اختار محمد ان يسكن بجوار حمدي بعد ان توسم فيه خيرا, علي اعتبار ان الجار قبل الدار وبالفعل حدث بينهما تقارب سريع, ونشأت علاقة قوية, وبمرور الأيام صار كلاهما اقرب شخص إلي الآخر, إلي حد انهما كانا يمضيان سويا معظم اوقاتهما, وقلما كان احدهما يري دون رفيقه, ولكن يبدو ان عين الحسود اصابتهما, فنتيجة بعض المعاملات المالية المشتركة, تعكرت صداقتهما وتحولت إلي غل وحقد وكراهية عمياء, وأخيرا انتهت بصورة مأساوية ب حمام دماء. استقر الصديقان بالجوار متحابين متزاورين, اجتمعا علي الحلوة والمرة, علي الاحزان والافراح, تعاهدا علي الود والتعاون في السراء والضراء, لا يبخل ايهما علي رفيقه بمال أو جهد, يأكلان ويشربان ويسهران معا حتي الهزيع الأخير من الليل.. كانا يذهبان ويعودان سويا, لايكاد احدهما يفارق زميله سوي في اثناء ساعات نومهما القليلة. من شدة تلازمهما, كان من يراهما من دون ان يعرفهما يعتقد للوهلة الأولي انهما شقيقان, ولم تكن ثمة مناسبة إلا ويشاركان فيها, لكنها الحياة ومشاكلها وهمومهما خاصة المادية التي اصبح بسببها الشقيق يقتل شقيقه, والابن يمتهن كرامة والده أو والدته. عاش محمد وحمدي في احد شوارع قرية اولاد بهيج كحال أهل القري, تجاورا وكبرا حتي صارا شابين يحملان احلاما, ويشكيان هموما ويكابدان ظروفا حياتية صعبة ونتيجة لذلك, اتفقا فيما بينهما علي المشاركة ماديا, بحيث يعطي كل منهما الآخر ما يحتاجه, علي ان يكون الرد وقت انفراج الازمة وتحسن الظروف. اصبحت المعاملات المالية بينهما يعرفها القريب والبعيد, فهما ارتضيا ذلك, بمنتهي الصراحة والشفافية, لكن في بعض الاحيان, يجفل العقل ويعتري الوهن المشاعر, فيضعف الانسان, وتصنع تشوهاته النفسية ووساوسه الشيطانية غشاوة علي بصره وبصيرته, فتتبدل احواله وتتلوث شهامته, ومن ثم يزل وينحدر إلي هوة سحيقة, تكشف انانيته وتفضح عيوبه الدفينة. عدد غير قليل من الجيران والمعارف استكثروا علي الصديقين ذلك الود الزائد وتلك العلاقة الشديدة, لكنهم لم يتوقعوا مطلقا ان المال وان كان ممكنا ان يكون سببا في خلافهما, إلا انه قد يكون سببا في فراق احدهما عن الآخر فراقا إلي الابد. لقد اخذت المشاكل والخلافات تتأزم بينهما بسبب المال, واتسعت تلك الخلافات ووصلت لحد الخصام, وبرغم محاولات الأصدقاء, والجيران تقريب وجهات النظر والمصالحة بينهما, إلا ان جميع جهودهم في هذا الصدد باءت بالفشل. ركب الشيطان رأسيهما فجنحا للفراق والخصام بسبب المعاملات المادية وفي اللحظات الأخيرة تدهورت علاقتهما لاسوأ درجة ممكنة إلي حد تبادلهما السباب والشتائم والتنابذ, حتي جاء اليوم المشئوم, إذ هانت عليهما الجيرة والصداقة والمحبة والمودة, فتخلص احدهما من الثاني, بأن انهال عليه طعنا بسكين, فأرداه قتيلا وسط بركة من الدماء. ترجع احداث الواقعة عندما تلقي اللواء محسن الجندي مساعد وزير الداخلية لأمن سوهاج بلاغا من مستشفي جرجا المركز, بوصول محمد خ.أ24 سنة عامل, مصابا بجرح طعني نافذ بالصدر, ولفظ انفاسه الأخيرة فور وصوله للمستشفي. تم تشكيل فريق بحث ضم المقدم علي الصغير رئيس مباحث مركز العسيرات باشراف العميدين عباس ومحمود العبودي مدير ورئيس المباحث الجنائية, لكشف ما وراء الواقعة وضبط الجاني. وبالفحص وبسؤال عرفة ابن عم المتوفي, اتهم المدعو ح.م.ع بالتعدي علي المجني عليه بسلاح أبيض اودي بحياته, بسبب الخلاف علي مبلغ مالي, تم تحرير محضر بالواقعة واخطرت النيابة حيث صرحت بدفن الجثة بعد تشريحها, وامرت بسرعة ضبط المتهم والسلاح المستخدم في الجريمة. سوهاج- محمد أبوالعباس رابط دائم :