بمجرد أن تطأ قدماك دار الصحوة للمسنات.. تجد البسمة علي وجوه الأمهات في ظل ترحيب منقطع النظير بأي زائر يطل عليهن ليخفف من وحدتهن ويشد من أذرهن, وربما يعوضهن عما فقدنه من حنان الأبناء ولو لدقائق معدودة.. يتظاهرن بالفرحة والسعادة إلا أنهن ينهمرن بالبكاء بمجرد استرجاع شريط الذكريات.. فلكل منهن قصة مؤلمة ترويها ل الأهرام المسائي في ذكري يوم عيد الأم.. في البداية تقول سعاد صبري متزوجة ولديها ابن وتبلغ من العمر59 عام, إنها ولدت يتيمة, إلا أنها نشأت وسط أسرة مكونة من4 أفراد حيث الأب والأم وطفلين, فوجدت من هذه الأم الرعاية والحنان, وبعد وفاتها لم تطق معاملة الأبناء السيئة لها, ما دفعها إلي الهروب من المنزل لتقضي أسوأ4 أيام في حياتها علي الرصيف المقابل لمبني الإذاعة والتليفزيون, علي أمل أن تجد من يشعر بها ويقدم لها يد المساعدة. وأضافت: وبعد4 ليالي جاءتني سيدة ورويت لها القصة.. فأتت بي إلي دار الصفوة, وشعرت بفرحة عارمة حيث أصبح لي مأوي أحتمي به وصديقات أتواصل معهن وأرمي عليهن حملي الثقيل وبعد سؤالها عن ولدها ولماذا لا تعيش معه, انهمرت في البكاء وبلسان يكاد يعجز عن وصف ما تشعر به من مرارة الفراق وقسوة الانتظار قالت: قصة طويلة.. لا أريد أن أتذكرها.. كان نفسي يكون معايا في يوم زي دا.. ولا أي حاجة تعوضني عن ابني. وترجع وداد متولي عبد الحليم-72 عاما- بذاكرتها منذ أن أنجبت ابنتها مروة, حيث كانت تعيش من أجل أن تراها أسعد الناس وتفرح بها وبأولادها في المستقبل, وتعيش معهم في أواخر عمرها حتي تلقي الله عز وجل, إلا أن الحلم صار كابوسا بعد أن تخلت عنها الإبنة ورحلت بغير نية للعودة. وقالت: جاء وقت زواج ابنتي الوحيدة.. فخصصت كل ما ادخرته لها من أموال لتجهيزها.. حتي أنني أهديتها منزلي لتعيش فيه مع زوجها بعد أن اقترحت عليها تخصيص غرفة واحدة فقط لي إلا أنها رفضت وأكدت لي أنها لا تريد العيش معي وأن علي الرحيل. وواصلت قائلة: كانت صدمة عمري وأنا أري كل ما بنيته ينهار أمامي في أبشع صور الجحود ونكران الجميل, لافتة إلي أنها مرضت ودخلت المستشفي فيما بعد ورفضت ابنتها زيارتها, كما قامت بنقل محل إقامتها حتي لا تعرف والدتها طريقها وبعد أن أتم الله شفاءها خرجت من المستشفي لتواصل عملها كممرضة لإحدي السيدات في منزلها, إلي أن توفيت لتجد في دار المسنين الملاذ الأخير لها كي تعيش ما تبقي من عمرها معززة مكرمة. وأكدت أنها علي الرغم من أنها تجد كل أنواع الرعاية اللازمة في الدار من حيث العلاج والطعام والملبس, إلا أن قلبها يكاد يحترق كل ليلة ربما اشتياقا إلي إبنتها الوحيدة, أو حزنا علي تضحياتها التي لم ترد لها ولو بكلمة شكر واحدة وبعيون تملؤها الدمع قالت: أكدت لإبنتي أنني لا أريد مليما واحدا منها.. فقط أن أسمع كلمة أمي, وأضافت: بس أنا مسمحاها دي مهما كانت بنتي.. ويعوض عليا ربنا. أما الحاجة دهب رضا التي تبلغ من العمر80 عاما وكانت تعيش مع ابنتها في بيت الزوجية, وبمرور الوقت وبعد أن أنجبت الابنة ثلاثة أبناء ليأخذوا كل وقتها, شعرت وكأنها الشخص الحاضر الغائب في المنزل, حيث كانت تقتلها الوحدة وتفتقد الونس, ما دفعها إلي البحث عن دور المسنين حتي تقابل من تتحدث إليه ويصغي لها حتي تخرج من وحدتها قالت إنها أصرت علي الذهاب إلي هذه الدار لأنها قريبة من منزل ابنتها وحتي يكون هناك تواصل بينها وبين أسرتها, إلا أن العلاقة بينهم قد اقتصرت علي المكالمات الهاتفية, مع قليل من الزيارات بين الحين والآخر. وبنبرة صوت خافتة قالت: ساعات بحس إنهم بعدوا عني ومبقوش يسألوا عليا.. أبكي وتتولد لدي رغبة في الصمت والانعزال عن الجميع كي أبقي وحدي بغرفتي دون البوح بما في داخلي لأحد, وأكدت أنها لا تتمني سوي زيارة الكعبة وأداء مناسك الحج والعمرة قبل أن تلقي ربها. إحسان محمد تبلغ من العمر70 عاما فقدت زوجها الذي توفي بالذبحة الصدرية, بعد أن أنجبت منه3 أولاد وبنت, ولم تمر بضع سنوات حتي فقدت ابنتها هبة في عمر يناهز ال34 عاما, والتي كانت بمثابة الشمعة التي تضيء حياتها وتهون عليها مصاعب الدنيا. وبعد مرور سنوات, تزوج الأبناء وأصبح لكل منه حياته, ولم تعد هناك صلة بينهم وبين والدتهم, لتجلس الأم في المنزل وحدها في حالة من الوحدة أصابتها باكتئاب حاد, وقالت: كنت أقول لحالي كيف كان البيت يمتلئ بالأولاد ثم أصبح هكذا وحدي دون أن يسأل علي أحد.. كنت أبكي في صمت حتي أصبت باكتئاب شديد أثر علي عضلات فمي. وأضافت قائلة: بعد أن أصبحت حالتي لا تخفي علي أحد, أحضرني أحد أقاربي إلي الدار, حيث وجدت ما كنت أفتقده من رعاية وسؤال وصحبة واهتمام, وشعرت أنني عثرت علي أهلي من جديد أن أولادها لا يسألون عنها سوي بين الحين والآخر, وقد اعتادت أن تقضي المناسبات والأعياد بمعزل عن أولادها الذين شغلتهم الحياة, وقالت: سعات أشعر بضيق شديد من قسوة الأيام وما جرت به المقادير وأن أقضي آخر أيامي بهذا الشكل.. وأقول لحالي لو كانت هبة معايا مكنتش بقيت هنا ومكنتش حسيت بالوحدة كدة.. بس الحمد لله ربنا موجود وقادر يهون عليا ويخفف عني.