أصدر الباحث حاتم الجوهري كتابه الجديد بعنوان "المصريون بين التكيف والثورة" ضمن سلسلة كتابات الثورة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، بتقديم د. أحمد زايد . الكتاب الذي يتألف من 240 صفحة من القطع المتوسط، يقدم مؤلفه رؤية لمنظومة القيم التاريخية عند المصريين، ويرصد أسباب نشأتها، ويتحدث عن فلسفة "التكيف" كعقيدة اجتماعية تاريخية؛ أجبرت الظروف غالبية المصريين البسطاء والمقهورين على الانضواء تحت لوائها.. لكن من جهة أخرى يتحدث المؤلف عن "أصحاب القيم الإنسانية الأعلى" أو "الثوار" الذين كانوا يرفضون الخضوع للمحتل/المستبد عبر الزمان، ويتمردون على منظومة قيم التكيف القاهرة. حيث يتعرضون للاضطهاد والحرمان من عملية "الدمج والتسكين" الاجتماعى فى بنية المجتمع المصرى، عكس من يرضى ويتكيف ويحظى بالتسكين ويجد مكانا له فى الدولة المصرية، التى يسيطر عليها الجهاز الإداري والأمني التابع للمحتل/المستبد منذ فجر التاريخ.. مما يجعل المؤلف يتحدث عن صراع تاريخي أزلي فى مصر بين: المستبد/ المحتل من جهة، وبين الثوار أو "المؤمنين بالقيم الإنسانية الأعلى" عبر التاريخ من جهة أخرى، لا يحاول المؤلف الانتصار لفكرة أيديولوجية مسبقة ما على حساب أخرى، فلا يعطى هؤلاء "الثوار" بعدا قطريا مصريا، أو قوميا عربيا، أو اقتصاديا طبقيا، أو يربطه بتوجه دينى بعينه ينتصر لمرحلة تاريخية على حساب أخرى.. هو يراه طبيعة إنسانية فطرية تقدم ثوارا يؤمنون بقيم جماعية هى: "القيم الإنسانية الأعلى"، ويدخلون فى صراع -من أجل العدالة والمساواة والحرية وإتاحة الفرص للجميع- مع المستبد/المحتل عبر تاريخ مصر الطويل.
فالمؤلف يرفض التفسيرات التى تتحدث عن دافع الفقر والحرمان الاجتماعى كمحرك أساسى لثوار 25 يناير، ويؤكد على أن الثورة صنعتها "نخبة قيمية"، أو تجمع ل "المؤمنين بالقيم الإنسانية الأعلى" يتطلع لنمط حياة أرقى ومنظومة قيم تتمرد على منظومة "قيم التكيف" التاريخية عند المصريين، ويرى المؤلف أن هذه النخبة بدأت مع الحركة الطلابية المصرية التى خرجت لدعم الانتفاضة المصرية عام 2000م، ولم تكن نخبة مسيسة منتظمة فى الأطر السياسية المصرية التقليدية، فأدى تراكم آليات عمل هذه الحركة الطلابية– المستقلة فى غالبها- لأن انفصلت شيئا فشيئا وكونت تنظيماتها الاجتماعية المستقلة، التى أدت لثورة 25 يناير التى أيدها وتواصل معها العديد من "المؤمنين بالقيم الإنسانية الأعلى" من مختلف فئات الشعب المصرى، وتعاطف معها غالبية الشعب المصرى انتظارا لما قد تأتى به من منافع ومكتسبات اجتماعية له..
ويشرح المؤلف فى الفصل الأول جذور فلسفته عن "التكيف" ويقدم بنية نظرية لتطورها التاريخي فى مصر حتى أصبحت هى العقيدة السياسية الحاكمة لغالبية عموم الشعب المصرى، ومن ثم يرى أن الثورة يجب أن تكون ثورة قيمية تتخلص من أثر "منظومة التكيف" التاريخية عند المصريين وتطرح منظومة "قيم إنسانية أعلى" جديدة، وفى الفصل الثالث يقدم جوهر آليته للتغيير القيمى فى الشارع المصرى، من خلال آلية أسماها: الحالة التحررية، تعتمد على مجموعة من الخطوات تمثل ثلاثة مراحل رئيسية لصنع الثورة والانتصار على منظومة التكيف التاريخية، وهذه المراحل الثلاثة هى: بناء الحالة التحررية- لحظة التمرد الكبرى- تكرارية لحظة التمرد.
ويرى المؤلف فى الفصل الأخير أن الثورة المصرية لم تستقر ولم تنجح بعد، وان الصراع مازال قائما على أشده بين منظومة "قيم التكيف" القديمة، ومنظومة "القيم الإنسانية الأعلى" الجديدة، ويرى أن "النخبة القيمية" للثورة المصرية مازالت فى مرحلة اكتساب الخبرة السياسية، ولكنه يحذر من لحظة وصولها لليقين السياسى بعد فرز المشهد الموجود فى الواقع، كما يتحدث عن موجة ثورية تمثل تكرارا للحظة "التمرد الكبرى" لم تأت بعد، ويعطينا جدولا لانتصار وتمكين الثورة المصرية (الكتاب موقع بتاريخ مارس 2012) قسمه لستة خطوات: سقوط الرأس أو الرمز الفاسد - محاولة تغيير الرأس لمنظومة قيم التكيف والتنميط- تقديم وتوظيف الحلفاء أو المتعاونين من مجموعات المصالح- محاولة احتواء البديل السياسى للثوار- عزل الرأس الجديد للنظام القديم وإسقاطه- فرض منظومة القيم الجديدة وحالة المجتمع الفعال. إنما يخبرنا أن ذلك يتوقف على قدرة الثوار وسرعة اكتسابهم مهارات العمل السياسى وتطويرهم للبديل السياسى الخاص بهم.