وكانت هذه الاراء..في البداية يري الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق أن العمل السياسي جوهر الشريعة الاسلامية التي تقوم في الاصل علي تنظيم شئون الحياة بما أنزل الله من كتاب وبما أرسل من رسوله لارساء ضوابط العدل والشوري والمساواة واحترام الناس واعطائهم حرياتهم علي اساس من الكرامة الانسانية وعدم إهدار حقوق الآخرين, فضلا عن وضع الرجل المناسب في مكانه وألا يولي أحدا وفي الأمة من هو أولي منه وأكفأ, وأن يكون كل قائد في موقعه نموذجا لغيره والكل يتأسي بالرسول في معاملة أهل بيته وجيرانه وأقرانه علي المواقع. ويضيف أبو النور أن من أهم الضوابط الشرعية الا يثري المسئول علي حساب الموقع وأن يطبق عليه مبدأ من أين لك هذا؟ كما أن كل مسئول يجب عليه أن يتقي الله ويتقن عمله بحيث لايحابي أحدا وألا يولي غير كفء, بالاضافة لأستثمار الوقت والأرض والفكر وكل الامكانات لصالح المجتمع مؤكدا أن العدل أساس الأمن في أي مجتمع. ويشير أبو النور إلي أن الحكومة الإسلامية تقوم علي المسئولية الكاملة من جانب الحاكم عن كل فرد, وكل فرد مسئول عن الافراد الذين يقعون تحت مسئوليته, والآية الكريمة تؤكد ذلك في معني قوله تعالي والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياءبعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكروالحكومة الأسلامية لاتري من يدمر ثروة المجتمع ويتعدي علي حقوق الاخرين وتقف مكتوفة الأيدي فاذا طبقت الضوابط الشرعية للممارسة السياسية تبين أنها يمكن ان تكون أساسا للأمن والرخاء والسلام بين كل الناس في المجتمع فمنذ أن جاء الاسلام لم يعرف المسلمون تمايزا بين المسلم وغيره إلا فيما فرضه الله علي كل مسلم غير أن حقوق المواطنة الكل فيها سواء حتي لو كان يختلف في الدين لأن المسلم مأمور بالاحسان الي جاره سواء كان مسلما أو غير مسلم والجار ذي القربي والجارالجنب سكنا أونسبا أودينا فمثل هذه السياسة الشرعية لاينتج عنها الا كل سلوك حضاري, حيث يعرف كل واحد حقه لكنه لايأخذه بيده إنما يرفع الامر الي القضاء والقضاء في الإسلام قضاء عدل للقريب او البعيد والموافق والمخالف ولايجرمنكم شنآن قوم علي الا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقويومن جانبه يوضح الشيخ جمال قطب أمين لجنة الفتوي الأسبق أن العمل السياسي عمل عام بين جميع فصائل الأمة وأفرادها وكل الأعمال العامة لابد وأن تنضبط باخلاق الاسلام العامة وبالتالي يجب أن نري أثر منظومة السلوك الاسلامي في العمل السياسي سواء كان تخطيطا أو انجازا, مؤكدا أن هذه الضوابط لها مستويات منها العام كالعلم بالشأن العام والاحاطة بعناصر الواقع و القدرة علي تحديد الأولويات وأهميتها بالاضافة للتعاون مع جميع الفرقاء فضلا عن أن ممارسة العمل السياسي لا يمكن أن تكون موصومة بالكذب أو النفاق أو الاضرار بالمصالح العامة لاكئاد الناس, فالاسلام اذا كان يعتبر شرب الكلب حسنة ويعتبر حبس القطة سيئة فلابد أن يراعي أهل السياسة ما يحققون به آدمية الجميع, بما لها من كرامة وإرادة. ويصف قطب بعض المصطلحات ومنها السياسة لعبة.., بأنها اصطلاحات غير علمية وغير إنسانية فلا يمكن أن تكون العلاقات بين الناس إلا للمصلحة العامة, وعدم الاضرار والشفافية والوضوح وغير ذلك ليس من السياسية ولا من الانسانية بل هو انحطاط منزهة البشرية عنه. ويؤكد الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن أي ممارسة لابد لها من ضوابط سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غير ذلك من الممارسات اليومية, فقد جاءت الشرائع لضبط هذه السلوكيات حتي لا تنقلب إلي فوضي ومفاسد إذا خلت من الضوابط وعلي رأسها مراعاة المصالح الحقيقية وتجنب أي مفاسد وفيما يتعلق بالأداء السياسي المتمثل في قبول الآخر في الصدق والأمانة والحوار بالحسني والجدال بالتي هي أحسن علي أن تكون الخيارات السياسية التي ينتهجها البعض مقصود بها وجه الله والوطن. وفيما يتعلق بعقوبة من يخالف تلك الضوابط الشرعية يستشهد فياض بقول الرسول في الذي يموت وهو غاش لرعيته حرم الله عليه الجنة للمردود السييء علي الوطن بسبب ممارسته الخاطئة والتي ينبغي عدم التساهل فيها من جانب الممارس ومن يراقبه سواء كان القانون أو الدولة أو المجتمع. بينما يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة الأسبق أن العمل السياسي لابد أن يسير وفق مباديء تتفق والقيم الدينية والأخلاقية, وأولاها أن تكون المبادئ التي يرفعها السياسي متفقة مع ما يقره الدين وما يقره الدين بالنسبة للسياسية مبادئ عامة تتمثل في عدم الاضرار بالآخرين سواء كانت تصيب الأفراد أو الجماعات أو الهيئات أو الوطن, فأي عمل سياسي يضر بالوطن يخضع صاحبه للمساءلة بل تجب معاقبته. ثانيا: أن تكون التوجهات صادقة في إعلان المبادئ ولا مراوغة ولا التواءات في العمل وهو ما يضيع كثيرا من أعمال الساسة الذين يمارسون التلون والمراوغة فلا يوجد في الاسلام الميكافيلي التي تقر الغاية تبرر الوسيلة لأن الوسيلة في الاسلام بل وفي كل الشرائع السماوية لا تبرر الغاية إلا إذا كانت جائزة شرعا, فلا يتصور أحد أن يباح من حيث الأحكام الشرعية أن يسرق الانسان ليتبرع للمحتاجين لأن الغاية أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. ثالثا: التعاون مع الآخرين الذين يعملون أيضا بالسياسة بالصدق والشفافية وهي القاعدة الي يلزم بها كل مسلم في التعامل مع الآخرين لقوله صلي الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلي الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا. ويضيف د. عثمان أنه لا توجد مخالفة شرعية إلا ولها عقوبة دنيوية, أو دينوية وأخروية, فجريمة القتل العمد لها عقوبة دنيوية القصاص في الدنيا والحرمان من ثواب الله في الآخرة وهناك مخالفات ليست لها عقوبة شرعية محددة وإنما ترك أمر تحديد العقوبة للمجتمع والتي تتفق وحجم الجريمة وتأثيرها في المجتمع ويطلق عليها في الاسلام عقوبات التعزيز وهي عقوبات غير مقدرة شرعا متروكة للحاكم أو القاضي والمجتمع يقدرها بقدرها. من جانبه يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر سابقا أن أول الضوابط التي أوجبتها الشريعة علي كل من يتولي مسئولية الآخرين أو من يسوس البلاد هي العدالة التي أمر الله بها لقوله تعالي وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فالعدل والمساواة وعدم التمييز بين أحد علي الآخرين أساس أكدته الشريعة حتي لا تكون هناك أي تفرقة بين الانسان القريب من المسئول أو البعيد عنه لأن الرسول قال: إنما أهلك من كان قبلكم انه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد لسرقت لقطع محمد يدها وهذا النموذج في المساواة بين جميع المواطنين لا فرق بين إنسان وآخر, ولو أن مسئولا اختار لعمل ما من هو دون غيره في الكفاءة والجدارة يوضح الاسلام أنه مطرود من رحمة الله لقوله تعالي صلي الله عليه وسلم من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي عليم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتي يدخله جهنم ومعني هذا أنه لا يقبل منه توبة ولا فداء ومعناه أيضا أنه من قبل المسئولية فعليه أن يتحمل تبعاتها وعليه أن يوقن أنه حاد عن منهج الله وعن مقتضي القيام بمنصبه فمصيره كما بينه الحديث النبوي وفي المقابل اذا حقق العدالة وكان رجلا عادلا لا يحابي أهله أو أقاربه أو من يمتون له بصلة وساوي بين الجميع كان أول السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله أولهم إمام عادل وهذا ينطبق علي كل من ولي أمرا من أمور المسلمين فكان عادلا معهم. ويضيف هاشم أن المسئولية تقتضي أن يأخذ المسئول بمبدأ الشوري لقوله تعالي وشاورهم في الأمر, وأن يساوي بين الجميع ولا يحابي أحدا علي حساب أحد أو حزبا علي الآخر أو يقرب فئة ويبعد الاخري حتي لا يظلم ولا يغش ولا يخون الأمانة وأن يتابع الرعية في كل صغيرة وكبيرة لدرجة أن عمر بن الخطاب قال: لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن أسأل لماذا لم تمهد لها الطريق يا عمر؟.. ولذلك كان المسلمون الأوائل ينفرون من المسئولية لعظمها.. ولخطورتها الكبيرة.