ناقش "منتدى القراءة" برئاسة العالم الأكاديمي المعروف وأستاذ علم الاجتماع السياسي المرموق د.أحمد زايد عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة القاهرة، كتاب "المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة" للباحث حاتم الجوهرى، وذلك فى الندوة التى عقدت بمركز الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة القاهرة، وحضر اللقاء كل من الأساتذة د. سامية قدري، ود.منال زكريا، د. منى الحديدي، ولفيف من شباب الباحثين ورواد المنتدى، الذى يعقد ندوته الأسبوعية كل يوم اثنين فى تمام الساعة الرابعة.
بدأت الندوة بكلمة للدكتور احمد زايد تحدث فيها عن الفكرة الكلية للكتاب وإطاره العام، وتراوح الفعل الإنساني بين التمرد والثورة وبين التكيف والخضوع، ثم قام المؤلف بعرض سريع لمحتويات الكتاب، مر فيه على سياق كتابة الموضوع وظروفه ومنهجه العلمي.. ثم بدأ النقاش بمداخلة د.منال زكريا التى تناولت الأمر من وجهة نظر التعدد فى الموقف الإنساني من فكرة الثورة، مبينة: أن هناك من يضع فكرة التكيف فى إطار التعايش والذكاء الاجتماعي، ومن قد لا يفهم الفعل الثوري الذى قد يؤدى لصاحبه بالموت، وكذلك تحدثت عن تيارات فى علم الاجتماع لا تحبذ محاولات توصيف الشخصيات القومية بتعميمات كلية مطلقة، وأشادت فى الوقت نفسه بجهد المؤلف ومحاولته اللغوية لصك مجموعة من المصطلحات الجديدة. وتداخلت د. سامية قدري فى الحوار، متبنية مفهوم "أصحاب القيم الإنسانية الأعلى" الذى يطرحه الكتاب للتعبير عن الثوار، قائلة إنه يعبر كل التعبير عما نراه من تضحيات رائعة يقوم بها الشباب، مضيفة إن الذين يموتون فى الثورات والمواجهات لابد وأن لديهم إيمانا يحركهم، ويدفعهم للثبات فى أماكنهم، واستشهدت بعدة أمثلة من الأحداث الراهنة وبعض تفاصيلها. كما تحدثت عن دور الثوار المخلصين فى تغيير مصير الأمم؛ ومحاولات الثوار عبر التاريخ لتغيير مصر للأفضل، واستشهدت ببعض الجماعات الثورية السياسية التاريخية، التى كان أثرها واضحا فى تغيير مصر عبر العصور المختلفة. وتحدثت د.منى الحديدي عن العلاقة بين النخبة السياسية وبين شباب الثورة، ليتداخل معها المؤلف مفصلا دور الحركات السياسية والحراك الثورى والشبابى والدور التاريخى للحركة الطلابية التى خرجت عام 2000م (دعما لانتفاضة الأقصى) فى بنية الثورة المصرية، وكذلك دار الحديث عن بعض الشخصيات السياسية مثل:عبد الحليم قنديل والراحل د. عبد الوهاب المسيرى، وحركة 6 أبريل، ودور وسائل الاتصال الحديثة وجيل الحركة الطلابية بداية من: البريد الإلكترونى، والمجموعات البريدية، والمدونات، وصولا ل"الفيس بوك".
ثم توالت مداخلات شباب الباحثين من رواد "منتدى القراءة"، حيث أكدوا على واقعية الطبيعة الخاصة للشعب المصرى (المرتبطة بالتكيف)، واستشهدت بذلك بالفعل الثوري لكل من أسبانيا ومصر، فى أحد الفترات المبكرة من بداية القرون الميلادية العشرة الأولى.
كذلك طرح باحث مفهوم الكتاب لفكرة "إيمان الطقوس والمظاهر" و "إيمان القيم المقاومة" للنقاش، من حيث قابلية المجتمع المصرى تاريخيا لنمط ديني –قديما وحديثا- يعتمد على مقاربة الشكل الخارجي والطقوس الأدائية، وصعوبة اعتماده على مقاربة الشكل القيمى لنمط ديني فى ظل مجتمع مقهور ومستبد به، حيث وضع المؤلف نمط تدين المصريين فى إطار طبيعة التكيف والخضوع للظروف القاهرة.
وتحدث عن مفهوم الصوفية ومفهوم السلفية لنمط التدين الخاص بكل منهما، ليتداخل المؤلف موضحا الاختلاف بينهما فى مسألة الإيمان والسلطة والعبادات، حيث ترتكز السلفية بشكل أساسي على العبادات والمظاهر الأدائية الظاهرة فى نمط تدينها نوعا، ولا تفعل الصوفية ذلك من حيث اعتمادها على العلاقة الخاصة والخفية بين العبد وربه، أما من جهة السلطة فقد يقتربا فى المقاربة التى لا تقوم على المواجهة والتمرد والثورة، ولكنه أشار للاختلاف بينهما، حيث نجحت السلفية لحد بعيد فى مصر–النظام القديم- لأنها لم تقدم غالبا نمط تدين يعتمد فى مقاربته على المواجهة لقيم الاستبداد والفساد. وتحدثت باحثة عن تصور المؤلف للحضارة المصرية القديمة، ومفهومه للحضارة من حيث كونها: مجمل العلوم الحياتية المتراكمة وانتقالها من جيل لجيل، وارتباط العلوم والمعارف بفئة الكهنة مما جعل العديد من العلوم المصرية القديمة وغالبيتها – من وجهة نظر المؤلف -تتعرض لعملية الانقطاع والضياع؛ بينما استشهدت ببعض الآثار الباقية من حياة الفراعنة فى العصر الحديث، مثل الرسوم فى بعض المناسبات على البيوت المصرية، واستخدام بعض الموتيفات المعمارية المصرية القديمة فى مراحل مختلفة من المعمار المصرى إلى يومنا هذا؛ ليتداخل المؤلف مبينا أن هذه الأمثلة لا تعبر عن فكرة انقطاع العلوم الحقيقية مثل: الفلك والهندسة وبعض أسرار الطب! وأن الذى بقى لدى عموم المصريين من علوم قديمة هو الذى ارتبط فقط بالحياة اليومية لهم، مثل علوم وتقنيات الزراعة.
وأثارت الباحثة الحديث عن فكرة الدافع للثورة عند قطاعات البشر وفئاتهم، بين: غالبية يكون سلوكها وفعلها رد فعل طبيعي، وواقعي لظروف المجتمع ترضى بها إن لم تقدر على تغييرها، وبين: الأفراد ذات الطبيعة المتمردة التى ترفض الخضوع تحت أي ظرف، حيث طرحت تقسيم المؤلف للمجتمع من وجهة النظر الثورية لثلاثة أطراف: مستبد ومتكيفون وثوار، يدور السجال الثوري بالأساس بين الثوار والمستبد، ويسعى كل منهما لاكتساب تأييد المتكيفين من عموم الشعب المغلوب على أمره.
ثم عادت الكلمة مرة أخرى للمؤلف الذى تعرض للتوصيفات النظرية لدوافع البشر للثورة، مبينا أن فكرة الطبقة ككتلة واحدة لا تملك دوافع ثورية دائمة، وأن دوافع الطبقة للثورة قد تكون ظرفية وإلى حين، وقد ترتبط بحصولها على ما يرضيها من المصالح من المستبد؛ لكن طليعة الثورة والتمرد تكون دائما من الأفراد، أصحاب الرفض للقهر والظلم والسعي للحرية والمطالبين ب"القيم الإنسانية الأعلى" من داخل كل الطبقات على تنوعها، إلا أن دوافع التمرد تزيد عند الفئات التى تتعرض للظلم، لكن الثورة لا يقوم بها أو يطالب بها إلا الأفراد أصحاب "القيم الإنسانية الأعلى"، التى لا ينجح الاستبداد فى شراء سكوتها ببعض المنافع ومغريات "الدمج والتسكين" الاجتماعي. وفى الختام تحدث د. أحمد زايد مثنيا على جهد المؤلف ومتمنيا له التوفيق فى أعماله القادمة، مشيرا فى حديثه لطرح الكتاب حول سلطة "الدمج والتسكين" الاجتماعي التى تتركز فى يد الجهاز "الإداري والأمني" عبر التاريخ، بما يملكه من سلطة دمج وتسكين للمصريين فى النظام الاجتماعي والاقتصادي أو حرمان من تمرد من ذلك، ودورها فى تنميط المصريين وتكييفهم مع الاستبداد والقهر، قائلا أن رؤية الكتاب لهذه الأداة التاريخية تجعلها - من وجهة نظر علم الاجتماع- أداة مدمجة وممتزجة وذائبة فى البنية الأساسية التاريخية للمجتمع.