا الأفراد أصحاب "القيم الإنسانية الأعلى"، التى لا ينجح الاستبداد فى شراء سكوتها ببعض المنافع ومغريات "الدمج والتسكين" الاجتماعى.
قيم المقاومة وتصدي السلطة لها
وطرح مفهوم المؤلف لفكرة "إيمان الطقوس والمظاهر" و "إيمان القيم المقاومة" للنقاش، من حيث قابلية المجتمع المصرى تاريخيا لنمط دينى –قديما وحديثا- يعتمد على مقاربة الشكل الخارجى والطقوس الأدائية، وصعوبة اعتماده على مقاربة المفهوم القيمى لنمط دينى فى مواجهة مجتمع مقهور ومستبد به، حيث وضع المؤلف نمط تدين المصريين فى إطار طبيعة التكيف والخضوع للظروف القاهرة.. وقارن البعض بين مفهوم الصوفية ومفهوم السلفية لنمط التدين الخاص بكل منهما فى سياق تناول المؤلف، الذى أوضح الاختلاف بينهما فى مسألة الإيمان والسلطة والعبادات، حيث ترتكز السلفية بشكل أساسى على العبادات والمظاهر الأدائية الظاهرة فى نمط تدينها نوعا، ولا تفعل الصوفية ذلك من حيث اعتمادها على العلاقة الخاصة والخفية بين العبد وربه، أما من جهة السلطة فقد يقتربا فى المقاربة التى لا تقوم على المواجهة والتمرد والثورة، ولكنه أشار للاختلاف بينهما، حيث نجحت السلفية لحد بعيد فى مصر–النظام القديم- لأنها لم تقدم غالبا نمط تدين يعتمد فى مقاربته على المواجهة لقيم الاستبداد والفساد.
وتحدث البعض عن تصور المؤلف للحضارة المصرية القديمة، ومفهومه للحضارة من حيث كونها: مجمل العلوم الحياتية المتراكمة وانتقالها من جيل لجيل، وارتباط العلوم والمعارف بفئة الكهنة مما جعل العديد من العلوم المصرية القديمة وغالبيتها تتعرض لعملية الانقطاع والضياع؛ بينما استشهد البعض ببعض الآثار الباقية من حياة الفراعنة فى العصر الحديث، مثل الرسوم فى بعض المناسبات على البيوت المصرية، واستخدام بعض الموتيفات المعمارية المصرية القديمة فى مراحل مختلفة من المعمار المصرى إلى يومنا هذا؛ لكن المؤلف أوضح أن هذه الأمثلة لا تعبر عن فكرة انقطاع العلوم الحقيقية مثل الفلك: والهندسة وبعض أسرار الطب! وأن الذى بقى لدى عموم المصريين من علوم قديمة هو الذى ارتبط فقط بالحياة اليومية لهم، مثل علوم وتقنيات الزراعة.
وأشاد بعض الحضور بجهد المؤلف فى نحت مجموعة من المصطلحات المتعلقة بالثورة وبنيتها النظرية واللغوية، والعلاقة العضوية والترابط بين العديد من هذه المفردات والمصطلحات؛ و تحدثت د. منال فى هذا الشأن..
الدور التاريخي للحركة الطلابية
وفي الختام كان اللقاء عامة فى جو من الود والدفء، الذى لم يفسده مطلقا اختلاف وتنوع وتباين الأراء ووجهات النظر، التى عبرت عن تنوع الطبيعة البشرية فى اختياراتها وطبيعتها وتعبيرها عما تؤمن به، وتخلل الندوة بعض الحديث عن الأوضاع الراهنة، ودور الحركات السياسية والحراك الثورى والشبابى والدور التاريخى للحركة الطلابية التى خرجت عام 2000م (دعما لانتفاضة الأقصى) فى بنية الثورة المصرية، وكذلك دار الحديث عن بعض الشخصيات السياسية مثل: عبدالحليم قنديل والراحل د. عبد الوهاب المسيرى، وحركة 6 أبريل، ودور وسائل الاتصال الحديثة وجيل الحركة الطلابية بداية من: البريد الإلكترونى، والمجموعات البريدية، والمدونات، وصولا ل"الفيس بوك".. وطرح على عجل مستقبل الثورة المصرية بين: الأفول والتنميط والتكييف، وبين: الاستمرار والنجاح والمواصلة.
والجدير بالذكر أن مركز الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة القاهرة، يرأسه العالم الأكاديمى المعروف وأستاذ علم الاجتماع السياسى د. أحمد زايد عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة الأسبق، والذى كتب مقدمة الكتاب وأشاد فيه بجهد المؤلف المتميز؛ فى التأسيس لنظرية للثورة، ترتبط باختراق منظومة التكيف التاريخية عند المصريين.